أحمد الجرجاوي.. الرجل الذي لو ظل في اليابان لاعتنق معظم أهلها الإسلام
أسماء صبحي
في بداية القرن العشرين، تمنى أحد ابناء الصعيد من خريجي الأزهر يدعى أحمد الجرجاوي. أن ينشر الإسلام في بلاد اليابان، وسار وراء حلمه وباع خمسة أفدنة من أرضه لينفق منها على رحلته إليها.
ولد أحمد الجرجاوي بقرية أم القرعان بمركز جرجا التابع لمحافظة سوهاج بصعيد مصر في الثلث الأخير من القرن الـ19. حيث تلقى علومه الدينية في قلب الصعيد تعلم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم في الكتَّاب. ثم تلقى أوليات العلوم الدينية على عدد من علماء مدينة جرجا التي كانت تتمتع – آنذاك- بشهرة واسعة في هذه العلوم. نظرًا لوجود معهد ديني عتيق بها، ثم رحل إلى القاهرة طلبًا لاستكمال الدراسة والتحق بالأزهر الشريف لاستكمال الدراسة. لينال الإجازة العلمية من مدرسة القضاء الشرعي ليصبح محاميًا أمام المحاكم الشرعية.
شهرة أحمد الجرجاوي
قرر أحمد الجرجاوي الابتعاد عن العمل “الميري” لما لاحظه من تسلط الإنجليز على مقدرات البلاد إثر فشل الثورة العرابية. ولكنه لم يتوقف عن العمل بالمحاماة، فكان له دورا بارز في الدفاع عن مطالب الأزهريين. بالمشاركة في تأسيس الجمعية الأزهرية العلمية التي كانت إحدى أهم الجمعيات في التعبير عن مطالب الطلبة أمام إدارة الأزهر والحكومة، عام 1909 وقد تولى تولى رئاستها فيما بعد.
تعود شهرة الجرجاوي إلى قراره، الذي رأى فيه ضرورة نشر الإسلام في اليابان، عام 1906. بعدما تناقلت الأنباء بأن شعب اليابان بعد انتصاره في حربه ضد روسيا، سبتمبر 1905. سيعقد مؤتمرًا كبيرا للمقارنة بين الأديان المختلفة من أجل اختيار أفضلها وأصلحها، حتى يصبح الدين الرسمي للإمبراطورية.
سفر أحمد الجرجاوي إلى اليابان
عندما وقعت عينا الجرجاوي على هذا النبأ كتب في صحيفة “الإرشاد” التي اسسها. ليدعو شيخ الأزهر وعلماء الإسلام لتشكيل وفد للمشاركة في هذا المؤتمر، الذي يمكنهم من خلاله إقناع الشعب الياباني وأمبراطوره بالإسلام. فقرر الجرجاوي السفر، واستقل الباخرة من ميناء الإسكندرية قاصدا اليابان.
عاد الجرجاوي بعد هذه الزيارة بأخبار وحقائق قام بنشرها في كتاب بعنوان “الرحلة اليابانية”. وصدرت طبعته الأولى عام 1907 على نفقته الخاصة. مسجلًا سيرته بـعشرة قروش والذي وصفته ذاكرة الأزهر بـ”أطرف كتب الرحلات في القرن العشرين”.
في هذا الكتاب ذكر الجرجاوي، أن اليابانيين بعد انتصارهم على روسيا، رأوا أن معتقداتهم الأصلية لا تتفق مع عقلهم الباهر. فاقترح عليهم الكونت كاتسورة، رئيس الوزراء، إرسال خطابات إلى كل من الدولة العثمانية، وفرنسا، وإنجلترا، وإيطاليا وأمريكا. ليرسلوا إليهم العلماء والفلاسفة والمشرعين، ليجتمعوا في مؤتمر يتحدث فيه أهل كل دين عن قواعد دينهم وفلسفته. مؤكدًا إن دين الإسلام نال إعجاب اليابانيين رغم عدم اتفاقهم في المؤتمر على اتباع دين بعينه.
نجح الجرجاوى فى تأسيس جمعية طوكيو للدَّعوة الإسلاميَّة، بمشاركة ثلاثة من الدعاه. وأسلم على أيديهم 12 ألف ياباني، وأصبح معروفًا بأول داعية للإسلام في اليابان. خاصة بعدما قالوا عنه: “هذا الرجل لو ظل في اليابان لاعتنق معظم أهلها الإسلام”. وفقًا لما تسجله ذاكرة الأزهر الشريف على موقعها الإلكتروني.
أحمد الجرجاوي يعمل بالصحافة
استأنف الجرجاوي العمل بالصحافة، عام 1907، وأصدر جريدة “الأزهر المعمور”. وواصل إسهاماته بالرد على ادعاءات المستشرقين، وألف كتابا لذلك بعنوان “الإسلام ومستر سكوت”.
تتحدث ذاكرة الأزهر عنه بأنه “من الأزهريين الإصلاحيين، الذين حملوا معالم النهضة، وعملوا على إصلاح التعليم. وإشاعة أجواء الحرية، وخاصة حرية الصحافة. ويظهر ذلك بوضوح من تفاصيل رحلته، فلم يدخل بلدًا إلا وقد تحدث عن أوضاع التعليم فيه. وأجرى مسحاً عن الصحافة الصادرة به، وما تتمتع به من حرية، أو ما يواجهها من قهر ومصادرة”. وتوفى الشيخ الجرجاوى عام 1961.