لواء د. سمير فرج يكتب:الهجوم المضاد الأوكرانى المنتظر.. إلى أين؟
لواء د. سمير فرج يكتب:الهجوم المضاد الأوكرانى المنتظر.. إلى أين؟
بعد أن انقضى فصل الشتاء، كان الجميع على الجبهة الروسية الأوكرانية يستعد إلى القادم فى فصل ربيع، حيث أعلنت أوكرانيا أنها ستقوم بهجوم مضاد لاستعادة الأراضى الأوكرانية التى فقدتها فى العام الماضى فى الأربع مقاطعات: لوهانسك ودونيتسك وزابورجيا وخيرسون، والتى تمثل 20% من أراضى أوكرانيا.
وخلال فترة الشتاء، قام الجيش الروسى بتقوية دفاعاته وإعادة تنظيمها؛ ببناء أنساق دفاعية ومواقع تبادلية ومواقع تحويلية وأماكن تمركز الاحتياطيات للقيام بالهجمات المضادة وتنظيم إقامة الموانع على الخطوط الدفاعية.
كل هذه الإجراءات نحن نعلمها جيدا؛ لأننا فى مصر نتبع العقيدة الروسية، وسبق أن نفذنا هذا الأسلوب بعد هزيمة حرب 67، حيث قمنا ببناء الخطوط الدفاعية المصرية على الضفة الغربية لقناة السويس، ومعنا الخبراء العسكريون الروس فى هذا التوقيت، لذلك أستطيع أن أتفهم تمامًا ما فعلته القوات الروسية على خط الجبهة فى فصل الشتاء.
حتى عندما أعلنت أوكرانيا أنها نجحت فى إجبار الروس على الانسحاب من منطقة نوباس على نهر الدنيبر.. أقول إن القوات الروسية هى التى انسحبت بإرادتها حتى تكون دفاعاتها مرتكزة على النهر، وعندما تحاول أوكرانيا الهجوم، فعليها أولًا اقتحام المانع المائى، وهو نهر دنيبر، ثم بعدها الدفاعات الروسية.. وطبعا هذا ذكاء من القوات الروسية المدافعة، رغم أن أوكرانيا أطلقت أبواق الدعاية بأنها أجبرت الروس على الانسحاب من هذا الموقع.
عمومًا، بدأ الربيع، والقوات الروسية وأنظمة دفاعاتها، طبقًا للمفاهيم العسكرية، على أكمل استعداد لصد الهجوم الأوكرانى المضاد.
وعلى الجانب الأوكرانى، تم استغلال هذه الفترة بتسلم الأسلحة الجديدة من دول حلف الناتو؛ تمثلت فى «الدبابات الليوبارد الألمانية، وتشالنجر الإنجليزية، والدبابات M1A1 الأمريكية، ثم بطاريات الباتريوت المضادة للصواريخ والطائرات من أمريكا، وتموين ضخم من الأسلحة والذخائر التى استهلكتها فى الشتاء بلغت فقط من الولايات المتحدة 2.2 مليار دولار فى شهرين فقط».
وبالطبع، كانت هذه الأسلحة الجديدة تحتاج إلى تدريب للأطقم الأوكرانية، حيث تم التدريب عليها خارج أوكرانيا، فى إنجلترا وفرنسا وبلجيكا، حتى لا تتعرض هذه القوات لمهاجمتها بمعرفة القوات الروسية.
وجاءت المفاجأة بموافقة الولايات المتحدة على تدعيم أوكرانيا بطائرات (F16) المقاتلة المتقدمة؛ ومعنى ذلك أن التدريب على هذه الطائرات الأمريكية من الطيارين الأوكرانيين على قيادة الطائرات أمريكية الصنع يحتاج إلى فترة لا تقل عن أربعة إلى خمسة شهور، ليس فقط الطيارين، ولكن أيضا أطقم التسليح والصيانة والإمداد بالذخيرة.
من ذلك كله، نرى أن هذه الطائرات المقاتلة الجديدة (F16) لن تشترك فى القتال على الجبهة الأوكرانية قبل شهر أكتوبر القادم، وهذا الأمر أدى إلى استنكار البعض قيام القوات الأوكرانية فى البدء فى هجومها المضاد هذا الشهر قبل وصول الطائرات الأمريكية الجديدة (F16).. ولكن فجأة أعلن الرئيس الأوكرانى أن قواته بدأت الهجوم المضاد على القوات الروسية الموجودة على الأراضى الأوكرانية.
وحتى الآن، فإن بوادر نجاح هذا الهجوم المضاد الأوكرانى لا تبدو مشجعة، خاصة أن معظم التقديرات العسكرية لا تتوقع للقوات الأوكرانية القائمة بالهجوم المضاد النجاح، لأن الروس لديهم تفوق جوى فى ميدان القتال بالكامل، وهذا هو أهم مبادئ الهجوم المضاد: أن تكون لك قوات جوية تساند هذا الهجوم، ثانيًا، أسس قوانين القتال تقول إن قوة المهاجم يجب أن تكون ثلاثة أضعاف القوات المدافعة، وهذا لا يمكن تحقيقه للقوات الأوكرانية حاليا.
إلا إذا ركزت كل قواتها فى اتجاه واحد لتحقيق اختراق، وهذا لم يتم، حيث تهاجم القوات الأوكرانية على الدفاعات الروسية بالمواجهة بالكامل، وهى قوات تتحصن بدفاعات قوية كما أوضحنا من قبل. ثالثًا، إن القوات الروسية تمتلك قوة نيران هائلة، تتمثل فى صواريخ فرط صوتية جديدة، الكينجال (الخنجر)، وإسكندر التى تحقق لها كمية كبيرة من التدمير خاصة المدن.
رابعًا، أن روسيا نجحت الشهر الماضى فى تدمير بطارية باتريوت الأمريكية فى سماء كييف العاصمة، وكانت ضربة قوية، لدرجة أن الولايات المتحدة أرسلت فى صباح اليوم الثانى مجموعة كبيرة من الخبراء لدراسة كيف تم تدمير هذه البطارية التى هى أحدث بطاريات دفاع جوى فى حلف الناتو، حيث حددت الأسباب وأسلوب علاجها من مصانع الإنتاج.
وعلى الجانب الآخر، فوجئت روسيا هى أيضا بأكبر ضربة بوصول طائرة مسيرة بدون طيار لمهاجمة مبنى الكرملين فى وسط موسكو العاصمة.. وكيف ذلك وروسيا تمتلك أكبر وأحدث نظام دفاع جوى فى العالم، لدرجة أنه بعدها بأيام كانت روسيا تحتفل بعيد النصر على النازية فى الحرب العالمية الثانية، حيث اقتصر الاحتفال على مدة قصيرة، وتم منع قيام القوات الجوية الروسية بأى استعراضات فى ذلك الاحتفال خوفا من وصول الطائرات المسيرة الأوكرانية مرة ثانية لتهديد هذا الاحتفال!.
ومع بدء الهجوم المضاد الأوكرانى ضد الدفاعات الروسية، نجحت روسيا فى تدمير عدد من الدبابات والمدرعات الأمريكية، وأسلحة حلف الناتو.. وأعتقد أنها تمثل أيضا صدمة جديدة لقوات حلف الناتو.
ومع تطور الهجوم المضاد الأوكرانى، لم يبدُ حتى الآن أى اختراقات كبيرة ناجحة، بل نجاحات ضعيفة فى الاستيلاء على بعض القرى. وتمثل الاختراق فى آلاف الأمتار أو الكيلومترات المحدودة. وأعتقد أنه من خلال تسريبات الوثائق التى حدثت فى الشهر الماضى من البنتاجون الأمريكى، كان بعض هذه الوثائق يشير إلى أنه طبقًا لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، فإن الهجوم المضاد الأوكرانى ليس من المنتظر أن يحقق نجاحات كبيرة، وإنه فى حالة نجاح تحقيق نجاحات محدودة، سيكون ذلك ضد الروح المعنوية للجيش الأوكرانى.
وتقول تقارير معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن- وأنا أتفق معه تماما- إنه كان يجب على أوكرانيا الانتظار لحين استكمال تدريبات قواتها بالأسلحة الجديدة واستيعابها، خاصة الطائرات الأمريكية F16، حتى تكون لديها قوة نيران هائلة تستطيع اختراق الدفاعات الروسية.. ولكن يبدو أن الرئيس الأوكرانى تعجّل القيام بالهجوم المضاد هذا الشهر.
خوفا من أن بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه قد يضع المشكلة الأوكرانية فى ثلاجة نسيان، خاصة أن العديد من الشعوب الأوروبية بدأت تُظهر عدم رضاها عن الدعم العسكرى الكبير إلى أوكرانيا، وتأثير ذلك على اقتصاد هذه الدول.. كذلك إن المعركة الانتخابية الأمريكية على الرئاسة قد بدأت مبكرا.. كل هذه الأمور تجعل الأوضاع غير مستقرة على جبهة القتال.
على أى حال، فإنه ليس من المنتظر من وجهة نظرى المتواضعة أن يحقق الجانب الأوكرانى نجاحا كبيرا فى الهجوم المضاد هذه الأيام، خاصة أنه يرفض الدخول فى مفاوضات سلام مع روسيا، لأن العالم كله يرفض هذه الحرب التى أصبحت تؤثر اقتصاديا على شعوب الكرة الأرضية.. لذلك يأمل الجميع فى أن تبدأ مفاوضات السلام قريبًا بعد الوساطة الإفريقية، ومنها مصر، ثم الإمارات، ووساطة رئيس الجزائر.
وأعتقد أن الوساطة الصينية كانت أيضا مهمة للغاية، ولكن جاء الرد الأمريكى لها سريعا، بحجة أنها متعاطفة مع الجانب الروسى، لذلك سيظل الأمل دائما فى الحل السلمى لإنهاء هذه الحرب.