أحكام الوحي الإلهية في مصر القديمة
أسماء صبحي
إن الكهنة في مصر القديمة لم يقنعوا بامتيازاتهم الخاصة. وباختصاص محكمتهم التي اقتصرت على القضايا المتصلة بأملاك المعبد وموظفيه فقط. بل سعوا الي توسيع دائرة سلطات القضاء في المعابد والاحتفاظ باستقلالهم وتحرير أحكامهم القضائية من رقابة الوزير. فلجأوا الي نظام قضائي جديد اختلف عن نظام المحاكم المدنية. مارسوا فيه القضاء من خلال محكمة إلاهية تمثلت في صورة إله يتوجه إليه الشخص المتضرر ليحصل علي حكم وهو ما عرف بـ “أحكام الوحي”.
ظهور أحكام الوحي
وتشير الوثائق إلى أن ظهور أحكام الوحي لم يوجد إلا في عصر الأسرة الثامنة عشرة. كما لم يكن في البداية يتعلق بأمور قضائية وانما تعلق بشئون سياسية. حيث كان الملوك يتوجهون إلى الآلهة لأستصدار حكم إلهي بتولية العرش. وهو ما أشارت إليه نقوش “تحتمس الثالث” إذ ذكر أن تولية كان بقرار صادر من الإله آمون.
ومع ازدياد نفوذ الكهنة تزايد الاتجاه إلى الأحكام الإلهية. فلم يكن صدفة أن جميع الأحكام الإلهية المدونة ترجع إلى الأسرة العشرين، أي إلى ذلك العصر الذي حاول فيه الكهنة أن يجمعوا كامل السلطات السياسية في أيديهم. وتشير تواريخ الأحكام الإلهية التي وصلت إلينا الي أن التوجه إلي الإله لاستصدار حكمه كان يتم في أيام الأعياد المعروفة في الحياة المصرية بعامة وأيام الأعياد المحلية بخاصة. كما ظهر في وثيقة BM 10335 من عهد رمسيس الرابع.
كيفية صدور أحكام الوحي
وقد احتفظت لنا بعض المناظر بصور توضيحية لكيفيه صدور مثل هذه الأحكام. ولعل اهمها تلك المناظر التي وصلت إلينا من قبر “آمون مس” عصر الأسرة ١٩. حيث عرفنا من خلالها أن الشخص المتضرر كان يتجه إلى الإله في أثناء موكب الطواف. إذ من النادر جداً أن نجد حكما إلاهيًا يصدر خارج كوكب الطواف للإله المتجه اليه الشخص المتضرر.
وكما هو الحال في القضايا العادية، فإن الحكم الإلهي كان يمكن أن يطعن فيه من جانب الخصم أمام إله آخر أو هيئات أخرى لنفس الإله في أماكن أخرى. ومن الملفت للنظر أن الشخص المدان لم يكن يتردد في معارضة الحكم الإلهي والاعتراض عليه مثلما يفعل القاضي في المحاكم العادية.
ورغم ذلك فقد كان للأحكام الإلهية أهمية ومركز قانوني كبير. ولعل خير ما يشير إلى ذلك ما ورد في استركا BM5624. فتشير إلى أن حكم الإله كان يصدر موثقا بوثيقة رسمية لها قوة قانونية كما كان لهذا الحكم قوة التنفيذ. كما كان الإله يستشار في كل الامور حيث تم العثور من خلال تنقيبات بعثة المعهد الفرنسي في “دير المدينة” على عدد من الاوستراكا ترجع لعصر الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين. وتحمل مجموعة من الأسئلة الموجهة إلى حكم الوحي لاستصدار حكمًا منه في أمور تخص مختلف شئون الحياة.