قبائل و عائلات

“جُرهُم” قبيلة يمنية قديمة سكنت مكة وعاصرت النبي إسماعيل وتزوج منهم

دعاء رحيل
 
تعد جُرهُم إحدى القبائل البائدة وقد مرّ وجودها بمرحلتين، في أولاهما عُرفت بجُرهُم الأولى، ويذكرون أنها كانت في عهد قبيلة عاد، وتذكر بعض الأخبار أن جُرهُماً كان أحد الرجال الستة والثلاثين الذين كانوا مع نوح في السفينة. وأنَّه كان يتكلم العربية، وأن سائر من كانوا مع نوح عليه السلام، كانوا يتكلمون السريانية.
 
 
أمّا جُرهُم الثانية: فهي تنتمي إلى يقطن (أو قحطان) بن فالغ بن عابر. ويذكر الأخباريون أن أُمّ معد بن عدنان كانت من جُرهُم واسمها ما عنة بنت حوشب. هاجرت قبيلة جُرهُم من اليمن، ونزلت مكة وهي التي أصهر إليها إسماعيل عليه السلام، وقد نزحت جُرهُم من بلاد اليمن ومعها بنو قطوراء، وهم أبناء عمهم، وكان مضاض بن عمرو سيد جُرهُم يأخذ العُشر ممن يدخل مكة من أعلاها، وكان السَّمَيدع، سيّد قطوراء يأخذ العُشر ممَن كان يدخل مكة من أسفلها، وكانت ولاية البيت أول الأمر لنابت بن إسماعيل، ثم وليها بعده مضاض بن عمرو الجُرهُمي.
 
 
وقد أصهر إسماعيل إلى قبيلة جُرهُم فتزوّج رعلة بنت مضاض بن عمرو فأنجبت له اثني عشر ولداً، وتعلّم إسماعيل اللغة العربية من قبيلة جُرهُم وعلّمها أبناءه، وكانت لغته قبل ذلك السّريانية.
 
 
ما لبث الشرّ أن وقع بين قبيلة جُرهُم وقبيلة قطوراء، فاقتتلا في موضع خارج مكة يعرف بفاضح، وكان مع جُرهُم بنو نابت بن إسماعيل، ودارت الدائرة على قطوراء وقُتل سيّدها السَّمَيْدع، ثم اصطلحت القبيلتان وأسلمت قطوراء الأمر إلى مُضاض بن عمرو، فلمّا جُمع إليه الأمر نحر للناس وأطعمهم. ثم إنّ جُرهُماً بغت بمكة واستحلّت الحرام، وظلمت من دخل مكة من غير أهلها، وأكلت ما يُهدى إلى الكعبة، فضعف أمرها وتضاءل شأنُها ووقعت فيها الأمراض. فلمّا رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وغُبشان من خُزاعة ما حلّ بجُرهُم من الضعف وفساد الأمر أجمعوا على إخراجهم من مكة، فاقتتلوا فدارت الدائرة على جُرهُم، فنفوهم من مكة، فخرج عمرو بن الحارث بن مُضاض بغزالي الكعبة وبحَجر الرُّكن، فدفنها في زمزم، وانطلق هو ومن معه خارج مكة.
 
 

جاء في كتاب الأغاني الجزء الخامس عشر لأبي الفرج الأصفهاني قوله:

 
” قال عثمان بن ساج في خبره: وحدثني بعض أهل العلم أن سيلاً جاء فدخل البيت فانهدم، فأعادته جرهم على بناء إبراهيم، بناه لهم رجل منهم يقال له أبو الجدرة وأسمه عمر الجارود، وسمي بنوه الجدرة. قال: ثم استخف جرهم بحق البيت، وارتكبوا فيه أموراً عظاماً، وأحدثوا فيه أحداثاً قبيحة، وكان للبيت خزانة، وهي بئر في بطنه، يلقى فيها الحلي والمتاع الذي يهدى له، وهو يومئذ لا سقف عليه، فتواعد عليه خمسة من جرهم أن يسرقوا كل ما فيه، فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس، فجعل الله عز وجل أعلاه أسفله، وسقط منكساً فهلك، وفر الأربعة الآخرون.
 
 
قالوا: ودخل إساف ونائلة البيت ففجرا فيه، فمسخهما الله حجرين، فأخرجا من البيت. وقيل إنه لم يفجر بها في البيت، ولكنه قبلها في البيت.
 
 
وذكر عثمان بن ساج عن أبي الزناد، أنه إساف بن سهيل، وأنها نائلة بنت عمرو بن ذئب. وقال غيره: إنها نائلة بنت ذئب. فأخرجا من الكعبة، ونصبا ليعتبر بهما من رآهما، ويزدجر الناس عن مثل ما راتكبا، فلما غلبت خزاعة على مكة ونسي حديثهما، وحولهما عمرو بن لحي بن كلاب بعد ذلك؛ فجعلهما تجاه الكعبة يذبح عندهما عند موضع زمزم.
 
 
قالوا: فلما كثر بغي جرهم بمكة قام فيهم مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض فقال: يا قوم احذروا البغي، فإنه لا بقاء لأهله، وقد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم ولم يعظموه وتنازعوا بينهم واختلفوا، حتى سلطكم الله عليهم فاجتحتموهم فتفرقوا في البلاد، فلا تستخفوا بحق الحرم وحرمة بيت الله، ولا تظلموا من دخله وجاءه معظماً لحرماته، أو خائفاً، أو رغب في جواره، فإنكم إن فعلتم ذلكم تخوفت أن تخرجوا منه خرج ذل وصغار، حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل إلى الحرم، ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز وأمن، والطير تأمن فيه. فقال قائل منهم يقال له مجدع: ومن الذي يخرجنا منه؟ ألسنا أعز العرب وأكثرهم مالاً وسلاحاً؟ فقال مضاض: إذا جاء الأمر بطل ما تذكرون؛ فقد رأيتم ما صنع الله بالعماليق! قالوا: وقد كانت العماليق بغت في الحرم، فسلط الله عز وجل عليهم الذر فأخرجهم منه، ثم رموا بالجدب من خلفهم حتى ردهم الله إلى مساقط رؤوسهم، ثم أرسل عليهم الطوفان- قال: والطوفان: الموت- قال: فلما رأى مضاض بن عمرو بغيهم ومقامهم عليه، عمد إلى كنوز الكعبة، وهي غزالان من ذهب، وأسياف قلعية ، فحفر لها ليلا في موضع زمزم ، ودفنها.
 
 
فبيناهم على ذلك إذ سارت القبائل من أهل مأرب، ومعهم طريقة الكاهنة، حين خافوا سيل العرم، وعليهم مزيقياء وهو عمرو بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الزد بين الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فقالت لهم طريقة لما قاربوا مكة: وحق ما أقول، وما علمني ما أقول إلا الحكيم المحكم، رب جميع الأمم، من عرب وعجم. قالوا لها: ما شانك يا طريقة؟ قالت: خذوا البعير الشدقم ، فخضبوه بالدم، تكن لكم أرض جرهم، جيران بيته المحرم. فلما انتهوا إلى مكة وأهلها أرسل إليهم عمرو ابنه ثعلبة، فقال لهم: يقاوم، إنا قد خرجنا من بلادنا فلم ننزل بلدةً إلا أفسح أهلها لنا، وتزحزحوا عنا، فنقيم معهم حتى نرسل رواداً فيرتادوا لنا بلدا يحملنا، فافسحوا لنا في بلادكم حتى نقيم قدر ما نستريح، نرسل روادنا إلى الشأم وإلى الشرق، فحيثما بلغنا أنه أمثل لحقنا به، وأرجوا أن يكون مقامنا معكم يسيراً، فأبت ذلك جرهم إباءً شديداً، واستكبروا في أنفسهم، وقالوا: لا والله؛ ما نحب أن تنزلوا فتضيفوا علينا مرابعنا ومواردنا، فارحلوا عنا حيث أحببتم، فلا حاجة لنا بجواركم. فأرسل إليهم: إنه لابد من المقام بهذا البلد حولاً، حتى ترجع إلي رسلي التي أرسلت، فإن أنزلتموني طوعاً نزلت وحمدتكم وآسيتكم في الرعي والماء، وإن أبيتم أقمت على كرهكم ثم لم ترتعوا معي إلا فضلاً، ولم تشربوا إلا رنقا ، وإن قاتلتموني قاتلتكم، ثم إن ظهرت عليكم سبيت النساء وقتلت الرجال، ولم أترك منكم أحداً ينزل الحرم أبداً! فأبت جرهم أن تنزله طوعاً وتعبت لقتاله، فاقتتلوا ثلاثة أيام أفرغ عليهم فيها الصبر، ومنعوا النصر ، ثم انهزمت جرهم فلم يفلت منهم إلا الشريد. وكان مضاض بن عمرو قد اعتزل حربهم ولم يعنهم في ذلك، وقال: قد كنت أحذركم هذا. ثم رحل هو وولده وأهل بيته حتى نزلوا قنونى وما حوله، فبقايا جرهم به إلى اليوم، وفني الباقون؛ أفناهم السيف في تلك الحروب.
 
