بنو حمدان: سلالة القوة والسيادة في تاريخ الشام
تعود جذور بنو حمدان إلى حمدان بن حمدون، أحد أبرز رجال تغلب بن وائل. كان حمدان في البداية حليفاً لهارون الخارجي في عام 885 ميلادية، ليصبح لاحقاً صاحب قلعة ماردين. لكن مع زحف الخليفة العباسي المعتضد نحو ماردين، لم يجد حمدان في القلعة لأنه كان قد فر تاركاً خلفه ابنه حسين، الذي فتح أبواب قلعة دير الزعفران أمام الخليفة في عام 894 ميلادية. لم يمض وقت طويل حتى قبض الخليفة على حمدان وأودعه السجن طيلة فترة تمرد هارون الخارجي.
عندما هزم حسين بن حمدان هارون في عام 896 ميلادية، عفا الخليفة عن حمدان ومنحه ألقاب الشرف، مبرزاً خاصة ابنه حسين، الذي عينه قائماً على قم وقوشان. لكن هذا الإنعام لم يستمر طويلاً، إذ نشب خلاف بين الخليفة وحسين أدى إلى سجن الأخير، حيث توفي هناك.
أما الابن الثاني لحمدان، وهو أبو الهجاء، فقد عينه الخليفة والياً على الموصل. تولى أبو الهجاء حكم المدينة لأكثر من عشرين عاماً، شهدت خلالها فترة فساد واسعة، ولم يفلح في تحسين الأوضاع. توفي في النهاية، وتولى ابنه الملقب بناصر الدولة حكم الموصل حتى وفاته عام 968 ميلادية. نجح ناصر الدولة في توسيع سلطانه ليشمل جميع ديار مضر وديار ربيعة، حيث خلفه ابنه الغضنفر.
انتهت حقبة حكم الحمدانيين في الموصل بموت الغضنفر، الذي فر إلى الشام حيث لقي حتفه عام 979 ميلادية. استمر حكم الحمدانيين لفترة طويلة، حيث امتد إلى الموصل وأراضي الجزيرة وحلب وشمالي بلاد الشام. تمكن سيف الدولة الحمداني من انتزاع مدينتي حمص وحلب من الإخشيديين، الذين كانوا حكام مصر في ذلك الوقت.
سيف الدولة اشتهر بغاراته المتكررة على الأراضي البيزنطية ومعاركه العنيفة ضدهم، مما جعله شخصية بارزة في التاريخ السياسي والعسكري. توفي سيف الدولة عام 966 ميلادية، تاركاً بصمة واضحة في تاريخ المنطقة. أما في المجال الأدبي والشعري، فقد برز عند الحمدانيين أحد ألمع رموز الشعر العربي، وهو أبو فراس الحمداني، ابن عم سيف الدولة، الذي ترك إرثاً أدبياً خالداً لا يزال يُذكر حتى اليوم.