الخرائط التاريخية.. الكارطوغرافيا الطريق إلى الكنوز الأثرية
حاتم عبدالهادي السيد
تمثل الخرائط التاريخية ثروة الأمم والدول،ليس لما تحمله من قيمة أثرية جغرافية وتاريخية فحسب، بل فوق ذلك تؤدى هذه الخرائط إلى الكشف عن الكنوز الأثرية،وتفتح طريق الممالك إلى مناحٍ أكثر رُقِياًّ وحضارة. ولقد حظيت هذه الوثائق بأهمية كبرى،واعتبرتها الحكومات جزءاً من الهوية الوطنية والقومية للدول،ومن اختصاصات الأمن القومى، فالخرائط التاريخية هى التى ترسخ تاريخ الشعوب،وتكشف الحقائق الثقافية، وتضع الحدود الإقليمية بين الدول، كما إنها مصدر إلهام للمبدعين والأثريين؛لإكتشاف عظمة الإنسان على مر العصور والأزمنة .
ولقد حظيت الخرائط بعناية فائقة حتى غدت علماً بذاته،وتنوعت الخرائط لتشمل قطاعات المجتمع، فهناك الخرائط المساحية، الجيولوجية، الجيوسياسية – ترسيم الحدود الدولية – والخرائط المحلية التى تحدد معالم الدولة التاريخية،والملامح الجغرافية للمكان والزمان والسكان، والخرائط الزراعية، وخرائط الصحراء، وخرائط الأماكن والمدن والأقاليم الجغرافية؛ فغدت وثيقة مائزة لإستقاء مادة العلوم منها. ويعد علم : (الكارطوغرافيا ) هو الرقم المائز، الذى يشير إلى أهمية الخرائط التاريخية ، وكيفية استغلالها، فهو علم وفن وتقنية ،يهدف إلى إعداد ووضع الخرائط والتصاميم وأشكال أخرى من التعبير وكذا استعمالاتها للإستفادة القصوى منها، فى الكشف عن الكنوز الأثرية كذلك، وتولى الجمعية الفرنسية والمستشرقين فى كافة دول العالم هذا العلم – المصطلح – أهمية كبرى؛بما يعود بالنفع العام على الدول والأفراد على حد سواء.
تاريخ الخرائط فى العالم
سجل الإنسان منذ نزول آدم وحواء من الجنة إلى الأرض تاريخه، ووثَّقَهُ فى البداية على شكل رسومٍ ونقوش على الحجر والخشب والطين، كنموذج مصغر للحضارة الإنسانية – الخاصة به -والتى تطورت مراحل نموها عبر الأزمنة والعصور،فرسم صورته التكوينية،أسلحته،المكان المحيط بمعيشته،الغابات والكهوف والصحراءوالحيوانات،واعتقد بوجود خالق يعيش خلف الأفق،وحياة جديدة بعد الموت،لذا سجل قصة كفاحه مع الحياة، قبل نشوء الكتابة على ورق البردى،فكانت حضارة الحجر والحديد والبرونز والخشب،ثم تشعبت وتعقدت الحياة نظراً لتطور الفكر الإنسانى واكتشافاته المتتالية. ولقد رسم الإنسان القديم الخرائط التى تمثل ذاكرة التاريخ لديه،والطريق إلى الثروة والمناجم والذهب والفضة والمعادن، ولقد عرف اليابانيون أهمية رسم الخرائط ،وكذلك الصينيون،الهنود،والمصريون القدماء،كما عرفها أهميتهاالبابليون والآشوريون والفينيقيون وغيرهم،ورسموا تلك الخرائط بكافة الوسائل،حتى على الشمع – لدى الصينيين– كطريق مؤدية إلى الثروة والخلود، ولتوثق حياتهم الدنيوية للأجيال القادمة، ولتذكير الآلهة فى حياة البرزخ بما صنعوه وقدموه للبشرية،وبما يُخلِّدُ ذكراهم عبر التاريخ،ومن هنا كانت الخرائط التاريخية جزءاً لا يتجزأ فى قراءة تاريخ وجغرافيا البلاد والعباد،وتعد مادة مائزة لمعرفة الأماكن الأثرية والتراثية،ووسيلة استرشادية للدلالة إلى الطرق والمفاوز والمغاور والكهوف التى تزخر بالثروات العظيمة،ومن هنا تعددت الخرائط لتمثل تاريخ الحضارة البشرية على الأرض، وتاريخ الثقافة والحضارة كذلك .
خرائط بابل أقدم خرائط التاريخ
تعد خريطة ” نيبور السومرية” أقدم خريطة رسمت دون كتابة، أى “لا حرفية، وصفية”، رسمت على الطين لوادٍ يقع بين تلتين، تصف جدران ومبانى المدينة المقدسة فى سامراء ،وهى عبارة عن تمثيل وصفى للأماكن التى تعود إلى القرن الثانى عشر،الرابع عشر قبل الميلاد،ولقد تم اكتشافها بالقرب من مدينة كركوك بالعراق،وتعد عالمياً أقدم خرائط العالم التى تعود إلى600 ق.م .