في الذكرى الـ 40 لتحرير سيناء.. مسيرة التضحية والتنمية والبناء وإعادة الأمن لأرض الفيروز
أميرة جادو
تحل اليوم الذكرى الأربعين لتحرير سيناء ويواصل الجيش المصري في بذل قصارى جهده لبقاء تلك البقعة الغالية من أرض الوطن آمنة مستقرة، وقد رفضت القوات المسلحة ترك تلك الأرض المقدسة في أيدي التكفيريين الذين تم زرعهم خلال فترة حكم جماعة الإخوان لمصر ، وتمكنت من شن حرب شاملة على الإرهاب و تصفية العناصر المتطرفة وبسط الأمن لتبدأ على الفور مسيرة البناء والتعمير.
وقد أتفق الخبراء العسكريون بالإجماع، على أن قواتنا المسلحة حققت انتصارًا عظيمًا في دحر الإرهاب واقتلاعه من جذوره، وأعادت الحياة لطبيعتها بأرض الفيروز، لتنطلق المشروعات القومية على طريق تحقيق التنمية المستدامة المنشودة.
“قدرة الجيش فرضت الاستقرار”
وفي البداية، يؤكد اللواء حمدي بخيت، الخبير الاستراتيجي والعسكري وعضو مجلس النواب السابق، إن الإرهاب تم تصديره إلينا كأحد أدوات ارساء الدعم لدولة الإخوان في مصر، وكذلك من بين التهديدات التي واجهتها البلاد عقب ثورة 30 يونيو، إلا أن مصر، مقارنةً بالدول الأخرى التي انتشر على أرضها الإرهاب، تمتلك جيشًا متماسكًا قويًا ووطنيًا نجح في التصدي لتلك الظاهرة حتى قضى عليها، موضحًا أن قدرة جيش مصر النوعية وتنظيمه وتحكمه في حدود الدولة أدت إلى فرض حالة من الاستقرار في المناطق المهددة بسيناء، مذكرًا بأن مصر لم تنجو من الأعمال الإرهابية إلا بعد أن طهرت القوات المسلحة، وبالتعاون مع وزارة الداخلية، سيناء وجعلتها أرض جاهزة للتنمية.
وأشار الخبير الاستراتيجي والعسكري، إلى أن العديد من المشاريع القومية بدأت بسيناء، ومنها الربط والاتصال الاستراتيجي والطرق والمحاور، علاوة على المشروعات المتنوعة، طبقًا لطبيعة المكان، مثل المزارع السمكية، وهي مصدر دخل قومي، فضلًا عن تطوير بحيرة البردويل وميناء العريش ليصبح ميناء رئيسي على البحر المتوسط ، وكذلك مصانع الرخام والاسمنت والتعدين والبتروكيماويات، وبناء المدن الجديدة و تطوير المعالم والمناطق السياحية.
وأضاف “بخيت”، أنه بعد مرور 40 سنة على تحرير سيناء، نجد أن اليوم أصبح هناك إرادة سياسية قوية في تعمير تلك الأرض المباركة، وأن ازدواج التفريعة أو ممر قناة السويس كان قرارًا سياديًا في غاية الأهمية، فتح المجال لإمكانية إقامة مشروعات كبرى تخدم القناة، منوهًا كذلك بوجود القواعد اللوجستية التي وفرت دعم مادي كبير وتكلفة النقل.
“تصفية التنظيمات الإرهابية”
وبدوره، أوضح لواء طيار دكتور هشام الحلبي، مستشار مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا، إن مصر خاضت حروباً كثيرة في سيناء، كما أن مصير هذه المنطقة أن تشهد أيضًا حروبًا غير تقليدية مثل الحرب على الإرهاب التي انتصرت فيها القوات المسلحة، بالتعاون مع الشرطة وأهل سيناء، ودحرت التنظيمات الإرهابية وفرضت سيطرتها الكاملة على الحدود.
وشدد “الحلبي”، على أن عمليات مكافحة الإرهاب اتسمت بمراعاة الجانب القانوني والإنساني، حيث تم تقديم كل الدعم لسكان سيناء من مواد غذائية لرعاية طبية نتيجة لمعاناتهم بسبب تواجد عناصر متطرفة على أراضيهم ، مضيفًا أن تصفية الجيش المصري للإرهابيين سمحت بالانطلاق نحو مشروعات التنمية في سيناء، والتي تتميز بكونها تنمية مستدامة حيث تراعي حق الأجيال الحالية وحق الأجيال القادمة.
وأشار مستشار مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا، إلى أن سيناء تشهد اليوم تطوير المطارات والطرق والموانئ، وأن الأنفاق التي تم إنشاءها تحت قناة السويس -بجانب كوبري السلام ونفق الشهيد أحمد حمدي- ستجعل سيناء تحقق قفزة هائلة في التنمية لأنها ستربط المنطقة كلها بصورة كبيرة، وستسهم في نقل الاستثمارات وازدياد السياحة، مؤكدًا على أهمية تنمية محور قناة السويس وازدواج القناة بالنسبة لسكان سيناء ، حيث أن التنمية تمثل نقطة هامة في القضاء على الإرهاب نظرًا لأن توفير حياة آمنة وكريمة للسكان وفرص عمل للشباب سيعزز من استقرار الأمن في تلك المنطقة الهامة.
“أرض العبور مرغوبة لدى الغزاة”
وفي السياق ذاته، رأى اللواء دكتور محمد الغباري مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق، أن تجفيف منابع الإرهاب بسيناء مرت بعدة مراحل، كان أولها جمع المعلومات الكافية عن الإرهابيين الذين تم زرعهم في سيناء ، أعقبها مرحلة “كمين الرفاعي” (عام 2015) التي كانت فيصل في القبض على عناصر إجرامية، وتلتها عمليات عسكرية جديدة حتى وصلنا إلى تطهير منطقة جبل الحلال، ثم بدأت مرحلة أخرى جديدة في عام 2018 واستمرت سنة تقريبًا، قضى خلالها الجيش المصري على جذور التنظيم الإرهابي.
واعتبر “الغباري” أن تنمية شبه جزيرة سيناء كادت أن تبدأ منذ الثمانينيات والتسعينيات، لكنها توقفت بسبب الاهتمام بمشروعات أخرى، ولم يكن هذا تطوراً مرغوباً في ذلك الوقت، موضحاً أن شبه جزيرة سيناء كانت تعرف منذ العصور القديمة بأنها “أرض عبور” ومرغوبة لدى الغزاة، وكان من المقرر تحويلها إلى “أرض إقامة” ، لكن هذا لم يتحقق إلا مع بداية عملية تطورها والتنمية بها.
“تنمية واستصلاح أراضي سيناء”
كما لفت مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق، إلى أنه عقب ردع واحتواء الإرهاب، بدأت على الفور مرحلة تدشين المشاريع القومية لنجد أن حجم التنمية في سيناء اليوم يساوي أربعين عاما مضت، إذا انها تشهد على استصلاح أراضي، وإنشاء مستشفيات ومدارس وجامعات ومدن جديدة ومصانع، وشبكة طرق ومواصلات ووسائل اتصال، لافتًا:” كلها مظاهر حياة لم تكن موجودة من قبل وتعد دفعة هامة للتنمية المستدامة في سيناء” .
وفي هذا الصدد، نوه اللواء دكتور مصطفى كامل محمد السيد، مستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، أحد أبطال حرب أكتوبر، إلى أن التنظيمات الإرهابية و العناصر التكفيرية لم تعد موجود على أرض مصر، وذلك بعد سيطرة القوات المسلحة بشكل كامل على أرض الفيروز وعلى كافة المناطق بما فيها (المنطقة ج)، مضيفًا أن هذه السيطرة أدت إلى استقرار أمني وسياسي واقتصادي في مصر، و أننا استطعنا مواجهة التحديات والمشكلات العالمية وأخرها على سبيل المثال أزمة القمح، الناتجة عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بفضل هذا الاستقرار الذي تنعم به بلادنا اليوم.
كما أشار مستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، إلى أن سيناء قد تغيرت كثيرًا بعد مرور أربعين عام على تحريرها، فهي اليوم أرض سلام تجذب السياح من مختلف بلدان العالم وينعقد بها المؤتمرات العالمية، مشيرًا في هذا الصدد إلى استعدادها لإستضافة الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لإتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ.
وأكد اللواء مصطفى كامل أهمية الدور الكبير الذي بذلته القوات المسلحة ليس فقط بسيناء بل في كل أرجاء الوطن لصيانة وحفظ الأمن القومي المصري من كافة الاتجاهات الاستراتيجية ، مختتمًا قائلًا :” حتى المناطق التي كان يوجد بها بعض التهديدات أصبحت اليوم بفضل حكمة القيادة المصرية تشهد استقرارًا”.