كتابنا

 زاهر بن حارث المحروقي يكتب :الصلاة في الجامع الأموي بين أردوغان ورئيسي

زاهر بن حارث المحروقي يكتب :الصلاة في الجامع الأموي بين أردوغان ورئيسي

 

من المفارقات أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هدّد في سبتمبر من عام 2012 دمشق، بأنّ صلاته بالجامع الأموي باتت قريبة جدًا، وتوّعد القيادة السورية قائلا: «سنذهب – أنا وأعضاء حزبي – إلى دمشق لنلتقي بإخوتنا، ونتلو سورة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين الأيوبي، ثم نصلي في باحات جامع بني أمية الكبير». قرأتُ الخبر حينها أكثر من مرة معتقدًا أنّ وكالة «الأناضول» التركية – التي نقلت الخبر – ربما قد سهت فذكرت المسجد الأموي في دمشق بدلًا من المسجد الأقصى في القدس. وفي سبيل تحقيق أمنيته تلك، دعم الرئيس التركي المعارضة السورية، وطالب الرئيس السوري بشار الأسد بالاستقالة «بسبب حملة القمع العنيفة التي اندلعت في سوريا عام 2011».
من المؤسف أنّ تركيا قامت بدور تخريبي كبير ضد سوريا، وذلك بتدريب المنشقين السوريين على أراضيها؛ فنتج عن ذلك ميلاد ما عُرف بـ «الجيش السوري الحر»، تحت إشراف المخابرات التركية، مع منحِ هذا الجيش منطقة آمنة وقاعدة للعمليات ضد سوريا، وزودت المتمردين بالأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى، وفتحت أراضيها لشذاذ الآفاق ليقاتلوا سوريا؛ وتطوّر الأمر بعد ذلك، إذ تدخلت القوات المسلحة التركية في عملية عسكرية مباشرة ضد سوريا، وذلك في 24 أغسطس 2016، وحسب المعلن فإنّ الهدف من ذلك التدخل هو استهداف كلٍ من داعش والقوات المتحالفة مع الأكراد في الأراضي السورية، وحقيقةً فإنّ ما حدث من التدخل التركي في سوريا لا ينبغي النظر إليه بأنه دفاع عن الشعب السوري، فهذه نكتة ساذجة؛ فالشعب السوري هو الذي دفع ثمن التدخل التركي والعربي في الشأن السوري الداخلي، وليس من مسؤولية أيّ دولة أن تعمل على الإطاحة بالحكومة السورية أو أيّ حكومة أخرى، فمن الذي فوضها بذلك؟ ثم إنّ إلصاق كلمة «الديكتاتورية» من نظام إلى نظام آخر هو من الأخطاء السياسية أيضًا؛ فكلّ الأنظمة تتشابه في «ديكتاتوريتها» بنسب مختلفة، وتختلف في التفاصيل فقط؛ بمعنى «ما حد أحسن من حد» بما في ذلك تركيا من باب أولى.
لم يستفد الشعب السوري من التأييد التركي للمعارضة السورية، بل إنهم دفعوا الثمن غاليًا، من ذلك ما أفادت به جماعات حقوق الإنسان، بما فيها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» و«منظمة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش)»، بأنّ القوات التركية قتلت مئات المدنيين الفارين من الحرب الأهلية في سوريا، بمن فيهم 76 طفلا و38 امرأة، قُتلوا على يد حرس الحدود التركي»، فيما تبيّن من بحث أجرته مؤسسة «متروبول» في سبتمبر 2019، أنّ 68% من الأتراك لا يوافقون على سياسات الحكومة التركية الحالية بشأن سوريا، فيما اعتبر 47.5 في المائة من الأتراك أنّ الجيش السوري الحر «عدو»؛ فهل يمكن أن يقال إنّ هذه ديمقراطية؟!
ولم يكن كليجدار أوغلو زعيم المعارضة التركية وزعيم حزب الشعب الجمهوري بعيدًا عن توجهات الشعب التركي، إذ ذكّر أردوغان في فبراير 2021 بتصريحاته السابقة حول الصلاة في الجامع الأموي، ووجّه في اجتماع كتلة حزبه في البرلمان التركي، انتقادًا لاذعًا لأردوغان، بسبب وجود أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري في تركيا قائلًا له: «لقد قلتَ إننا سنصلي في المسجد الأموي خلال 24 ساعة، والآن ماذا حصل؟ ملايين السوريين يصلّون في مساجدنا»! وانتقد كليجدار أوغلو السياسة التركية تجاه سوريا بأن تساءل: «ما الذي كنا نريده من القتال في سوريا؟ أود أن أعرف منك إجابة هذا السؤال نيابة عن مواطنينا وشهدائنا ومُزارعينا. دخلتم سوريا فأتى 3 ملايين و600 ألف لاجئ سوري إلينا»!
مرت إحدى عشرة سنة على تصريح أردوغان بقرب صلاته في الجامع الأموي، لكن الأمور لم تسر لصالحه، ولم تجر الرياح بما تشتهيه سفنه، فإذا الذي يصلي في الجامع الأموي، هو الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي حلّ ضيفًا على دمشق في زيارة معلنة لسوريا يوم الأربعاء 3 مايو 2023 استغرقت يومين. لا يمكن إغفال رمزية هذه الصلاة، فالجامعُ الأمويّ بدمشق كان أحد الرموز التي استُخدمت في بداية الحرب على سوريا لإسقاط الحكومة السورية، لذا فإنّ صلاة الرئيس الإيراني كانت رسالة موجهة إلى أردوغان قبل غيره، ممن كانت تقديراتهم تؤكد أنّ إسقاط الحكومة السورية مسألة أسابيع لا أكثر، وكثرت تصريحات الصلاة في الجامع الأموي من كثيرين، منهم قادة المجموعات السورية المسلحة ومؤيدوهم ممن يُسمّون بالشيوخ، «ولذلك كان مشهد وقوف الرئيس الإيراني الحليف الوثيق لسوريا وللرئيس الأسد، لأداء الصلاة في المسجد الأموي بمثابة إعلان انتصار الخيار السوري الإيراني في هذه الحرب، وإغلاق لملف محاولات إسقاط العاصمة دمشق نهائيًا» حسب رأي نور علي في صحيفة «رأي اليوم».
كانت زيارة الرئيس الإيراني لدمشق إعلانًا ببدء مرحلة جديدة لسوريا، هي مرحلة إعادة الإعمار، وليت المبالغ التي دفعتها بعض الدول العربية وتركيا لتدمير سوريا كانت صُرفت للبناء لا للهدم، وهو ما حصل أيضًا لليبيا واليمن، والسودانُ على الطريق الآن. فما فائدة الهرولة إلى سوريا الآن زرافاتٍ ووحدانًا بعد تدمير الدولة السورية وجعلها مستباحة تركيًّا وإسرائيليًّا، وفي الأساس ما فائدة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وماذا استفادت أو ستستفيد منها؟!
بالأموال العربية قُتل الشعب السوري وهُجّر وانتُهكت أعراضه؛ وبالأموال العربية أسِّست جيوش ومنظمات وعصابات ومافيات لمحاربة الدولة السورية؛ وبالأموال العربية أعيدت سوريا إلى الوراء أكثر من مائة عام، وقد يأتي أحدٌ ما ويفرح لأنّ سوريا عادت إلى جامعة الدول العربية، مثلما يفرح البعض أنّ التحالف ضد اليمن قد أنهى الحرب، فما فائدة العناق والتقبيل والاحتضان، وقد أزهقت الأرواح هدرًا، ودُمرّت الأوطان غدرًا؟
كانت صلاة الرئيس الإيراني في الجامع الأموي الكبير في دمشق خطوة ذكية جدًا ورمزية عظيمة؛ فمَن دافع عن سوريا والشعب السوري وحمى الدولة من الإرهاب العربي والصهيوني، يحقّ له أنّ يصلي في المسجد الأموي؛ فهو الأولى من صلاة رجب طيب أردوغان الذي هدّد وتوعّد، وكذلك أولى من صلاة كلّ الذين ساهموا في تدمير سوريا وقتل شعبها وتهجيرهم إلى المنافي المختلفة ذليلين بعد أن كانوا أعزاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى