حوارات و تقارير

بعيدًا عن أوكرانيا.. لماذا تعزز روسيا تواجدها في البحر المتوسط؟

أسماء صبحي
 
تعمل روسيا خلال الفترة الأخيرة على تعزيز تواجد قوات الأسطول الروسي في مياه شرق البحر المتوسط بصورة غير مسبوقة، موهو ما فسره محللون بكونه نقطة اتصال هامة على عدة مناطق استراتيجية، وكذلك تحييد نفوذ الناتو والأسطول السادس الأميركي.
 
وبعد أن تولي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن الحكم، أعاد زخم الاهتمام بمنطقة البحر المتوسط كمنطقة هامة لمصالح روسيا الأمنية والاقتصادية الجيواستراتيجية، ومواجهة المتغيرات الدولية وفك عزلة روسيا عبر علاقات وعمق آسيوي إفريقي، وفك الطوق الذي يضربه حلف شمال الأطلسي على بلاده.
 
ومن جهته، قال مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” في يونيو الماضي، إن موسكو أظهرت قدرة على انتهاز الفرص على مدار الأعوام الخمسة عشر الماضية لاستعادة نفوذها في شمال إفريقيا، وذلك عبر التعاون العسكري ودبلوماسية الطاقة والتجارة مع كل من الجزائر ومصر وليبيا، وهو ما اعتبره محللون محاولة لكسب موطئ قدم دائم لها سعيًا لتحقيق حلمها في الحصول على منفذ للمياه الدافئة غربي المتوسط، والتواجد على مقربة من تمركز قوات حلف شمال الأطلسي.
 
وأنهت روسيا تدريبات ضخمة نهاية الشهر الماضي شهدت حضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي تفقد من ميناء طرطوس السوري التدريبات البحرية في الجزء الشرقي من البحر المتوسط.
 

أهمية البحر المتوسط

وفي هذا السياق، أكد الخبير العسكري، اللواء سمير راغب، أن تعزيز روسيا تواجدها في البحر المتوسط هو حلم روسي قديم بالوصول إلى “المياه الدافئة”، موضحًا أن البحر المتوسط يحتل مكانًا مهمًا في سياسة روسيا الخارجية كونه تقاطع ثلاث قارات أوروبا وآسيا وإفريقيا.
 
وقال راغب: “البحر المتوسط مفتاح ونقطة اتصال على مناطق استراتيجية مثل سوريا وليبيا والخليج العربي، إضافة إلى كونه نقطة مهمة بالنسبة للناتو والأسطول السادس الأميركي والدول الأوروبية المتشاطئة، وكذلك حماية تجارتها”.
 
وأضاف الخبير العسكري، أن بوتين استغل ارتباك سياسات الناتو وفكرة فك الارتباط الأميركي بالمنطقة في الآونة الأخيرة نحو عودة قوية للدب الروسي عبر علاقات استراتيجية مع دول كالجزائر ومصر واستغلال نفوذه كيد عليا في سوريا وكسر الطوق الأميركي الأوروبي بالمنطقة.
 
وأشار إلى أن روسيا تعيد رسم جغرافيا سياسية جديدة بالمنطقة، أميركا انسحبت من سوريا ومن العراق ومن أفغانستان وفي المقابل موسكو تضع موطأ قدم بديلة.
 
وأكد راغب أن روسيا لا تملك حاملة طائرات فتستعيض عن ذلك بالموانئ والقواعد البحرية، في المقابل أميركا لديها الأمرين، ومن ثم في حالة عدم وجود موانئ صديقة يحصل من خلالها على خدمات لوجستية فإنها لن تستطيع الإبحار، كونه ليس أسطول مياه زرقاء.
 

منع السيطرة الأميركية الأوروبية

كما أكد الخبير في الشؤون الدولية والاستراتيجية أنس القصاص، أن “سرب العمليات الخامس” التابع لأسطول البحر الأسود ومقره في طرطوس السورية بدأت تتوسع عملياته في 2013 ويتكون من مدمرة وفرقاطتين وبعض سفن الدعم اللوجيستي ويسانده سربان طيران في قاعدة حميميم الجوية.
 
وأوضح القصاص،أنه بات يمثل الذراع الطولى لروسيا في البحر المتوسط، حيث تسعى بشكل حثيث إلى تعزيز انتشارها فيه وتوقيع اتفاقيات عسكرية مع الدول المتشاطئة من أجل وضع موطأ قدم لمنع السيطرة الأميركية الأوروبية.
 
وأوضح أن ظهور تهديد حقيقي من كتلة الناتو نتيجة للوجود المتزايد في المنطقة للقوات البحرية للحلف، والأسطول الأميركي السادس والعديد من القواعد العسكرية في دول البحر المتوسط، وضع روسيا في حاجة إلى مواجهة التهديدات الناشئة من الاتجاهات البحرية.
 
وفيما يتعلق بمهام هذا الأسطول، أشار إلى أنها تتمثل في “تنفيذ الاستراتيجية الروسية في التواجد والنفوذ بالبحار البعيدة وحماية الحقوق الاقتصادية في ظل بعض الانتهاكات الأميركية في الآونة الأخيرة على السفن، وكذلك إلغاء فكرة أن البحر المتوسط بحيرة للناتو والولايات المتحدة”.
 

مناورات بحرية

وعزز الأسطول الروسي تواجد قواته بدرجة كبيرة في مياه شرق البحر المتوسط في فبراير الماضي، فإلى جانب 140 سفينة حربية، و60 مقاتلة، و1000 جندي مارينز، عبرت 6 سفن إبرار روسية كبيرة من قواعدها الثابتة، ووصلت إلى ميناء طرطوس السوري، وانضمت إليها سفن حربية روسية أخرى بعد إنهاء التدريبات البحرية التي أجرتها قبالة سواحل أيرلندا.
 
جاء ذلك ضمن مناورات بحرية في الجزء الشرقي من البحر المتوسط تحت قيادة القائد العام للبحرية الروسية، الأدميرال نيكولاي إيفمينوف جرت خلال الفترة من 15 – 25 فبراير، انصب التركيز الرئيسي للتدريبات على تحديد إجراءات قوات البحرية والفضاء لحماية المصالح الوطنية الروسية في المحيطات، وكذلك مواجهة التهديدات العسكرية لروسيا من اتجاهات البحر والمحيطات.
 
وبحسب أحدث أرقام موقع “غلوبال فاير باور” المتخصص في رصد القدرات العسكرية للدول، فقد أصبحت روسيا القوة البحرية رقم 2 في عام 2022، متفوقة على الولايات المتحدة، فيما تصدرت الصين التصنيف.
 
ويتكون الأسطول الروسي بصفة عامة من 605 وحدات بحرية، من بينها حاملة طائرات واحدة و15 مدمرة و11 فرقاطة و86 كورفيت، وهي سفينة حربية تمتاز بالسرعة والمناورة وتكون أصغر من الفرقاطة وأكبر حجما من الزوارق الدورية الساحلية. وتمتلك روسيا رابع أضخم قوة غواصات في العالم، تضم 70 غواصة، إضافة إلى 55 سفينة دورية و49 كاسحة ألغام بحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى