من هم قوم شعيب وكيف أهلكهم الله؟
أميرة جادو
عاش سيدنا شعيب -عليه السلام- في قرية صغيرة تسمى “مَدْيَن”، وهي قرية مشهورة بمناخها الرائع وأرضها الزراعية الخصبة، وكان -عليه السلام- يحب قريته وأهلها وإن كانوا وثنيين -يعبدون الأصنام-، وكانوا يرون بأن هذه الأصنام هيمن ترزقهم وتبارك لهم حياتهم، وهذا الأمر أحزن سيدنا شعيب -عليه السلام-، كما كانَ قومه يغشون في معاملات البيع وعمليات الشراء، ويطففون في الميزان، وقد جاءهم شعيباً برسالة التوحيد والتي تتضمن ترك كل هذه الأمور.
وتعتبر قرية مدين من القرى القريبة من قومِ لوطٍ، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة موجودة بها، وهم من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وقد عرف أهل مدين بالطغيان والفساد في الأرض، أما من حيث الزمان فهم قريبون من زمن سيدنا إبراهيم ولوط -عليهما السلام-.
دعوة شعيب لقومه
وبيّن الله -عزّ وجلّ- في كتابه الكريم دعوة شعيب -عليه السلام- لقومه، قال -تعالى-: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ شعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).
من هم أصحاب الأيكة؟
هم قوم سيدنا شعيب -عليه السلام-، واختلفت الآراء في كَوْن أصحاب الأيكة هم أنفسهم أهل مدين الذي يعد سيدنا شعيب من أهلها؛ فمنهم من قال إن مَدين والأيكةَ واحد، ولكنَّ الله -تعالى- لم يذكر في كتابه أنَّه أخوهم كباقي الآيات؛ لأنَّهم نسِبوا إلى عبادةِ الأيكةِ، وهي شجرة أو مجموع شجر ملتف على بعضه بعضاً، وبعض العلماء قالوا: إن أهل مدْين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله -تعالى- إليهم سيدنا شعيب -عليه السلام-، والأيكة تقع جنوبَ الأردن قربَ مدينة العقبة، وقد اجتمع قوم شعيب -عليه السلام- على النبيّ شعيب حزبًا واحداً، فأهلكهم الله -تعالى-.
بعثة شعيب لهم
ارسل الله – سبحانه وتعالى- سيدنا شعيب لدعوةِ قومه إلى التوحيد والابتعاد عن المحرمات؛ وترك عبادة الأصنام، والغش في البيع، والتطفيف، وعدم الإنقاص من أموال الناس، وكذلك ألا ينقصوا الكيل، والأنصاف بين الناس في التجارة، وحذرهم -عليه السلام- وذكرهم بما حدث للأقوام البائدة الذين سبقوه والتي كذبت برسالة الرسل، ولكنهم انقسموا بذلك إلى قسمين؛ فمنهم مَن آمن به وهم الضعفاء، ومنهم مَن كفر به وهم الطّغاة وكبار القوم، وكان طغاة القوم يضايقون شعيباً والذين معه، وهدّدوه بإخراجه من القرية وقتله، كما اتّهموه بالسحرِ، وكانوا يؤذون من آمن معه، ويحاوِلون إعادتهم إلى الوثنيةِ.
نهاية قوم شعيب
كان قومه في سوقهم يتاجرون ويظلمون الناس، ويهتمّوا بجمع الكثير من الأموال من خلال الحرام، وذات يوم حل الظلام، واهتزت الأرض فدمرت المدينة، وخرجَ مِنها المؤمنين بسلامٍ وأمان، وأما الكفّار في قرية الأيكة فقد أصابهم عذاب يوم الظلة، كما جاء في قوله-تعالى-: (قالَ يا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالاتِ رَبّي وَنَصَحتُ لَكُم فَكَيفَ آسى عَلى قَومٍ كافِرينَ)، وكانوا قد طلبوا من الله -تعالى- أن يرسل عليهم كسفاً من السّماء كما ذكر في القرآن الكريم، قال -تعالى-: (وَإِذ قالوا اللَّـهمَّ إِن كانَ هـذا هوَ الحَقَّ مِن عِندِكَ فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائتِنا بِعَذابٍ أَليمٍ)، فكان عذابهم من جنسِ ما طلبوا.
فأرسل الله -تعالى- عليهم سبعة أيامٍ من الحرّ الشديد، وبعث لهم سحابة “غيمة” فاحتموا بظلها، فنزلَ عليهم حجارة من نار فأهلكتهم، كما جاء عن ابن عباس أنَّه قال: “فَذَلِكَ عَذَابُ يَوْمِ الظلةِ، إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ”، وكانوا يظنّون أنَّ هذه السّحابة نجاةٌ لهم من شدَّةِ الحرِّ الذي كانوا به، ولكنَّها كانت عذاباً لهم، قال -تعالى-: (فَكَذَّبوه فَأَخَذَهمْ عَذَاب يَوْمِ الظلَّةِ)، ويتضح لقارىءِ القرآنِ أنَّ اللهَ -تعالى- بيّن أنَّ قوم شعيب -عليه السلام- قد أهلكوا بثلاث طرق مختلفة بحسب حالهم؛ فمرة أخذتهم الصّيحة كما في سورة هود، ومرة أخذتهم الرجفة كما في سورة الأعراف، ومرة أسقط عليهم كِسَفاً من السّماء وأخذهم عذاب يوم الظلة كما في سورة الشعراء.