عادات و تقاليد

عادات الزواج في ليبيا.. بداية من “الفضانية والوشم” حتى “الوشوشانة”

أميرة جادو

تضم كل دولة العديد من المجتمعات أو الفئات والقبائل خاصة في المنطقة العربية والأفريقية، وهي لا تزال حتى يومنا هذا تمثل قيمة كبرى لتلك المجتمعات التي تصارع من أجل الحفاظ على هويتها وعاداتها وتقاليدها، رغم كل عمليات التداخل، التي طرأت خلال العصر الراهن، وتعد عادات الزواج من أهم الموروثات، التي تتميز بها المجتمعات في سائر العالم، حتى وإن تشابهت مناطق الحضر (المدن) تظل بعض الفئات داخل الدولة أو المجتمع تحافظ على ذلك الموروث.

الخطبة

تعتبر ليبيا من أكثر الدول تنوعًا من حيث عدد السكان، ونتج عن هذا التنوع العديد من العادات الفريدة، خاصة في مراسم الزواج، حيث تكون متشابهة إلى حد ما في بعض الأماكن ومختلفة في أماكن أخرى، على سبيل المثال في مسألة الخطبة، فهذه المهمة توكل إلى لأم أو أحد أفراد الأسرة، وقد يكون العروس لم يراها العريس طوال حياته، إلا أنها إذا حظت بإعجاب الأم قد تكون زوجة ابنها، خاصة أن الأم تبحث أولا في محيط الاقارب ومواصفات أخلاقية وجسدية ترتضيها لابنها وتتوافق مع الأسرة، وتقوم بوصف ملامح الفتاة وطولها وجسدها للشاب، وعادة ما تتم الخطبة من القبيلة او العائلة حفاظا على الميراث داخل الأسرة والعشيرة ونوع من المجاملة المتوارثة.

ومن ضمن العادات الغريبة بعض الشيء واللافتة للنظر أن العريس لا يرى عروسه، إلا في ليلة الزفاف، خاصة أنه عند قراءة الفاتحة في الخطبة لا يراها بل تراها أمه وأخوته الفتيات فقط، وإذا قابلت الفتاة خطيبها أو رأته دون إذن أهلها يتبرأ منها والدها، نظرا لاعتبار ذلك الأمر مخالفا للأعراف والتقاليد.

ومن العادات الغريبة بعض الشيء، أن العريس لا يرى عروسه إلا في ليلة زفافهما، خاصة عندما يقرأ الفاتحة في خطبة لا يراها إلا والدته وأخواته فقط، وإذا التقت الفتاة بعريسها أو تراه دون إذن أهلها، يتبرأ منها الأب، لأن هذا مخالف للعادات والتقاليد.

البيان أو الفضانية

وهي المرحلة، التي تلي زيارة أهل العريس لأهل العروس، وطلب يدها بعد اتمام الاتفاق على كل شيء، حيث يبلغ أهل العروس موافقتهم على خطبة ابنهم، فيذهب أهل العريس حاملين الهداية من الملابس والأردية والمواد الزيتية والحنة والشمع والسكر، وقد تشمل هذه الهدايا غلال الموسم وأنواع من الحلويات التي تصنع محليا، وتسمى” الفراقش” وهي تقدم من والدة العروس للخطيب.

أما في طرابلس، يتم الزواج بشكل كبير على طريقة الزواج الأندوجامي، وهو زواج الأقارب، أي من داخل العائلة والقبيلة وهو مصطلح اجتماعي فرنسي، يفسر على أنه الزواج اللحمي، خاصة من ناحية الأب، وذلك للحفاظ على الميراث،  وضمن الأمثلة الشائعة بهذا الأمر “اللي واخذ بنت عمه كأنه ضحى من غنمه”، في حين أن قبائل الطوارق تركز على الروابط من جهة الأم.

المهور

لا تزال بعض المناطق تتمسك بالمهور القديمة متبعة، خاصة في المناطق الفقيرة، فعلى سبيل المثال فإن مهر البنت البكر في منطقة غريان “10 مرطات قمح (وهو وعاء يكال به القمح في ليبيا) و56 مرطة شعير، و3 جرات زيت و100 قرش، غير أنه في الفترة الأخيرة بلغ المهر 56 مرطة قمح و88 مرطة شعير و10 جرات زيت (وعاء خاص بليبيا في كيل الزيت) و10 رؤوس من الغنم و400 قرشا، ولم تعد هذه المهور هي المتبعة على كافة الأماكن، حيث أن بعض الأماكن أصبحت فيها المهور حلي من الذهب ومبالغ مالية كبيرة، حسب الحالة الاقتصادية للعريس، وما يتم التوافق عليه.

الوشم

وهو من العادات القديمة المتوارثة، تستخدمه العروس في التزيين قبل الزفاف، كما جرت العادة، حيث تقوم “الوشامة” بوشم الفتاة، بصبغ أزرق يوضع فوق الذقن وعلى اليدين، ويدوم مدى الحياة، وتم استخدم هذا الوشم كطريقة لتأهيل الفتاة نفسيا، للانتقال لدورها كزوجة وربة بيت، حيث يتم فهم الوشم في سياق الزواج أي أن الموشومة أصبحت متزوجة.

