أحمد رفعت يوسف يكتب:كل الطرق تؤدي إلى دمشق ولكن لماذا؟.
أحمد رفعت يوسف يكتب:كل الطرق تؤدي إلى دمشق ولكن لماذا؟.
برزت ظاهرة التحرك السياسي والدبلوماسي العربي وبعض الأوروبي والأمريكي باتجاه دمشق، على وقع الزلزال الذي ضربها مع تركيا في 6 شباط الماضي.
أبرز هذه التحركات الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى سلطنة عمان، والزيارات التي قام بها إلى دمشق رؤساء البرلمانات العربية الذين كانوا مجتمعين في بغداد، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، وإعلان تونس إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وما رافق ذلك من اتصالات هاتفية مع الرئيس الأسد وكبار المسؤولين السوريين.
يضاف إلى ذلك التسارع في العلاقات السورية التركية، والتي تقف اليوم على أبواب لقاء وزيري الخارجية، والذي كان سيحصل لولا وقوع الزلزال، وهناك حديث أكدته موسكو عن لقاء قريب، يجمع وزراء خارجية البلدين بحضور الوزيرين الروسي والإيراني.
هذا التحرك الجماعي باتجاه دمشق كانت قد بدأت مؤشراته قبل الزلزال، لكن حدوث الكارثة الإنسانية سرعت به كما ونوعاً، وكانت غطاء للأهداف الحقيقة لهذا التحرك.
بالتأكيد يقابل هذا التحرك برضا وتفاعل سوري رسميا وشعبيا،ً باعتباره يعطي أملا بالخروج من حالة الاستعصاء في الملف السوري، والذي ينعكس ضغوطا سياسية واقتصادية ومعيشية رهيبة على الشعب السوري، لكن هذا الحراك أثار تساؤلات حول أهدافه وغاياته وتأثيره على الأزمة السورية، وهي تستعد لدخول عامها الثالث عشر بعد أيام قليلة، وعلى تطورات وتوازنات المنطقة بشكل عام.
ان نظرة موضوعية وهادئة، وبعيدا عن لغة العواطف، والحالة البائسة التي يعاني منها الشعب السوري، تشير إلى أن هذا الحراك ترافق مع سلسلة اجتماعات ومواقف أبرزها:
من كان وراء مبادرة زيارة رؤساء البرلمانات العربية لدمشق هو رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، وهو رجل أمريكا والسعودية في العراق والمقرب من تركيا أيضاً.
بذل وزير الخارجية المصري سامح شكري، جهودا كبيرة لمحاولة إيصال رسالة تقول بأن زيارته إنسانية، وليست ناتجة عن تحول سياسي في الموقف المصري.
الدولة الأكثر حركة في السماء السورية لنقل المعونات والمساعدات كانت الإمارات، صاحبة مشروع الديانة الإبراهيمية، والمتصدرة اليوم لحركة التطبيع مع ال.كيا.ن الإسرائيلي.
وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان توجه إلى العاصمة الأوكرانية كييف، بدل توجهه إلى دمشق – كما توقعت بعض الأخبار – والتقى هناك الرئيس زيلينسكي وإعلانه من كييف عن حزمتي مساعدات مجانية كبيرة، بلغت حوالي 500 مليون دولار، وهي تساوي عدة أضعاف ما قدمته السعودية لسورية المنكوبة بالزلزال، وبنتائج الحرب الإ.ر.ها.بية، والعدوان الشرس الذي شن عليها، وكانت السعودية المشارك الرئيسي في ذلك العدوان، وتمويله بعشرات المليارات من الدولارات، وبعشرات الألوف من الإر.ها.بيين، وبشيوخ وفتاوى التك.في.ر ذات المنشأ الو.ها.بي.
الموقف المخزي لحكام لكويت بالامتناع عن تقديم أي مساعدة، أو حتى للقيام بأي مبادرة إنسانية، رغم ما لسورية من ديون عليها، في المواقف ضد غزو صد.ا.م حسين للكويت، والمشاركة عسكرياً في حرب تحريرها.
سماح سلطنة عمان للطيران الصه.يو.ني بالمرور في أجوائها، وهي التي تستضيف اليوم معظم الاتصالات واللقاءات والاجتماعات حول قضايا المنطقة.
ومع التأكيد على صدق مشاعر الشعوب والمجتمعات العربية، التي أبدت تعاطفا حقيقياً مع الشعب السوري، وحتى في المشاعر الشخصية للكثير من المسؤولين العرب، لكن ما نراه على الصعيد الرسمي من حراك عربي نحو دمشق، سواء قبل الزلزال أو على وقعه، يؤكد حقيقتان هامتان:
الأولى أن ما تم لم يكن نتيجة صحوة ضمير، أو عودة الوعي، أو تغيرات جوهرية في النظام العربي الرسمي من سورية، الذي لا يزال يقع تحت سيطرة أنظمة التط.بي.ع والتبعية للأمريكي.
والثانية أن ما تم لم يكن خروجاً عربيا عن الإرادة الأمريكية، وإنما بضوء “أصفر” أمريكي، له غاياته وأهدافه التي تخدم الأهداف والسياسات الأمريكية والص.هيو.ن.ية في سورية والمنطقة.
أيضاً لا يمكن فصل ما يجري، عن الأجواء والتطورات الهامة التي تشهدها الساحة السورية والإقليمية والعالمية بشكل عام وأهمها:
استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع داخل سورية، والذي ترافق مع تنشيط أمريكي لخلايا د.ا.عش، ووصول الأمور إلى مرحلة ستنهي حالة ما يسمى بـ “الصبر الاستراتيجي” الذي تتبعه سورية وحلفاءها، حتى استكمال الأجواء والاستعدادات، للتمكين من الرد على العد.و.ا.ن الإسرائيلي والأمريكي وردعه.
وصول حالة الضغط والحصار الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية على سورية ولبنان إلى حالة لا يمكن السكوت عنها، والتي وجدت ترجمة لها في خطاب السيد ح.س.ن ن.ص.ر ا.لله الذي هدد بالرد على الفوضى الأمريكية في داخل ال.كيا.ن الص.هيو.ني.
التطورات المتسارعة في العلاقات السورية التركية، وما يحدثه ذلك من أضواء مختلفة الألوان في أكثر من عاصمة، وخاصة في القاهرة والرياض إضافة إلى تل أبيب وواشنطن.
مؤتمر العقبة الأمني في الأردن في 26 شباط/فبراير الماضي، الذي عقد بناء على طلب أمريكي، وجمع مندوبين من الأردن ومصر وسلطة محمود عباس وال.كيا.ن الص.هيو.ني والولايات المتحدة، والهدف تطويق تنامي حالة المقاومة التي يبديها الشعب الفلسطيني وخاصة في الضفة وأراضي 48، والتي تعطي مؤشرات على قرب انتفا.ضة ستكون أقوى وأعمق من كل ما حدث، وتضع ال.كيا.ن الص.هيو.ني أمام مأزق حقيقي.
حالة التوتر والانقسام التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي، والذي وصل باعتراف مختلف المسؤولين الإسرائيليين إلى خطوط حمراء.
وصول الملف النووي الإيراني إلى حالة الموت السريري، والحديث عن اقتراب إيران من الوصول إلى هدف تخصيب اليورانيوم بنسبة تسعين بالمئة، وهو الحد المطلوب لتصنيع السلاح النووي في حال اتخاذ قرار بذلك.
تنامي وتسارع العلاقات الإيرانية مع كل من روسيا والصين، وفي مختلف المجالات، وخاصة العسكرية والاستراتيجية.
** التطورات المتسارعة في الحرب الأوكرانية وتشعباتها، والتي لا تسير لصالح الطرف الأمريكي ومنظومته.
هذا القراءة للتحركات السياسية والدبلوماسية باتجاه دمشق، والأجواء المحيطة بها، تؤكد حقيقة هامة، وهي عودة الدور السوري كلاعب رئيسي في المنطقة، وهذا لم يأت من فراغ، وإنما بعد فشل اثنتي عشر عاما من العد.و.ا.ن عليها، لمحاولة إلغاء هذا الدور، لتجد كل الأطراف الإقليمية والدولية نفسها وهي تقف عند سطوة الموقع والموقف الجيوسياسي لسورية، والاقتناع بأن أي طرف يبحث عن دور مؤثر في المنطقة، أو يحاول استعادة دور ضائع، لا يمكن أن يتم بدون المرور عبر البوابة السورية.
وفي ظل الأجواء التي تشير إلى أن المنطقة تسير نحو التوتر والتصعيد، وقد تشهد الانفجار في أية لحظة، وبالتالي فهذا يستلزم من طرفي الصراع الاستعداد، وتهيئة الأجواء لكسب هذه المعركة، التي ستكون فاصلة للعديد من الملفات والأزمات، في المنطقة التي تعتبر مؤشر هبوط وصعود الامبراطوريات عبر التاريخ، وهذا لا يمكن أن يتم بدون تحديد موقف وموقع سورية في أي ضفة ستكون.
هذا يؤكد تجدد الصراع الشرس القديم الجديد على سورية، وعلى من سيصل إلى دمشق أولا، ويضمن موقفها إلى جانبه، أو على الأقل تحييدها، وما يجري اليوم ليس أكثر من عمليات استكشاف، وتقديم إغراءات ووعود من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها وأدواتها لدمشق، بانتظار تحديد خياراتها، بين القبول بهذه الإغراءات والوعود، أو الاستمرار في نهجها الحالي، والانتقال إلى مرحلة جديدة من التصعيد والضغوط.
يؤكد هذا التوجه، تزامن التحرك باتجاه دمشق، مع الحديث عن مبادرة أمريكية خليجية مصرية للحل السياسي في سورية، ضمن مبدأ (خطوة مقابل خطوة) ترافقها تقديم بعض الإغراءات ووعود بتخفيف الحصار، وتنتهي بانتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف الأمم المتحدة، وهذا يعني عمليا “تغيير النظام” في سورية، وتحقيق الأهداف الأمريكية بالسياسة بما عجزت عنه خلال 12 عاما من الحرب والحصار والضغوط.
طبعا هذا ما تقوله واشنطن ومن معها، لكن ما لدى دمشق وحلفاءها وأصدقاءها قد يكون شيئاً مختلفا، بعدما عرفت دمشق وخبرت مواقف كل الأطراف، في صراع مرير على حافة الهاوية، طيلة اثنتي عشر عاما، كادت أن تنهار وتتشظى فيها سورية والمنطقة، قبل أن تتمكن سورية بفضل ما تمتلك من عوامل قوة كامنة، ومن تحالفات، من إفشال كل محاولات إلغاء دورها وموقفها ومكانتها، وهو ما يجعلها في موقف تستطيع فيه اليوم قول كلمتها، رغم ما تعانيه من حصار وضغوط.
طبعا لا نستطيع القول إننا موجودون في قلب وعقل صانع القرار السوري، لكننا نستطيع التأكيد أن سورية لن تنخدع بالإغراءات والضغوط، وهي صاحبة مبدأ “ثمن مقاومة الأعداء أقل من ثمن الاستسلام لهم” ولن تفرط ببساطة بمن وقف معها في اللحظات الصعبة، وأنها لن تغفل أن الآخرين وبعد فشلهم بكل محاولات إسقاطها بحاجة لها ربما أكثر من حاجتها لهم.
هذا يعطي مؤشرات على أن المنطقة تسير نحو التصعيد، في جولة جديدة من “الصراع على حافة الهاوية” أكثر بكثير من مؤشرات التهدئة، وأعتقد أن ما قاله السيد ن.ص.ر ا.لله في خطابه الأخير يقدم الصورة الحقيقة عن المشهد في المنطقة اليوم.