تاريخ ومزارات

البابور المصري.. رحلة لاجئ أرميني هرب من مذبحة عثمانية

قبل أكثر من قرن مضي، وتحديدًا في عام 1920، وصل القاهرة هربًا من المذابح العثمانية، شاب لم يتجاوز العشرين من عمره، يرافقه شقيقته الصغيرة، تجاوز عدة آلاف من الكيلومترات، تخفي ليلًا ونهارًا، تواري عن أعين جواسيس القوات التركية، والتي انتشرت داخل القري الأرمينية خلال الحرب العالمية الأولي، قبل أن يرتكب جيشها واحدة من أبشع مذابح التاريخ الحديث، مذابح راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف إنسان.

 أصل كلمة بابور

“أفاديس نارسيس تشيكجيان”.. ذلك الشاب الأرميني، والذي جاء إلي مصر محملًا بطموحات شاب واجه الموت ألف مرة، قبل أن يستقر في القاهرة، عاني كثيرًا بحثًا عن عمل يقتات وشقيقته منه، وعندما فشل في ذلك قام بشراء دكان صغير في ميدان العتبة، لم تتعد مساحته المترين، وقام بتخصيصه لبيع بعض الادوات المنزلية، والتي كانت في ذلك الوقت طفرة تكنولوجية كبيرة، وبعد سنوات قليلة قرر أن يتخصص في بيع البابور “بريموس”، وهو عبارة عن مواقد تعمل بالكيروسين.

وفي هذا الصدد قال ماجد الراهب الباحث في التراث، ترجع أصل كلمة بابور إلي اللغة الفرنسية، حيث مصطلح Vapeur، والتي تعني بخار الكيروسين الممتزج بالدخان، وبمجرد دخولة إلي مصر عام 1930 انتشر بين الناس، في القري وفي المدن، وكان يُستخدم إما في الطهي أو للتدفئة في ليالي الشتاء الباردة، وكانت من النوع “بريموس”، والتي تعني باللغة السويدية “موقد”، حيث تعود العلامة التجارية لأحد أهم المؤسسات الصناعية السويدية المتخصصة في صناعة مواقد الكيروسين.

نقلة نوعية

ونوه الباحث في التراث، مثل البابور المصري نقلة نوعية بدء من ثلاثينيات القرن الماضي، حيث كان معجزة تكنولوجية ساهمت في مساعدة السيدات وربات البيوت في أعمال المنزل، كما رحمت الجميع من عناء إشعال نار الحطب والنفخ وجرف الرماد وغبار الفحم ورائحة الدخان، فأضحي بصوته الشجي الهدار مصدر دفء وطمأنينة للأسرة المصرية، وحتي اليوم تستعين به بعض الأسر الريفية، سواء في صعيد مصر، أو في الدلتا للبابور.

 

وقال الباحث في التراث، أما عن دكان أفاديس، فقد بدأ سنة 1930 بمساحة لا تتعدي المترين، وبعد سنوات قليلة ونتيجة لرواج تجارته، اصبح يمتلك ستة دكاكين بمنطقة العتبة، وذلك قبل أن يمتلك مبني كامل في ميدان العتبة ويحمل إسم بريموس، وكان يختص فقط ببيع الأدوات المنزلية، وعلي رأسها بابور بريموس، وفيما بعد أصبح هذا المقر مركزًا إقليميًا لمنطقة الشرق الأوسط، وكانت تدخل مصر قطع صغيرة داخل صناديق خشبية، ثم يتم تجميعها وشحنها للدول العربية والأفريقية، وفي عام 1970 قرر أفاديس نارسيس تشيكجيان إنشاء مصنعين لتصنيعه بكل المقاسات المخلفة، وقبل وفاته سنة 1998 قام ببيع كل شيء لرجل أعمال مصري.

الجدير بالذكر أن ي البابور بريموس يتكون من عدة أجزاء مُصنعة من النحاس، فهو يتكون من جسم إسطواني الشكل بقطر يصل إلي حوالى عشرين سنتيمترًا، وبإرتفاع يصل إلي حوالي عشرة سنتيمترات، ويحتوي على فتحتين جانبيتين، وأخرى علوية، الأولي عبارة عن غطاء يستخدم لتعبئة الكيروسين وبه مفتاح لتفريغ ضغط الهواء الداخلي جزئيًا أو كليًا، والثاني يحتوي على مكبس هواء به صمام عدم رجوع “سكس بلف”، يستخدم لدفع الهواء إلى داخل الخزان لزيادة الضغط الداخلي، ويمنع خروجه في نفس الوقت، ولتشغيل البابور يتم تركيب ماكينة الإشعال في الفتحة العلوية، وهي عبارة عن ثلاث مواسير من النحاس الأحمر متداخلة تتصل بدايتها بالفتحة العلوية للخزان وتلتقي في نهايتها بنقطة واحدة يتم تركيب فونية بها، والفونية عبارة عن قطعة من النحاس بها ثقب دقيق يتجه لأعلى لخروج بخار الكيروسين المسئول عن عملية الإشتعال، وعلى المنطقة الفاصلة بين الماكينة والخزان توجد أسطوانة صغيرة من الصاج بقطر حوالي خمسة سنتيمترات، تقوم بتسخين الماكينة عند بدء التشغيل، يقف ذلك الجسم علي ثلاثة أرجل من الحديد ممتدة أفقيا أعلى الموقد بإرتفاع يصل إلي 30 سم، كما أنها تُستخدم في حمل إناء الطهى، وأحيانا يتم وضع حمالة خارجية حول الموقد لحمل الآواني ثقيلة الوزن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى