فخر العمارة الإسلامية.. تاريخ مسجد أحمد بن طولون ثاني أقدم بناء إسلامي
أميرة جادو
يضم التاريخ المعماري المصري العديد من الإبداعات من التحف المعمارية التي شهدتها مصر، خاصة العمارة الإسلامية، حيث لم يخلو العصر الإسلامي من وجود مسجد معلق، فمن مسجد أحمد بن طولون بالقطائع، للمسجد الأقمر بداية الدولة الفاطمية، لمسجد الصالح طلائع آخر مساجد الفاطميين خارج حدود قاهرة المعز في باب زويلة.
مسجد أحمد بن طولون
وفي هذا الإطار، تحدث الدكتور محمد ملكة الأستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة، عن مسجد أحمد بن طولون، إنه ثاني أقدم بناء إسلامي باقي على حالته بعد مقياس النيل، إذ تم بناء المسجد عام 266هـ أعلى ربوة جبل يشكر، ليكون أول مسجد يشيد على مثل ذلك الارتفاع بمصر، وقد كان معروفا عن مسجدي عمرو بن العاص والعسكر، كونهما على ضفاف النيل، موضحًا أن ارتفاع المسجد كان تلبية لرغبة أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية، إذ طلب أن يبنى مسجد لا تطاله نارا ولا فيضانا؛ ليكون ذلك الارتفاع تأمينا له من الغرق، واستخدام الطوب الأحمر المحروق في بناءه تأمينا له من الحرائق والنيران.
اختلفت القصص والروايات بشأن بناء المسجد، أشار إلى أنه المرجح أن يكون من صمم المسجد هو بن طولون بنفسه، الذي خطه على الرمال، ويقال إنه فعل ذلك بعد رؤية شاهد فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
تصميم المسجد
ولفت “ملكة” إلى أن بن طولون كان متأثرا بتجربة نقل مقر الخلافة العباسية من بغداد لسامراء قبل عودتها لبغداد، إذ أراد نقل مقر الخلافة العباسية إلى مصر بعاصمتها القطائع (عاصمة مصر الثالثة بعد الفسطاط ومدينة العساكر)، موضحا أن لتلك الأسباب تأثر المسجد بالعمارة المنتشرة في سامراء العراقية ومساجدها، فتم عمل الزوائد من الأراضي الخالية حول 3 جهات من المسجد، بينما كثر فيه استخدام أسلوبي التغشية الزجاجية والشرفات الجصية المزينة بالزخارف النباتية، وكذلك اتضح تأثره بالتصاميم العراقية في مئذنته الحلزونية، التي ترتفع لـ3 طوابق، ولم يكن ذلك الطراز شائعا من قبل في مصر.
وأشار “ملكة” إلى أن مساحة المسجد تبلغ 5 أفدنة ونصف؛ وذلك تلبية لطلب السلطان الذي أراد مسجدا يسع المصلين لـ3 قرون قادمة، متابعا أن المسجد عبر كذلك عن نظرة بن طولون المتجهة لتوحيد الصف، وبدا ذلك جليا في استخدام الشرفات التي تمثل واحدة أعلى السور الخارجي تشبه في شكلها اصطفاف المصلين.
وبحسب قول الدكتور ملكة، فبالرغم من سقوط “القطائع” عاصمة الدولة الطولونية، إلا أن المسجد ظل حاضرا في الدولة الإخشيدية، وحتى بقيام الدولة الفاطمية ظل المسجد صاحب الشعبية الأكبر بين المصريين، إذ كانت مساجد الفاطميين حكرا على الملوك وحاشيتهم بنسبة كبيرة.