“حلب الشهباء” قلعة تروي أسرار الجمال والعراقة العربية الإسلامية
دعاء رحيل
تعتبر هذه القلعة الحصينة المنيعة، وهذا المعلم السياحي الشامخ من أكثر المعالم الأثرية جمالاً في مدينة حلب؛ فلها طابع معماري فريد من نوعه، سبب لعلماء الآثار والمهندسين المعماريين الدهشة والإعجاب بسبب روعة البناء، وتعتبر قلعة حلب الشهباء من أقدم وأكبر قلاع العالم على الاطلاق، وتقع هذه القلعة الشامخة فوق رابية وسط مدينة حلب السورية.
تعد قلعة حلب الشهباء نواة المدينة القديمة في عهد اليونان، ثم تحولت في العهد البيزنطي إلى قلعة حصينة، وهي تقع على مرتفع نصفه طبيعي، والآخر صناعي، وقد وجد أثناء عملية الحفر آثاراً تعود إلى الآراميين، والتي تعود هذه الآثار إلى الفترة الزمنية ما قبل الميلاد بعشرة قرون، واليوم نجد هذه الآثار محفوظة في متحف حلب ومتحف القلعة.
آثار عربية إسلامية
أما باقي الآثار الأخرى فهي آثار عربية إسلامية، استطاع العرب فتح هذه المدينة بالحيلة فقط، فقد تصدت أسوارها المنيعة لهم، فتظاهر الجيش بالانسحاب، ثم عاد دامس وارتدى جلد ماعز، وأخذ يصعد المنحدر حتى وصل إلى قاع سور المدينة، ثم سحب أصحابه على حين غفلة بحبل كان قد أعده لأجل هذه الغاية حتى استطاعوا فتحها، ويعود فتح هذه المدينة إلى الزمن الراشدي بقيادة خالد بن الوليد، وكان هذ الفتح بمثابة البداية لعصر هذه المدينة الذهبي، فكل آثارها ومبانيها تعود إلى العهد الإسلامي.
وكانت هذه القلعة مميزة جداً، مما دفع الأمراء والولاة على التنافس لحكمها، ومن يستطيع منهم حكمها فهو الأمير الأجل الذي ينال الاحترام والتقدير والهيبة من الناس، ومن شدة أهمية المكانة التي وصلت إليها في العهد المملوكي، قاموا بتنصيب نائب منفصل عن نائب السلطة في حلب، واستمر هذا الأمر إلى بداية الحكم العثماني لبلاد الشام، حيث سكن القلعة الولاة العثمانيون، لكنهم لم يحدثوا فيها شيئاً يذكر.
العهد الحمداني
أما عن العهد العربي الحمداني ففي عهد الدولة الحمدانية نالت حلب مكانة مميزة، فقد أصبحت مركزاً للحكم العربي بقيادة سيف الدولة الحمداني، وقد أولى المدينة وخاصة القبعة عناية بالغة جداً، فقد اهتم بها عناية خاصة، لكن عندما هاجم الإمبراطور البيزنطي نقفور فوكاس مدينة حلب في العام 962م قام بإحراق أسوارها وتخريبها وهدمها، وأحرق أيضاً قصر سيف الدولة فيها، ولكن القلعة حمت سكان حلب من هجوم البيزنطيين بعد أن التجأوا إليها واعتصموا فيها.
يذكر ابن جبير في رحلته في وصف قلعة حلب فيقول: “لها قلعة شهيرة الإمتناع، ثابتة الإرتفاع، معدومة الشبيه والنظير في القلاع، تناهت حصانة أن ترام أو تستطاع، قاعدة كبيرة، مائدة في الأرض مستديرة، منحوتة الأرجاء، موضوعة على نسبة اعتدال واستواء، فسبحان من أحكم تدبيرها وتقديرها، وأشبع كيف شاء تصويرها وتدويرها، عتيقة في الأزل، حديثة وإن لم تزل، طاولت الأيام والأعوام، وشبعت الخواص والعوام”.
وبهذا تظل قلعة حلب الشهباء شامخة إلى يومنا هذا تروي أسرار الجمال والعراقة العربية الإسلامية، وتروي تاريخ الأجداد وتضحياتهم من أجل الحفاظ على أرضهم.