تاريخ ومزارات

من الوزارة إلى سجون هارون الرشيد.. من هم البرامكة وكيف تم القضاء عليهم؟

أميرة جادو

يشير مصطلح نكبة البرامكة ما وقع للبرامكة على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وتحديدًا في ذلك اليوم الذي أيقظ وزراء الخليفة “البرامكة” على أصوات جنود هارون الرشيد، الذين اعتقلوهم بأمر من الخليفة، وسجنوهم، بعد أن كانوا أولي الأمر في دولة خليفة بني العباس.

من هو هارون الرشيد؟

أنعم الله -تعالى- على أمة الإسلام بعدد من العظماء الذين كان لهم تأثير كبير على تطور أمة الإسلام وازدهارها، وكان أبرزهم الخليفة هارون الرشيد رحمه الله، قال عنه ابن خلكان: كان من أنبل الخلفاء، وأحشم الملوك ذا حجٍّ، وجهادٍ، وغزوٍ، وشجاعةٍ، ورأيٍ)؛ أي أنه كان عكس ما صوره أعداء التاريخ  بأنّه قضى ملكه في المُجون، وشرب الخمر، والاهتمام بالجواري، لذلك عرف بشجاعته ونبله ودفاعه عن الأمة الإسلامية بالجهاد في سبيل الله تعالى.

وقال عنه منصور بن عمّار أيضاً: (ما رأيت أغزر دمعاً عند الذكر من ثلاثةٍ: الفضيل بن عياض، والرشيد، وآخر)، وولد هارون الرشيد في مدينة الري التي كانت تحت إمرة والده، وكان أميراً أيضاً على جميع خراسان، عرف الرشيد بالشجاعة من صغره، وكان عابداً، وَرِعاً.

كما ذكره الخطيب البغدادي: (أنّه كان من عادته أن يصلّي في اليوم مئة ركعةٍ، ولا يمتنع عنها إلّا لأمرٍ طارئٍ)، وكان يقصد بيت الله الحرام حاجّاً في أغلب الأعوام، كما عرِف هارون الرشيد بحبّه للعلم والعلماء، فروي أنّه ارتحل بولديه الأمين والمأمون إلى الإمام مالك بن أنس؛ حتى يسمعوا منه الموطأ، ممّا جعل له محبةً كبيرةً من العلماء، حتى تمنّى أحدهم لو زاد الله تعالى في عمر الرشيد من عمره، وكان ملكه عظيماً، والرخاء في عهده كبيراً.

البرامكة

كانوا مقربين جداً من هارون الرشيد؛ حتى إنّ يحيى بن خالد بن برمك هو من اعتنى بهارون الرشيد في طفولته، وكان لا يناديه إلّا بقول: “يا أبي”، فعندما تولّى هارون الرشيد الخلافة، وتولى شؤون الدولة، عيّن يحيى على وزارته، وقال له: (قلدتّك أمر الرعية، وأخرجته من حقي إليك، فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب، واستعمل من رأيت، وأعزل من رأيت)، فهو تفويضٌ كاملٌ له للقيام بأمور الدولة أحسن قيامٍ.

كما أطلق عليهم لقب “زهرة الدولة العباسية”؛ بسبب حسن قيادتهم للجيش، وتدبيرهم لشؤون الدولة، وحدث أن تغيّر الحال بين هارون الرشيد والبرامكة، ممّا أدى إلى حدوث ما يُسمّى بنكبة البرامكة، ممّا دفع المؤرّخين إلى تأليف الإشاعات، فمنهم من قال ببراءة للبرامكة، وأنّ سبب النزاع كان نزوة غضبٍ من هارون الرشيد، ومنهم من افترى قصصاً غير حقيقة ولا أصل لها.

أسباب نكبة البرامكة

أمّا النكبة التي أطلق عليها اسم نكبة البرامكة، فالسبب في ذلك يرجع إلى أنّ البرامكة في عهد هارون الرشيد خدعهم نفوذهم وسلطتهم، حتى ذكر الجهشياري عدداً من القضايا التي ذكرها الرشيد ليحيى، وكلّ سببٍ منها كافٍ لإبعادهم، والتخلّص منهم.

