صناعة السبح حرفة موروثة على مدى العصور.. اعرف الحكاية
تعتبر صناعة السبح من أشهر الحرف الموروثة على مدلى العصور، حيث تشتهر منطقة الخان الخليلي بتلك الحرفة الشهيرة، فهناك العديد من الأشخاص الذين يعملون بها على مدى عقود كثيرة.
تطور الحرفة
كشف الحاج حمدي شعبان متخصص في صناعة السبح عن مراحل تطور الحرفة، فيقول: “كنا في القديم نعمل على الخامات الخشب لأن هذه المواد كانت المتوفرة. فكنا نصنع السبح من خشب “الصندل”، وخشب العود، والأبانوس والزيتون، وبعد ذلك تعرفنا على “الكهرمان” الذي جاء إلينا من أوكرانيا، وروسيا وألمانيا. فحين جاء إلينا كان جدودي يأتون به ويشكلونه “حبيبات” كبيرة، ويدفع كمهر للفتيات عند الزواج خاصة في الفلاحين، فازدهرت حينها فكرة “العقد الكهرمان”، وكذلك الخلخال والكردان”.
وتابع: عندما انقرض العقد الكهرمان بدأ الناس في الذهاب للأرياف كي يشتروا الكهرمان من سيدات الريف. فحينها لم يكن الكهرمان مطلوبا كمهر للعروس، فأصبح يصنع منه “سبح” لذلك أعدنا صناعته وشكلناه مرة أخرى وبعناه.
مفردة هامة
وأضاف أن صناعة السبح موجودة منذ آلاف السنين. فأول من اخترعوها كانوا الفينيقيون، وبعد ذلك توارثوا المهنة، وأغلى سبحة تناولها شخص كانت مع الملك فهد في السعودية، وكانت مصنوعة من الألماس الحر، فهذه كانت أغلى سبحة في العالم.
وتابع: السبحة تمثل مفردة هامة للكثير من المجتمعات الإسلامية، وهي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون “بدعة” كما روج البعض خلال الفترة الأخيرة، لأنها تذكرنا بالله دائما. حتى الشخص غير المتدين عندما يمسك السبحة وطالما وجدها بين يديه فسيسبح الله.
ندرة السبح
الأهم في هذه الصناعة عامل الندرة. إذ يتعطش السوق للأحجار النادرة دائما فكلما ندر الشيء كلما ارتفع سعره أكثر. ويقول شعبان: “هناك أحجار نادرة أصبحت غير موجودة في الوقت الحالي، لذلك حاولنا أن نقلدها. فثمرة الكوك يقال إنها صنعت منها ألواح سيدنا النوح عندما صنع سفينته، فهذه الشجرة قديمة جدا، وعندما اختفت الثمرة لفترة زاد سعر السبحة المصنوعة من الكوك.
لكن بعد أن عادت وتوفرت مرة أخرى، أصبحت السبحة الكوك في متناول الجميع. فهي محببة بالنسبة للكثيرين، لكن ما أود أن أقوله أنه بشكل عام الندرة هي ما تحرك تلك الصناعة، وهي ما تميز سبحة عن غيرها. فأي شيء نادر ويدوي يرتفع ثمنه، خاصة وأننا حاليا لا نستخدم الصناعات اليدوية إلا قليلا. فالماكينات أمات الصناعات اليدوية، لكن في نفس الوقت هذه الصناعات تزداد قيمة نظرا لندرتها أمام هذا المد التكنولوجي.
مأساة الصناعة
ونوه شعبان: كانت اليد العاملة متوفرة في السابق ولم يكن هناك بطالة. أما حاليا فأصبحت الآلات تغنينا عن الكثير من الأفراد والعاملين في هذه الصناعة وهذه مأساة بالفعل. فورشة صناعة السبح كان يعمل داخلها حوالي 10 أفراد. وعندما دخلت الماكينات لم يتمكن هؤلاء من الاستمرار في الصناعة. وهذا هو الحال. فنحن نستخدم حاليا الطريقة اليدوية لكن بطريقة بسيطة جدا. كان يأتي إلينا بعض الأفراد، ومعه قطعة حجر نادرة، ويريد أن يصنع منها سبحة يدوية. ففي هذه الحالة نصنعها له بالطبع، وذلك لأن اليدوي يمتاز عن المصنوع بالآلات في العديد من الأمور.
فاليدوي له “روح” الصنايعي الذي بذل فيه جهده وهي تخرج بملمس أجمل وبشكل أفضل. وبالرغم من أن المكن يقبل عليه الناس، لكنه لا يمثل “قيمة”. ولو أتاني شخص وعرض عليّ شراء سبحة مصنوعة بالآلات، فأرد عليه حينها أنها لا تسوي شيئا، لكن عندما يأتي إليّ بسبحة قديمة، ففي هذه الحالة اشتريها منه.