المقدم محمد اليماني.. استخدم ظهور الإبل كمحطات لاسلكي متحركة فلم يستطع العدو رصدها
أسماء صبحي
من أرض سيناء، ولد المقدم محمد اليماني في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، تعلم الصبر والكفاح من أجل الحياة الفاضلة والصراع من أجل الأحسن. والده العمدة محمود سالم اليماني الذي شارك في ثورة 1919، وأبعدوه الإنجليز عن سيناء منفيًا إلى مديرية الشرقية. قلده عضو الوفد البارز حمد الباسل وسام الثورة، وكان والده وطنياً مخلصاً علم أبناءه في وقت عز فيه التعليم،بل في زمن عز فيه الاستقرار.
التحاقه بالقوات المسلحة
في نهاية الخمسينات تخرج محمد اليماني من كلية التجارة جامعة القاهرة، والتحق بالعمل كمراجع حسابات. ثم التحق بالقوات المسلحة سلاح الظباط الاحتياط. وركب الأخطار وتحدى الصعاب وفضل أن يكون في نقاط التماس مع العدو. عشق البادية وأحب سيناء، فلم يتركها في أحلك الأوقات يوم أن وقعت سيناء فريسة للاحتلال الاسرائيلي البغيض في عام 1967.
قال اللواء حمدي بخيت، الخبير الاستراتيجي والعسكري، إن محمد اليماني كان من الكوادر العسكرية المؤسسة للحرس الوطني على أرض سيناء في ستينات القرن الماضي. ثم كان مع الجيش المصري الذي ذهب لمساندة النظام الجمهوري في اليمن. ثم عاد ليكون ضمن تشكيلات القوات المسلحة التي دخلت إلى سيناء في عام 1967، وتحديداً في منطقة ” أم أكتاف” في شرق وسط سيناء على الحدود مع فلسطين المحتلة.
وأضاف، لانه عندما صدرت الأوامر بالارتداد والانسحاب من سيناء بعد العدوان الإسرائيلي على سيناء. قاتل مع تشكيله ثم انسحب وقاد زملاءه عبر مسالك سيناء وجبالها حتى وصل إلى منطقة الساحل في الشمال الغربي لشبه جزيرة سيناء بمنطقة بئر العبد. ثم عاد الى غرب القناة ليتلقى تكليفات جديدة بالعودة الى سيناء وقيادة عمليات إتلاف المعدات المتروكه في سيناء، ومنع العدو الاسرائيلي من الاستفادة بها. وتمت هذه العمليات بنجاح يوم 23 يوليو بعد نكسة 67.
وتابع: “كلنت عمليات الاستطلاع للعدو، وتشكلت خلايا التخابر التي لم يشرف عليها ويقودها محمد اليماني من مكتب أو من غرب القناة. بل قادها من مسرح العمليات في سيناء وفي عمقها، وكان يعبر الملاحات إلى بورسعيد سيرا على الأقدام لمسافة تزيد على 60 كم في الليلة الواحدة. مع مجموعات من أبطال خلايا التخابر ورجال منظمة سيناء العربية من كل قبائل سيناء”.
دور محمد اليماني في حرب الاستنزاف
وأشار اللواء حمدي بخيت، إلى أنه في منطقة بئر العبد وتحديدا في منطقة ” أم حسن ” جنوب قرية نجيلة. كان يتواجد بقيادة العمليات الاستطلاعية، وكانت المعلومات ترد ويقوم بإبلاغها باللاسلكي الى القيادة. مما جعل سيناء كتابا مفتوحا للقوات المسلحة والقيادة السياسية، وهذا أسهم في ضرب أهداف العدو في سيناء أثناء حرب الاستنزاف بدقة متناهية.
ولفت إلى أنه كان يقوم بنفسه أحيانا باستطلاع أهداف العدو في مناطق سيناء المختلفة. ويقوم بتجنيد العناصر النشطة والفاعلة وممن ساهموا بدور كبير ومشهود، منهم: المجاهد الكبير “عبد الله خويطر” – رحمه الله – والذي حكى اليماني قصة تجنيده حيث قال: ” اتصلت بعبد الله خويطر وكان يعمل مدرساً للرياضيات وهجر إلى وادي النيل. وعرضت عليه العمل الوطني والعودة الى سيناء ، فلم يتردد لحظة واحدة بل أعلن قبوله بالمهمة برغم المخاطر الضخمة والكبيرة التي قد يتعرض لها.
واستمرت هذه المهمة ثمانية أشهر قضاها المقدم عبد الله خويطر في قيادة عملياة الاستطلاع في سيناء مختفيًا. لأن الجميع يعرف أنه غادر سيناء، ومجرد ظهوره يثير الريبة وعلامات الاستفهام. وقد يعرضه لأكبر الأخطار من العدو”.
وهكذا كان لمحمد اليماني ذكاء فطري ومخابراتي، استخدمه في تجنيد العناصر النشطة ذات اللياقة البدنية والذهنية العالية. فقد كان الأمر يتطلب سير عناصر استطلاع العدو والتخابر عشرات الكيلو مترات والتصرف في المواقف المختلفة بحيطة وحذر كبيرين.
مناصب تنفيذية
وصل محمد اليماني إلى رتبة مقدم في المخابرات الحربية، وبعد نصر أكتوبر عين رئيساً لمدينة “كوم حمادة” بمحافظة البحيرة، ثم عين رئيساً لمدينة “دسوق”بمحافظة كفر الشيخ، سكرتيراً مساعداً لمحافظة بورسعيد، وسكرتيراً مساعداً لمحافظة جنوب سيناء، ثم التحق للعمل بالرقابة الإدارية ووصل إلى درجة وكيل هيئة الرقابة الإدارية، وكان في هذه المناصب التنفيذية مثالاً للإخلاص والشفافية والانضباط والنزاهة.
وواصل مسيرته الجهادية السابقة في العمل التنفيذي، وبعد أن وصل الى المعاش لم يكل ولم يمل. بل دخل إلى المجالس الشعبية، وانتخب رئيساً للمجلس الشعبي المحلي لثلاث دورات، لم يختلف في أداء دوره، بل استمر على نفس النسق نزاهة واداءًا مميزًا منحازًا إلى الحق والنزاهة، تشهد بذلك المواقف العديدة له.
كرم اليماني بالعديد من الأنواط والأوسمة جزاء جهده المميز، وحصل على نجمة الشرف العسكرية وعلى وسام الشجاعة، وعلى نوط الامتياز من الطبقة الاولى. له سجل حافل بالإنجازات والعطاء والفداء والتضحية، كما تم تكريمه بإطلاق اسمة على أهم شارع بخليج نعمة بمدينة شرم الشيخ محافظة جنوب سيناء.