حاتم عبدالهادي السيد
خبير فى التراث المصرى، وباحث فى علوم الأنساب والقبائل
عرف ” المصرى القديم ” رسم الخرائط منطلقاً من إيمان ومعتقد دينى فى الخلود، وقد رأينا ذلك فى خرائط البرديات مثل : “بردية تورين” – الموجودة بالمتحف المصرى فى إيطاليا – والتى تُعدُّ من أهم الخرائط الإقتصادية العالمية لمصر القديمة ،لأنها تصف أماكن تواجد أرض المعدن:” الذهب “و” الفضة “،بداية من شرق النيل ولبحرالأحمر إلى جنوب أسوان وأرض الحبشة،وتعود إلى منتصف القرن الـ12 قبل الميلاد، إبان فترة حكم رمسيس الرابع، وتوضح بالتفصيل أماكن محاجر وادي الحمامات في الصحراء الشرقية، وأماكن الثروات هناك.
كما تم اكتشاف أقدم خريطة جنائزية عبر الآثار المصرية،على الخشب، وقد وجدت بدير البرشا بمحافظة المنيا عام 2012م،ولقد عثر على الخريطة داخل تابوت امرأة رفيعة المستوى تدعى عنخ،وهو واحد من القطع الأثرية القليلة الموجودة داخل المقبرة التي يعود تاريخها إلى نحو 4 آلاف عام، ولقد نقشت الخريطة على لوحين خشبيين يمثلان خطين متعرجين يفصلان طريقين يمكن للموتى استخدامهما للوصول إلى أوزوريس، “إله الموتى عند المصري القديم، ونقش على اللوحين كلمات بالهيروغليفية توضح خريطة العبور للعالم الآخر عبر بحيرات نارية ونيران كثيفة تحمل الشياطين، والشخصيات الشريرة، قبل الوصول لعالم أوزوريس الأبدى،كما عثر على كتاب قديم ” نصوص التابوت”،والذي يتضمن185 ألف تعويذة وكتابات دينية عن حياة الآخرة، وهو جزء من كتاب الموتى الفرعونى. وهذه التعويذات وجدت في نصوص الأهرام بالدولة القديمة ” متون الأهرام ” ، كما تعددت الخرائط عبر تاريخ الدولة المصرية، واهتم الفاطميون، والمماليك في عهد محمد على باشا ومن جاء من بعده- برسم الخرائط للأحياء والأقاليم، بل لشوارع القاهرة وأشهر الأماكن الأثرية والدينية والتاريخية بها.
اليونان وبطليموس وخرائط العالم
يعد بطليموس أحد أشهر اليونايين الذين رسموا خرائط الأرض والعالم مستعيناً بعلوم الرياضيات ، إلا أن انكسماندر هو أقدم يونانى رسم خريطة للعالم، وتبعه هكاتيوس، وإراتوستينس ،حيث رسم خريطة على شكل أسطوانة معلقة في الفضاء، وجعل عالمه أعلى هذه الأسطوانة.. كما يعتبر البحار “سيلاكس” أول من أضاف تعليمات الإبحار على الخرائط، ليتم انشاء الخرائط البحرية بعد ذلك. ويعتبر بطليموس المجدد الأول الذى اطور فى علم الخرائط التاريخية فى اليونان،حيث أكد أن الأرض يمكن تخيل شكلها الحقيقي إذا ما استعملنا الحسابات الرياضية وعلم الفلك كما توصل إلى الفرضية الكروية للأرض، واقترح ضرورة تحديد مركزها وعمل نظام إحداثيات لها، وهذا ما يستخدمه العلم الحديث الآن، ليتم تخليد خرائط بطليموس إلى الأبد .
وقد عرفت الصين الخرائط النهرية فى القرن الرابع قبل الميلاد ، واستخدمت الخرائط الإقتصادية ،والزراعية لتوثيق الحياة عبر نهر الصين العظيم ،كما كان الهنود مهتمين بالخرائط من الناحية التقديسية والتنجيم ، وهم من حددوا النجم القطبي مرجعًا في خرائطهم.،واهتموا بالخرائط الفلكية، وأحوال النجوم والكواكب .
العرب والخرائط التاريخية
لعب العرب دوراً كبيراً فى تقدم علم الخرائط ، وكان الإدريسى أول عالم عربى فى العالم يحدد قياس محيط الأرض تحديداً دقيقاً مستعيناً بالزوايا والحسابات الرياضية ، كما استعان بالدب القطبي مرجعا لحساباته ورسوماته كما أنه –والعلماء العرب من بعده – استعملوا الميل العربي والحبال في قياساتهم بدلاً من الميل اليوناني فتوصلوا إلى نتيجة مذهلة في حساب محيط الأرض . كما برع علماء الرياضيات مثل “المروزي ” الذى يعد أول من أدخل نظام الهندسة الكروية ،وطرق إسقاط الخرائط للتحويل بين الإحداثيات الكروية والأنظمة الأخرى. وتبعه ابن الوردى فى ذلك . ويعتبر الإدريسي رائداً للخرائط العربية التاريخية – إلى الآن – حيث طور الخرائط ودقّقها، وأضاف إليها الأنهار والمرتفعات والبحيرات ، ووضع حدودا للدول بالإستعانة بمقاييس رسم دقيقة، كما إنه من أوائل من أحيوا نظرية بطليموس ” الكرة الفضية ” التي رسم عليها عالمه الذي استكشفه.
ولقد خطت أوروبا بعد عصر النهضة خطوات رائدة فى مجال الخرائط التاريخية بعد رحلات اكتشاف القارتين، وغدت الخرائط الآن أحد العلوم التاريخية والجغرافية والثقافية، خاصة بعد اعتماد خط جرينتش كمعيار دولى ثابت لمصورى الخرائط التاريخية المعاصرة .