 
قالوا: فلما حازت خزاعة أمر مكة وصاروا وأهلها جاءهم بنو إسماعيل وقد كانوا اعتزلو حرب جرهم وخزاعة، فلم يدخلوا في ذلك، فسألوهم السكنى معهم وحولهم فأذنوا لهم، فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن الحارث وقد كان أصابه من الصبابة إلى مكة أمر عظيم، أرسل إلى خزاعة يستأذنها، ومت إليهم برأيه وتوريعه قومه عن القتال، وسوء العشرة في الحرم، واعتزاله الحرب، فأبت خزاعة أن يقروهم ونفوهم عن الحرم كله، وقال عمرو بن لحي لقومه: من وجد منكم جرهميا قد قارب الحرم فدمه هدر ! فنزعت إبل لمضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو، من قنونى تريد مكة، فخرج في طلبها حتى وجد أثرها قد دخلت مكة، فمضى على الجبال نحو أجياد، حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الإبل في بطن واديمكة، فأبصر الإبل تنحر وتؤكل ولا سبيل له إليها، فخاف إن هبط الوادي أن يقتل، فولى منصرفا إلى أهله وانشأ يقول:
 
 
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفـا
 
 
أنيس ولم يسمر بـمـكة سـامـر
 
ولم يتربع واسـطـا فـجـنـوبـه
 
 
إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر
 
بلى نحن كنا أهـلـهـا فـأبـادنـا
 
 
صروف الليالي والجود العـواثـر
 
وأبدلنـا ربـي بـهـا دار غـربة
 
 
بها الذئب يعوي والعدو المخـامـر
 
أقول إذا نام الـخـلـي ولـم أنـم
 
 
أذا العرش لايبعد سهيل وعـامـر
 
قد ابدلت منهم أوجـهـا لاأريدهـا
 
 
وحمير قد بدلتـهـا والـيحـابـر
 
فإن تمل الدنيا علـينـا بـكـلـهـا
 
 
ويصبح شر بينـنـا وتـشـاجـر
 
فنحن ولاة البيت من بعـد نـابـت
 
 
نمشي به والخير إذ ذاك ظـاهـر
 
وأنكح جدي خير شخص علمته
 
 
فأبناؤه منا ونحن الأصـاهـر
 
وأخرجنا منها الملـيك بـقـدرة
 
 
كذلك ياللناس تجري المـقـادر
 
فصرنا أحاديثاً وكنا بـغـبـطة
 
 
كذلك عضتنا السنون الغوابـر
 
وسحت دموع العين تبكي لبلـدة
 
 
بها حرم أمن وفيها المشاعـر
 
ويا ليت شعري من بأجياد بعدنـا
 
 
أقام بمفضى سيله والظواهـر
 
فبطن منى أمس كأن لم يكن به
 
 
مضاض ومن حيى عدي عمائر
 
فهل فرج آت بشيء نـحـبـه
 
 
وهل جزع منجيك مما تحـاذر
 
 
 
 
 
قالوا: وقال أيضاً:
 
يا أيها الحي سيروا إن قصـركـم
 
 
أن تصبحوا ذات يوم لاتسيرونـا
 
إنا كما أنتـم كـنـا فـغـيرنـا
 
 
دهر بصرف كما صرنا تصيرونا
 
أزجوا المطي وأرخوا من أزمتها
 
 
قبل الممات وقضوا ما تقضونـا
 
قد مال دهر علينا ثم أهلـكـنـا
 
 
بالبغي فيه فقد صرنا أفـانـينـا
 
كنا زماناً ملوك الناس قبـلـكـم
 
 
نأوي بلاداً حراماً كانمسكونـا
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى