تعرف على استعمالها.. ولماذا أطلق الصعايدة على الحنة “تمر الجنة”؟
فرش بسيط أمام محل لا يقل عنه بساطة، في أحد الأزقة المشهورة منذ سنوات طويلة في مدينة نجع حمادي، شمالي قنا، مسن يرتسم في وجهه خارطة صنعها الزمن وحجم ما مروا به من بشر، متخذا للحناء مكانا مخصص شديد التميز، من وجهة نظره.
يقول العم محمد سويلم، مسن- عطار بشارع الجنينة: منذ نشأتنا ونسمع مكانتها وبركتها من آبائنا وأجدادنا، رغم غلاء أسعارها في الفترات الأخيرة، من 20 جنيها للكيلو إلى 30 جنيها، وقلة زبونها إلا أنه لن ينقرض أو يندر أبدًا لأن “الحنة تمر الجنة”.
للحنة علاقة مميزة مع المجتمع المصري وخاصة القنائي وإقليم الجنوب بشكل خاص، برغم زخم تراثه الثقافي وموروثاته الشعبية، لامتزاج العديد من الثقافات المتوالية من الفرعونية والإسلامية وإلى الآن، التي تصاحبه حتى في معاملاته وسلوكه، بل جعل بعضها طقوس مصاحبة لكل مناسبة، لا تموت مع الزمن، جديرة للبحث والتأمل.
فللحناء استخدامات عدة لديهم في مناسبات انفعالية متناقضة بخلاف الأساليب العلاجية أو التجميلية، المتعارف عليها، فيستخدمونها للموتى عند الدفن والأعراس، حتى أن بعض الأهالي في مركز إسنا بمحافظة الاقصر، أمس، على طريقة الكرنفالات في شوارع أوروبا، أقاموا مهرجان للحنة احتفالا بعرس أحد شباب المدينة، لم يكتفوا بالاستحمام بالحناء ورميها على بعضهم في أجواء احتفالية، بل تبادلوارمي الألون على بعهضم بعضا بجانب الحناء.
تقول الخالة أم أيمن، مسنة، نستخدم الحناء منذ زمن طويل، في الأفراح والأحزان، بنفس الأهمية وحرص اقتنائها في كل الحالتين، فهي تجلب الحنين والحنان للعرائس حيث خصص لها يوم منفرد، لأهميتها يصبغ العروسين وأحبائهم أكفهم وكواعب أرجلهم، معتقدين أنها قدم السعد، ويد الطهر، وجالبة حظ سعيد، وتقوية العلاقات الاجتماعية، مغنين هذه الليلة “حنيني يا حناوي”.
كذلك في الحزن حيث يضعون الحناء كنبات طيب الرائحة تحت الموتى وفوقهم قبل الدفن، جالبين الطمأنينة والسلام للمتوفى، معتبرينها “تمر الجنة”.
يعود العم سويلم معددًا استخدامتها كعلاج طبي لبعض الأمراض والآلام، بالإضافة لاستخدامتها السابقة التي تحفظ له على الزبائن حتى وأن كثرة أنواع الصبغات، وضعها في مكانة عالية، وإن تأثرت قليلاً على حد تعبيره.
الحناء هو عبارة عن ورق من شجيرة من الفصيلة الحنائية معمرة، تعمر حوالي ثلاث سنوات وقد تمتد إلى عشرة، مستديمة الخضرة، غزيرة التفريع، يصل طولها إلى ثلاثة أمتار، وهي خضراء اللون وتتحول إلى البني عند النضج.
وتنمو في بيئة حارة، لذا فهي تنمو بكثافة في البيئات الاستوائية لقارة إفريقيا كما انتشرت زراعتها في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط وأهم البلدان المنتجة لها مصر والسودان والصين والهند، ومن أجود الأنواع في مصر الحناء التي تأتي من أسوان، بحسب العطار تاجر الحناء.
وحول استخدام الفراعنة للحنا ء يقول الدكتور رؤوف الورداني، دكتور بكلية الآثار، جامعة جنوب الوادي، إن الحنة ارتبطت بثقافة المصر القديم في عصر الفراعنة وأيضًا الاسلام، موضحًا أن هناك إقليم 22 ويسمى صفط الحنة، آخر إقليم في الوجه البحري يليه المنطقة الشرقية ثم قنا من ناحية البحر الأحمر.
الإقليم عرف بزراعة الحناء، وكان يسمى قديمًا يفطي ارتباطًا بالمعبود حور إيفطي بمعنى الحور الشرقي، كما أن في الأبحاث الأخيرة تشير لوجود بقايا في المومياوات لبعض المواد مثل الحناء والكمون، واصفرار شعر المومياوات مما يشير لاستخدام السيدات له.
المعبود حور إيفطي يعني شروق الشمس، وارتبط لدى المصريين القدماء بالميلاد وبحث الحياة حيث شروق الشمس، ولعل الحنة ارتبطت بالبدايات الجديدة في حياة الإنسان في اعتقادهم فاستخدموها حتى الآن في الزواج ولحديثي الولادة.
بالإضافة لحديث النبي محمد- صلى عليه وسلم- عن أهميتها واستخدامه لها، لذلك الحنة ترتبط بالإنسان المصري منذ جذور التاريخ.