قبل شهر من الفرح، تقام ليالي غناء وأمازيغ تمتد على مدار الشهر، يتزامن معها صناعة ملابس العروس والعريس وتجهيزات المنزل بالأثاث ، كما تعلق الأضواء من يوم الجمعة الأولى في أسبوع الفرح، وينطلق ما يسمى بالسهريات، ومفردها سهرة، حيث يجتمع النساء كل ليلة طول أسبوع الفرح ابتداء من الجمعة إلى الخميس السابق للفرح، وتقرع ما يسمى بـ”الدربوكة”، وترتفع الاغاني وتتزين النساء بأجمل الألبسة، وترتدي الحرير ما يسمى بالرداء في ليبيا، والذهب والحناء في أجواء جميلة، وتقدم الحلويات والشاي والعصائر والشكولاتة ، ويحمل العريس لقب “السلطان” طوال أسبوع الفرح.

تحضيرات العروس للفرح

أما عن تحضيرات العروس، تبدأ الطقوس يوم الاثنين فيما يعرف بـ”يوم القفة” بمشاركة الفتيات حفلات السهر متزينات دون دخول الرجال عليهن نهائيا.

ثم تذهب يوم الثلاثاء إلى الحمام الخاص بالنساء أو “الزيانة”، وتتزين وتتجهز لليلة الحنة،  وترتدي أجمل الألبسة وهي ما تسمى ببدلة الحنة، المتميزة باللون الوردي والمعروف  بـ”البودري”، وترتديها بنات ليبيا كافة على  حد سواء وتصاحبها عدة أغاني تراثية، وتمسى ليلة الحناء في طرابلس بـ”النجمة”.

“الوشوشانة”.. ليلة الحنة

تكمل العروس زينتها في ليلة الحنة، حيث يتم إعداد البخور من خلال ما يعرف بالـ”الوشوشانة”، وتزين أطراف شعرها بالقلائد الفضية الثقيلة، وتعرف باسم” العنابر”، وترتدي العروس في هذا اليوم لباسا أزرقا مطرزا بفتلات ذهبية وفضية، ثم تخرج العروس بعد تمام زينتها وتخطو في طريقها فوق سلة بها حناء من باب التفاؤل بحياة زوجية مستقرة وسعيدة.

وتستمر الاحتفال بمراسم ليلة الحنة حتى الصباح عند العروس والعريس، ومع طلوع الشمس يقومون بذبح ما أعد للفرح سواء كان من العجول والإبل والأبقار، ويتم تجهيز الغداء والعشاء عند العروس والعريس، وبعد وجبة الغذاء ينطلق أهل العريس بموكب من السيارات يحملون ما يسمى بكسوة العروس وذهبها، ويقدم لهم المشروبات من أشهرها “اللوز والروزاطة والعمبمر”.

الزي

يرتدي العريس البدلة أو الزي الشعبي، وهو البون والعروس ترتدي الفستان الأبيض أو البدلة الشعبية.

الزفة                                                                                                          

  • وفي بعض المناطق التي تحتفظ بالتراث القديم حتى الآن تزف العروس على هودج مغلق محمول على جمل مكسو بستائر قطنية، مربوط حوله وشاح أحمر من الحرير، ويتقدم موكب العروس فارس يحمل علما أبيض، وقبل أن تذهب العروس إلى بيت الزوجية يلف الهودج حول بيت الاب 7 مرات كتعبير عن وداع الفتاة لبيت أبيها، وعندما تصل بيت العريس يذبح لها كبش كبير أمام قدميها ترحيبا بها، وبعد سهرة الزفاف وقبل دخول المنزل تكسر أمام العريس جرة مملوءة بالماء وهي إشارة على أنه صاحب السلطة وصاحب الكلمة، وكذلك تيمنا بأن زوجته تحمل له الاخلاص.
  • أما المناطق الشرقية من ليبيا يأخذ بعض الشباب دم ذبيحة العريس ويسكبونه على باب الدار.
  • وفي المناطق الغربية تقوم العروس بكسر بيضة عند مدخل البيت، تيمنا باللون الأبيض.

الدخلة

بعد دخولهم لغرفة النوم، يقدم كل منهما هدية للأخر عربونا للمحبة، ثم يصليا ركعتين وبعد ذلك يوضع السكر في فم العروسين تيمنا بحياة سعيدة لهم،  وتبقى مع العروس في غرفتها حتى دخول العريس عليها، وبعد دخول العريس على عروسه يقوم بإطلاق الأعيرة النارية وكسر إبريق لإظهار عفة عروسه، التي تثبتها بالثوب الأبيض الذي يظهر عليه علامات فض بكارتها كبرهان على شرف البنت، ولكن تلك العادات لم تعد منتشرة بشكل كبير في الأونة الأخيرة في معظم أنحاء ليبيا.

ويظل العريس لمدة 10 أيام لا يقابل والده، أما العروس فتبقى في أبهى زينتها لمدة شهر لا تلتقي فيها أبيها أو أحدا من أخوتها الشباب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى