المزيدفنون و ادبكتابنا
أخر الأخبار

دولة الشعر والغناء العربي

محطات من العصور الجاهلية إلى العصر الحديث

 

كتب: حاتم عبدالهادي السيد

اتسم الشعر العربي بأنه شعر غنائي؛ وارتبط انشاد الشعر بالغناء في كل العصور منذ العصر الجاهلي وحتى عصرنا الحديث؛ مما جعل كثير من النقاد والمستشرقين يصفون الشعر العربي كله بأنه شعر غنائي؛ أو أنه شعر يهفو وينزع إلي التَّرَنّم والغناء.

لقد ارتبط الشعر العربي بالموسيقا والتصوير والنحت والرسم والرقص؛ شأنه شأن سائر أشكال الشعر والفنون في العالم؛ وارتبط الشعر – بقوة – بالإنشاد والموسيقا؛ ومن هنا ظهر علم العروض الذي أطلق عليه موسيقا الشعر؛ لأنه العلم الذي يزن الترنم في الأبيات؛ أو هو الذي يموسق الحروف؛ لنرقص معها منتشين طربًا وبهجة ومرحًا؛ متنقلين من وزن إلى وزن؛ ومن بحر شعري إلى آخر؛ فنشعر بالمتعة والنشوة، وتحقق الرضى للذات؛ وللمجتمع والكون والعالم والحياة.

ولقد كان الشعراء يمزجون انشاد الشعر بالغناء؛ مما حدا شاعرهم لأن يقول :
تغنى بالشعر أما كنت قائله إن الغناء لهذا الشعر مزمار
وفي رواية أخرى : ” إن الغناء لهذا الشعر مضمار ” أي أنك في حلبة الخيل أو السباق تتسابق وتتباري في تجويد الشعر ليخرج صافيًا يهدهد القلوب؛ ويُشنف آذان المستمعين؛ ويبعث في الجماهير النشوة الروحية؛ لذا كان الشعر أحد أساليب العلاج النفسي كالموسيقا والفنون؛ والسيكودراما؛ وغير ذلك .

ولقد بالغ الشاعر العربي في تجويد قصيدته؛ وتنميقها ؛ ومراجعتها؛ وحذف كل ما يمكن أن ينتقص من قيمتها فخرج الشعر العربي قويًا ؛مموسقًا؛ لذا لا غرو أن يُطلق العرب علي الشعر بأنه أعلى مراتب الكلام ؛ وأنه ديوان العرب؛ او انه الذي يءكد الهوية العربية؛ والحضارة والتمدين والرقي.

والشعر لدي العرب ضرب من الصناعة؛ والصانع يتوخي الدقة وتجويد بضاعته كى تجد لها رواجًا في أسواق الشعراء؛ أو ليكتسب مكانة وشهرة بينهم وبين الناس الذين كان يحضرون هذه المجالس ليستمتعوا بسماع الشعر ؛ويعودوا ليتحدثوا في هذا الأمر في سامرهم؛ وفي مجالسهم الخاصة والعامة ؛ لذا لم يكن الشعراء يستعجلون اخراج قصائدهم للجمهور إلا بعد اجادة صناعتها وتهذيبها؛ ولقد قال شاعرهم عن ذلك :
لا تعرضن على الرواة قصيدة ما لم تكن بالغت في تهذيبها
وإذا عرضت الشعر غير مهذب عَدُّوهُ منكَ وساوسًا تهذي بها

ومن الطريف أن بعض الشعراء كان يمرمغون ويعفرون أجسادهم؛ ورءوسهم في التراب – كالحيوانات – كي يجدوا قافية تناسب قصائدهم؛ أو ليكملوا شطر البيت؛ وكأنهم يتحولون من حالة إلي حالة؛ بغية العثور على لفظ أو معنى ينتضم هارموني القصيدة، والبناء الشاهق لها؛ لذا كانت كثير من القصائد تستغرق حولًا كاملًا لتخرج للنور؛ وقد أطلقوا عليها الحوليات – وهي أجود القصائد – كما أطلقوا علي غيرها اسم المفضليات لأن صاحبها اختار لها أجمل المعاني؛ وأيسر الحروف؛ وابتعد بها عن الحوشيّ والغريب من الألفاظ؛ ونَمَّقَهَا وصنعها علي مهل ٍ؛فَفُضِّلَت علي غيرها. وهناك المعلقات التي كانت تُعلق على أستار الكعبة لطولها وجودتها؛ وهناك المُذهبات التي كانت تكتب بماء الذهب لقيمتها النفيسة؛ وجودة سبكها وصوغ مبناها ومعناها وموضوعها؛ وحسن وجمال ورقة صورها الفنية عبر التخييل؛والبلاغة بمجازها واستعاراتها وجمالياتها الفنية ؛ بما يدلل إلي متانة وجمال معمارها الشعري الشاهق؛ وغير ذلك من التسميات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى