تاريخ ومزارات

الساقية الرومانية في تونا الجبل: معجزة هندسية تكشف أسرار ماضي مصر العريق

منطقة تونا الجبل جنوب المنيا تعد واحدة من أبرز المواقع الأثرية في مصر. وقد بدأت الحفائر في هذه المنطقة منذ عام 1911 عبر بعثة فرنسية، ثم استكملتها جامعة القاهرة في عام 1931. لتكشف العديد من الآثار المدهشة التي ظلت لعقود مجهولة. من أبرز الاكتشافات في هذه المنطقة مقابر قردة البابون وطيور الإيبيس، مدينة هيرموبوليس، مقبرة بيتوسريس الكاهن الأكبر للإله تحوت. التي تعود إلى العصر البطلمي، بالإضافة إلى السراديب ومقبرة إيزادورا. ولوحات حدود مدينة إخناتون، والساقية الرومانية الشهيرة.

تاريخ تونا الجبل

 

كما تعتبر الساقية الرومانية في تونا الجبل أحد أهم الاكتشافات في المنطقة. هي بئر عميق تم إنشاؤه في العصر الروماني باستخدام الطوب الأحمر على شكل بئر حلزوني. يصل عمقه إلى حوالي 40 مترًا. وكانت الساقية تستخدم لرفع المياه من أعماق الأرض لري الأراضي الزراعية في المنطقة. خاصة الأراضي الرملية الصحراوية التي كانت تفتقر إلى الموارد المائية.

بحسب الأبحاث الأثرية، فإن الساقية تعد الأقدم من نوعها في مصر. تتكون من هيكل نصف قبوي في الجزء العلوي، يحيط بحوض كبير للمياه التي يتم استخراجها من البئر. هذه الساقية كانت تمد المنطقة بالمياه اللازمة لري الزراعات الخاصة بالكهنة، وكذلك لتوفير المياه لطيور أبي منجل وكهنتها. تم اكتشاف الساقية لأول مرة على يد الأثري الدكتور سامي جبرة في عام 1931. ويعود تاريخها إلى العصر الروماني.

من الناحية المعمارية، تعد الساقية الرومانية نموذجًا رائعًا للهندسة المعمارية القديمة. هي عبارة عن هيكل مكون من طابقين، حيث يبلغ قطر الطابق العلوي حوالي 20 مترًا، وعمقه حوالي 15 مترًا، وهو محاط بالطوب الأحمر. يمكن الوصول إلى الطابق السفلي من الساقية عبر سلم دائري محفور في الصخور، ويصل عمقه إلى حوالي 20 مترًا.

استخدامات الساقية الرومانية

كانت استخدامات الساقية الرومانية متعددة، وكان أبرزها ري الأراضي الزراعية. وعلى الرغم من أن المنطقة كانت صحراوية، إلا أن هذه الساقية كانت اختراعًا هندسيًا فريدًا لرفع المياه من أعماق الأرض للتغلب على التحديات البيئية الصعبة. وقد تم ترميم الساقية مؤخرًا لتعود للعمل، ما يجعلها شاهدة على براعة المعمار الروماني في حل المشاكل البيئية في تلك الحقبة.

وفي هذا الصدد أشار فرج الجهمي، مدير تنشيط السياحة بملوي في كتابته، إلى أن المصريين القدماء كانوا يتمتعون بقدرة فائقة في استخدام العلوم والهندسة والفلك لحل المشاكل التي تواجههم. وأضاف أن الساقية الرومانية في تونا الجبل تعد تحفة هندسية معمارية رائعة، وتظهر براعة البناء من خلال السلم الحلزوني الذي ينزل إلى أعماق الساقية، حيث يصل إلى البئر الأصغر الذي يعد مصدر المياه الداخلي. كلما تعمق الزائر في الساقية، كما يلاحظ أن عرض السلم وارتفاع السقف يزدادان، وذلك لتوفير الأوكسجين والهواء، وتنظيم الدورة الدموية، وضبط دقات القلب مما يسهم في توفير الجهد المبذول أثناء النزول.

كما تظل الساقية الرومانية في تونا الجبل شاهدًا على العبقرية الهندسية والفنية التي امتاز بها المصريون القدماء، ومازالت تكشف المزيد من أسرار الماضي كلما تم اكتشاف جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى