فنون و ادب

“الغنيوة” و”شتيوة” و”المجرونة”.. فرقة عرب الفيوم تُحيي التراث البدوي

أبدع بدو الفيوم نوعا من الغناء الشعبي الذي يخصهم، وكغيره يحمل الغناء البدوي معاني متنوعة مثل الإقبال على الحياة، والحب، والعمل، والفخر بالانتماء للقبيلة التي يعدد خصالها ومكارمها، إضافة إلى الدور الوظيفي حيث يمد بشحنات خاصة تقلل من تعب العمل وتزيد من القدرة على تحمل المشاق.

وفي عام 1984 تأسست فرقة تهتم بتقديم هذا النوع من الغناء في الفيوم، هي فرقة “عرب الفيوم البدوية” كإحدى الفرق الفنية التابعة لفرع ثقافة الفيوم، وحتى الآن تواصل الفرقة نشاطها المتميز بطابعه البدوي، والذي يظهر بداية من الملابس البدوية التي يرتديها أعضاء الفرقة، وبعض آلات العزف البدوية، والغناء البدوي ومنه المتوارث عبر أجيال من الآباء والأجداد.

يقول حسنى فرج الفرجاني، عضو مؤسس للفرقة: ظهرت فكرة تكوين فرقة تهتم بتقديم التراث الغنائي البدوي الذي يمثل جزءًا من ثقافتنا، والتي تسعى لإعادة وإحياء الحكايات البدوية، على يد الحاج فوزى سليمان، حيث كان بعضنا دائما يذهب إلى منزله ونقوم بالغناء في حفلات السامر، وهو حفل يكون الرقص على دقات الطبول والدفوف ويصاحبه صوت العزف على آلة المقرونة، سمته المميزة، حينها لم يكن لدينا خطط لتأسيس فرقة، لكن لظهور هيكلة جديدة في وزارة الثقافة وبروز دور الثقافة الجماهرية اقترح الحاج فوزى تكوين فرقة تكون تابعة للثقافة، وكانت فرقة عرب الفيوم البدوية التي مازالت تقدم الفن الغنائي البدوي منذ تأسيسها وحتى الآن.

ويكمل الفرجاني، بدأت الفرقة بـ12 عضوا، ما بين مغنيين وعازفين، وبمرور الوقت زاد العدد، وتحظى الفرقة منذ تكوينها بالكثير من التشجيع والإعجاب، وكانت القناة السابعة للتلفزيون المصري معنا في أغلب حفلاتنا، وهو الدور الإعلامي الذي ساعد على انتشار الفرقة، وطوال تاريخ الفرقة وإلي الآن ينضم إلى الفرقة أعضاء جدد من المغنيين والعازفين، ويتركها البعض نظرا لظروفهم الخاصة، والشرط الأساسي لانضمام أي عضو جديد بالفرقة هو أن يكون منتميًا لإحدى القبائل العربية، ويهوى الغناء البدوي، ويرتبط شرط الانتماء لقبيلة بدوية بأهمية إجادة اللهجة البدوية ومعرفة مفرداتها وأساليب الغناء وأنواعه.

وعن أنواع الغناء البدوي يقول الفرجاني، إنه هناك النوع العاطفي المعروف حيث التغزل في المحبوب ووصف محاسنه، وهناك نوع يسمى “الغنيوة”، ويطلق عليها “أغنية العلم”، وتتكون من فقرات قصيرة يغنيها المغني البدوي من 3 إلى 4 مرات، و بين كل فقرة وأخرى يفصل بـ”شتيوة”، وعندما تغني “أغنية العلم” يكف أفراد الفرقة عن التصفيق، ويسمي البعض هذا النوع أيضا بالقصيدة الكاملة، ويمكن أن يفهم كلماتها غير البدوي بسهولة عكس أغاني أخرى لا يفهمها غير البدو لصعوبة لهجتها وكلماتها.

ويتابع الفرجاني، “الشتيوة” هي التي يبدأ بها السامر، وتتكون من جملة واحدة من 4 إلى7 كلمات، وغالبا ما يلقي المغني ومعه بعض أفراد الفرقة الجزء الأول من الشتيوة، ويردد باقي أعضاء الفرقة الجزء الثاني لـ”الشتيوة”، والتي يصحبها تصفيق من أعضاء الفرقة بطريقة مميزة.

أما “المجرودة”، فهي قصيدة تشبه القصيدة الزجلية، وقد تصل أبيات القصيدة في أغنية “المجرودة” إلى 100 بيت، وعندما ينطلق الغناء يكون مصحوبًا بالرقص والتصفيق، وهناك بعض الأغاني عندما تغنى في مجتمعنا البدوي يعقبها إطلاق للأعيرة النارية وتهليل لمعانيها التي تجد استحسانا في نفس البدوي، إضافة إلى أغاني الأفراح والأعياد وأغاني الحج والحصاد، وأغاني الحضرة البدوية التي أساسها قبيلة فرجان.

يذكر أحمد عبدالله صادق، عضو مؤسس للفرقة، والذي تجاوز العقد السادس من العمر، أن جميع من في الفرقة ينتمي إلى القبائل العربية بالفيوم فأنا من قبيلة الرماح، إضافة إلى ما نقدمه من الأغاني التراثية، نضيف بعض الأغاني التي نقوم نحن بتأليفها وأنا أحد كتاب بعض أغنيات الفرقة.

ويردف صادق، كما أقوم بالعزف على “المجرونة “، التي تعتبر عنصر أساسي في الأغنية البدوية، وهي آلة تشبه الناي، لكنها تتميز بأن لها صفان في كل صف خمسة مخارج، ويتم تصنيعها من البوص، والآن تم تطويرها لعزف درجات ونغمات من السلم الموسيقي، كون سلمها الموسيقي ناقص، وقد بدأنا الآن بالعزف ضمن الفرق بعد تصنيف المقرونة وتعديلها.

ويسترجع صادق ذكريات البدو قديما فيما يخص الاحتفال بالعرس أو الأفراح، إذ يقول كانت الاحتفالات بالفرح تبدأ منذ يوم إعلان العريس عن نيته للزواج والذي قد يكون بعد عام من هذا الإعلان وحسب موسم الحصاد الذي ينتظره لتوافر المال اللازم لاستكمال الفرح، حيث تبدأ الاحتفالات الليلية من “طبل وزمر وغناء”، في السامر إلى أن يحين موعد الزفاف، أما الآن لا يتعدى وقت الاحتفال بالفرح سوى ساعات، لأن الجيل الجديد من الشباب البدوي أصبح غير مرتبط بعادات البدو القديمة حتى في الزى والملبس.

ويكمل صادق، لكن مازلنا كبدو حريصين على أن يحيي العرس فنانين ومغنيين من البدو، والذين تصل أجور بعضهم إلى 50 ألف جنيه، ومن أهم وأشهر المغنيين البدو في الفيوم” ميلاد القذافي، ومحمد شوشان عضو فرقة عرب الفيوم، وكان من أشهر فناني البدو والعرب في الفيوم الفنان حمد الفرجاني لكنه اعتزل الحياة الفنية”.

أما عادل ربيع، مدير فرقة عرب الفيوم، فيقول إن الفرقة معتمدة من الهيئة العامة لقصور الثقافة، وعدد أعضائها حاليا 20 عضوا، منهم 2 عازفين على آلة المقرونة، 2 من عازفي الدهلة وهي عبارة عن طبلة كبيرة الحجم عن الطبلة المعروفة، وتمتاز بأن لها إيقاع عميق، كما يوجد مجموعة من عازفي الدفوف، ومجموعة من عازفي آلات الإيقاع، وباقي الفريق من الكورال والمطربين وقد يصل عدد المغنيين في بعض الأيام إلى 12 مغنيا.

وعن نشاط الفرقة يسرد، نقوم بإحياء العديد من الحفلات سواء بقصر ثقافة الفيوم أو في المكتبات وبيوت الثقافة الأخرى التابعة لفرع ثقافة الفيوم، بالإضافة لإحياء الحفلات خارج المحافظة في المناطق التابعة لهيئة قصور الثقافة.

وأهم ما يميز فرقة عرب الفيوم البدوية أن أعضاءها وخاصة الأكبر في العمر يحبون ويعشقون الفن، ورغم ما يتكبدون من مشقة في الانتقال من أماكن إقامتهم إلى مدينة الفيوم، إلا أنهم يستجيبوا بسرعة فائقة عندما يكون هناك حفلا أو بروفات، وهذا نابع من شعورهم بالمسؤولية تجاه فنهم وتجاه الفرقة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى