حوارات و تقارير
الحرب في أوكرانيا.. هل تعود وتيرة تقدّم القوات الروسية؟
دعاء رحيل
وصل الغزو الروسي لأوكرانيا الشهر الثاني على التوالي وسط غموض يلفّ مجريات ومستقبل العملية التفاوضية بين الطرفين الروسي والأوكراني، وعدم وضوح الأسباب التي تفسّر تراجع وتيرة تقدم القوات الروسية، لا سيما على المحاور المحيطة بالعاصمة “كييف”.
يبدو أن إعلان وزارة الدفاع الروسية عن إتمامها محاصرة كييف، علاوة على مدن خاركيف وتشرنيغوف وسومي وميكولاييف، وإتمامها السيطرة على مدينة خيرسون ذات الميناء الحيوي على البحر الأسود، حرّك المياه الراكدة التي شابت قراءات المتابعين لمجريات العملية العسكرية التي فجرت حالة عداء غير مسبوقة بين موسكو والغرب.
كما أكدت وزارة الدفاع الروسية أن العملية العسكرية في أوكرانيا تسير بدقة ووفقا للخطة، تفيد المعطيات الرسمية في موسكو أنه تم خلالها تدمير 2482 من مرافق البنية التحتية العسكرية، بما في ذلك نحو 90 مقرا، و124 من أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز “إس 300″، بالإضافة إلى 79 محطة رادار. كما تم تدمير 866 دبابة وعربة مصفحة و91 صاروخ غراد و317 بندقية وقذائف هاون و634 مركبة و81 طائرة بدون طيار.
وفي هذا السياق اعتبر خبراء عسكريون روس أن مهمة نزع السلاح في أوكرانيا يتم تنفيذها بنجاح. وبرأيهم، لم تعد البنية التحتية العسكرية لأوكرانيا قادرة الآن على الصمود والمواجهة، وهي التي تم تغذيتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة من قبل حلف الناتو، كما آثار القصف الروسي على مدينة خاركيف شمال شرق أوكرانيا (الأناضول).
ممر إجباري
كما أكد الخبراء أن تدمير البنية التحتية العسكرية لأوكرانيا مسألة في غاية الحيوية، لأن سلطات كييف، وبعد عام 2014، لم تخفِ ضد من يتم تعزيز قدراتها العسكرية، حيث بات ذلك واضحا من خلال إرسال التهديدات المستمرة ليس فقط إلى “جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك”، بل أيضا إلى “شبه جزيرة القرم الروسية”، وفق رأيهم.
بموازاة ذلك، يتواصل الحديث في أوساط المراقبين السياسيين والعسكريين عن السيناريوهات المتوقعة للحرب، وكيف ستتطور وضمن أية وتيرة، وفيما إذا كانت العملية العسكرية الروسية قد أصيبت بخلل يمكن أن يشكل بداية انحسار لها، أم على العكس، تمشي وفق الخطة الموضوعة، وتنتظر ما ستؤول إليه المفاوضات المحاطة بالتكتم.
ليست حربا خاطفة
كما نوه محلل الشؤون العسكرية الروسي العقيد احتياط فيكتور ليتوفكين، أن عملية نزع السلاح داخل البلد المجاور ليس بالضرورة أن تنتهي بسرعة، بحكم ارتباطها حاليا بديناميكية المفاوضات الجارية.
ووفق الشروط الروسية، يقول ليتوفكين، يجب أن تفضي هذه المفاوضات إلى تعهّد كييف بعدم الانضمام لحلف الناتو، وحل القضايا المتعلقة بالأسلحة الإستراتيجية لديها، وتوقيع معاهدة عدم اعتداء، وحسم ملف اللغة الروسية في المناطق ذات الأغلبية الروسية، والاعتراف النهائي بالقرم كجزء من روسيا، وباستقلال كل من دونيتسك ولوغانسك.
ووفق قوله، فإن الحديث عن حرب خاطفة ينمّ عن عدم خبرة في الشؤون العسكرية. فقد كانت القوات الأوكرانية تستعد منذ فترة طويلة وبجد تحت إشراف خبراء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فضلا عن تبنّي القوات المسلحة الأوكرانية والمجموعات الداعمة لها تكتيكات من وصفهم (بالإرهابيين)، كالاختباء خلف السكان المدنيين، وتحويلهم إلى دروع بشرية.
ولفت الخبير الروسي إلى أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يقدمان على مدار الساعة مساعدات استخباراتية للقوات الأوكرانية، توفر لها معلومات حول الوضع القائم.
كما فسر ليتوفكين التراجع الذي رافق وتيرة العمليات الهجومية للجيش الروسي بـ” مراعاة العامل البشري ومحاولة عدم تشكيل خطر على حياة المدنيين، خلافا لما تقوم به القوات الأوكرانية”.
ومن جهة عسكرية، أشار العقيد الروسي إلى أن المسافة من دونيتسك إلى الحدود الغربية لأوكرانيا تبلغ أكثر من ألف كيلومتر، ويقول إنه وفقا لشرائع العلوم العسكرية، يبلغ متوسط معدل تقدم القوات الروسية بين 20 و40 كيلومترا في اليوم، لذلك دعا إلى “التحلي بالصبر، لأن الجيش يعمل وفق الخطة” كما يقول.
هزيمة سياسية
كما أكد الخبراء الروس إن عدم تغيير السلطة في كييف سيعني هزيمة سياسية لروسيا (رويترز)
هدف سياسي.
وفي هذا الصدد ، أشار دينيس كوركودينوف رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي إلى أن العملية العسكرية مضبوطة على إيقاع التوصل إلى نتيجة سياسية، مفادها قيام نموذج سياسي جديد، غير معاد لموسكو.
وأضاف كوركودينوف أن الإبقاء على حكم زيلينسكي هو نفسه “كما لو كنا في عام 1945 نقول إن هتلر أو غيملر يمكن أن يبقيا في السلطة”. معتبرا أن عدم تغير السلطة السياسية في أوكرانيا “هزيمة سياسية وضياع عبثي للتضحيات”. وعلى هذا الأساس، من المستحيل توقّع المدة التي ستستغرقها العملية العسكرية، ويشكك الخبير الروسي في مقولة إن الحرب لا تسير وفق الخطة الموضوعة، موضحا أن استعداد موسكو لتحمل العقوبات والأزمات المالية والضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها، يظهر أن تحقيق أهداف العملية العسكرية يشكل بالنسبة لها مسألة حياة أو موت، وأنها ستستمر بها إلى النهاية، ومهما كانت العواقب وحجم الاستنزاف.