وقد ذكرها ابن خلدون في مقدمته “نكبة البرامكة” قائلاً: (وإنّما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة، واحتجابهم أموال الجباية، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه، فغلبوه على أمره، وشاركوه في سلطانه، ولم يكن له معهم تصرفٍ في أمور ملكه).

لم يغفل الرشيد عن استبداد البرامكة، ولكنّه أراد أن يحفظ الودّ الذي كان بينه وبينهم، ولكنّهم تمادوا، وحاول جعفر بن يحيى إثارة العداوة بين وليي عهد الرشيد؛ الأمين والمأمون، حتى يزرع في قلوبهم حب السيطرة ممّا يؤدي إلى أن يكون الحكم سبباً لعداوتهم، وقام بمنع الرشيد من المال بحجّة حفظ مال المسلمين، حتى وصل به الحال إلى أن يحاسب الرشيد على ما يقوم به.

وكان الرشيد بارعاً في كظم غيظه، ورغم عدم قبوله لما يحدث؛ لم يكن يحدّث إلّا خاصته، ولكن حديثه عن البرامكة وصل إليهم، فقاموا بعدّة تدابيرٍ لحماية أنفسهم، فقام والي الجانب الشرقي الفضل بن يحيى بجعل خراسان مقرّاً له، وأعدّ جيشاً يتألف من خمسمئة ألف جنديٍّ.

فلمّا وصل خبر الجيش إلى الرشيد، أمر الفضل بالقدوم إليه، فجاء الفضل ومعه فرقةً من الجيش أطلق عليها اسم: الكرمينية؛ لحمايته، والعودة إلى بغداد، ولكنّ البرامكة قاموا بإدخال هذه الفرقة إلى بغداد، ثمّ إلى القَصر؛ بحجّة حماية الرّشيد وأهله؛ حتى يجعلوا نهايته بين أيديهم، فأحسّ الرشيد أنّه يواجه انقلاباً عسكرياً، يوشك أن ينهي ملكه ومملكته، وقد نقل قول جعفر البرمكي لأحد أخصّاء الرشيد على إثر عتاب وجهه إليه: (ووالله لئن كلّفنا الرشيد بما لا نحب، ليكوننّ وبالاً عليه سريعاً)، وكان الرشيد صاحب إيمانٍ ورجولةٍ عندما قرّر القضاء على الانقلاب، وبرع في التخطيط لذلك.

كيف تم القضاء على البرامكة؟

بدأ الرشيد يعدّ لنكبة البرامكة بعد عودته من الحجّ سنة 186هـ، وفي آخر ليلة من محرَّم سنة 187هـ ، أرسل الرشيد خادمه مسرور ومعه حماد بن سالم في جماعة من الجند فأحاطوا بجعفر بن يحيى، وأحضروه إلى منزل الرشيد الذي حبسه وقيده ثم أمر بضرب عنقه.

كما أمر الرشيد في تلك الليلة بالقبض على من أحاط بيحيى بن خالد وجميع ولده ومواليه، وحبس الفضل بن يحيى في جهة من منازله، ويحيى بن خالد في منزله، وأخذ وصادر كل ما ملكوه من مال ومتاع وضياع وغير ذلك، كما وجه الرسائل إلى عمّاله في جميع البلدان بالقبض على البرمكيّين ومصادرة أموالهم سلبهم ما امتلكوه من رقيق وموال وحشم وولاة أمر.

وفي صباح اليوم التالي كتب إلى السندي الحرشي إرسال جثة جعفر البرمكي إلى مدينة السلام، ونَصْب رأسه على وسط الجسر، وتقطيع جثته وتعليق أشلائها على أول الجسر وآخره، دون أن يعلم أحد سببا واضحا لنكبة البرامكة، فلم يعلن هو عن السبب بقوله: “لو علمت يميني بالسبب الذي له فعلت هذا لقطعتها”، مما جعل الشائعات تدور حول سببها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى