حوارات و تقارير
بينهم مقاتلون من أصول عربية.. متطوعين للدفاع عن أوكرانيا قرب كييف
دعاء رحيل
القوات الروسية تركت أصوات تسمع بين الحين والآخر في ضواحي العاصمة كييف، وحالة الاستعداد باقية على أشدها في الضواحي وداخل المدينة على حد سواء، حتى وإن عادت الحياة إلى طبيعتها نسبيا بعد انسحاب تلك القوات.
يتجلى ذلك في استمرار وجود الحواجز العسكرية وبعض المتاريس، التي تقطع الطرقات الداخلية والخارجية، وكذلك في تدريبات لا تتوقف، تقوم بها قوات “الدفاع الإقليمي” الرديفة للجيش النظامي، وتشمل مدنيين متطوعين، وجنودا متقاعدين، ومحاربين قدامى.
بموافقة ومرافقة إحدى سرايا تلك القوات، وبعد اجتياز عدة حواجز وإجراءات أمنية مشددة، دخلت حقل تدريب عسكري في أحد الأماكن البعيدة عن مدينة كييف، حيث لا يسمع السكان أصوات إطلاق النار وإطلاق القذائف وضربات المدافع، فلا يخيل إليهم أن المعارك عادت من جديد.
يحاكي المكان ساحة حرب حقيقية، من حيث التضاريس الوعرة المحتملة، وانتشار الأهداف وتمركز الجنود، لكن تصوير المكان كله يبقى ممنوعا، لأسباب أمنية معروفة، أهمها عدم كشفه، وحماية المتدربين من عمليات القصف الروسي بعيدة المدى.
وفي هذا الصدد قال أحد الضباط المسؤولين عن عملية تنظيم تلك التدريبات في جهاز “الحرس الوطني”، الذي يرافق القوات المشاركة وينسق فيما بينها “بطبيعة الحال، لدينا “مئات” المواقع التدريبية المماثلة، وليس حول كييف وحدها، بل حول جميع المدن الرئيسية في أوكرانيا، وهي مواقع متغيرة، بمعنى أن التدريبات لا تتم فيها بصورة دورية ثابتة”.
ولمزيد من الأمن، تمر من فوق الحقل -بين الحين والآخر- مروحيات دوريات شرطة من جهاز “الحرس الوطني” أيضا، التابع لوزارة الداخلية.
مختلف أنواع السلاح
بعد الاستماع إلى الخبراء والمدربين، وبعد إخراج وتجهيز السلاح وانتشار الجند ومراقبي الأهداف في أماكن متفرقة، يتحول الحقل إلى ساحة تحاكي قتالا حقيقيا، لا يتوقف إلا عند حدوث خطأ، أو لتوجيه بعض الملاحظات.
التدريب هنا يشمل مختلف أنواع الأسلحة، بدءا من بنادق “كلاشينكوف”، مرورا ببنادق القناصة، وبقاذفات القنابل اليدوية المثبتة على الأرض أو المركبات، وصولا إلى الأسلحة الرشاشة الثقيلة، وحتى أسلحة العربات المدرعة التابعة للجيش النظامي.
كما أوضح أحد المدنين “كييف في خطر دائم ما دامت الحرب. لا يمكن أن تكون العاصمة بعيدة عن الخطر؛ لكننا لا نتدرب لحماية كييف فقط، بل للمشاركة في حماية مدن ومواقع أخرى في البلاد، إذا اقتضت الحاجة”.
في حقل التدريب، وُجد العشرات من “فيلق القوقاز”، كما أطلقت عليه السلطات المعنية بقوات “الدفاع الإقليمي” في كييف، وعلى رأسها وزارة الدفاع، وهو فيلق يضم فصائل عدة، ومتطوعين مسلمين وعربا بالدرجة الأولى.
من جهته قال أحد قادة الفيلق، وهو شيشاني الأصل (رفض الكشف عن اسمه)، “نحن مقاتلون محترفون ومتطوعون من أصول شيشانية وداغستانية وأذربيجانية وقرمية تترية وعربية، ومن بيننا أيضا بعض المقاتلين من غير مسلمين كذلك، جمعتنا جنسية أوكرانيا وحب أرضها، والعيش الطويل فيها كوطن مشترك”.
وأضاف “بالنسبة لكثيرين منا، أوكرانيا وطن وحيد لا بديل، والدفاع عنه واجب ديني وأخلاقي قبل أي اعتبارات أخرى”، على حد قوله.
في المكان التقينا الشاب أحمد ذي الأصول الجزائرية، الذي شرح سر هذه التسمية فقال “القوقاز أول جرح إسلامي فتحه الروس، وهذا أمر يتفق عليه كل من تعرض لأذيتهم لاحقا في دول مسلمة وعربية أخرى”.
وعن الأسباب التي دفعته للتطوع وحمل السلاح، قال أحمد “أنا أنتمي منذ أعوام إلى أوكرانيا. زوجتي أوكرانية ولدينا طفلة. قتالي حماية لوطني وأسرتي وعرضي”، على حد قوله.
حماية المقرات و”مهام خاصة”
كثير من أفراد هذا “الفيلق” ملثمون، خشية على أقاربهم في الدول والمناطق التي تنحدر أصولهم منها، كما يقولون، وكذلك لأنه يقومون بمهام قتالية خاصة، بناء على خبرات تميزهم عن غيرهم، وجعلتهم جزءا من القوات المشاركة في حراسة مؤسسة الرئاسة والمقرات الحكومية، وفق الشعار الخاص بهم.
وفي هذا السياق يقول أحد قادة الفيلق “منا من قاتل ضد الروس في الشيشان، وضد قوات رمضان قديروف، لذلك نحن نعرف كيف نتعامل مع هؤلاء، الذين دفعت بهم روسيا إلى كييف كقوات خاصة، لاغتيال الرئيس زيلينسكي والسيطرة على المقرات الحكومية في أوائل أسابيع الحرب”.
ولفت أيضا إلى أن “الفيلق يرسل مقاتلين لتنفيذ عمليات خاصة في مناطق أخرى، شرقية بالدرجة الأولى، وفي سجله الكثير من عمليات القضاء على المتسللين الروس والمتعاونين معهم، بناء على معلومات استخبارية”، على حد قوله.
هذا وتقاتل إلى جانب القوات الأوكرانية -منذ العام 2014- عدة كتائب إسلامية مناوئة لروسيا وللزعيم الشيشاني رمضان قديروف، منها كتيبتا “جوهر دوداييف” و”عبد الله منصور” الشيشانيتان، وكتيبة “القرم” الإسلامية.
وبعد بضع ساعات قضيناها في الحقل التدريبي، غادرناه بإجراءات أمنية مشددة كذلك، وعلى طريق الخروج كانت مجموعات جديدة تصل إلى المكان، بوجوه وملامح وعدة وعتاد مختلف؛ فلكل منها مواقع ومهام مختلفة، على ما يبدو.