وطنيات

اللواء فتحي عبد الله علي.. أحد أبطال معركة رأس العش الشهيرة

أسماء صبحي
معركة رأس العش الشهيرة، تلك المعركة التصادمية بين القوات المسلحة المصرية المنسحبة من سيناء، والقوات الاسرائيلية المزهوة بنصر لم تبذل فيه جهداً على ضفة القناة الشرقية قبل مرور شهر على نكسة يونيو، وكأول عبور يتم للقوات المسلحة المصرية من الغرب إلى الشرق بعد الانسحاب وتنتصر القوة المصرية، وتفرض إرادتها ووتمسك بموقعها حتى حرب التحرير الكبرى فى أكتوبر 1973.
 

التحاقه بكتية الصاعقة

بدأ اللواء ا.ح فتحي عبد الله علي منذ تخرجه من الحربية 16/8/1966، منضماً إلى صفوف قوات الصاعقة متمركزاً بمنطقة القسيمة بسيناء ضمن صفوف إحدى كتائب الصاعقة ضمن التشكيل الذى كان يقوده الفريق الشاذلي،
 
واندلعت شرارة حرب يونيو 1967، ولم تتح له الفرصة شأنه شأن باقي قواتنا المسلحة من مواجهة القوات الإسرائيلية بل نفذوا أوامر الأنسحاب، ولذلك لم تجد القوات الإسرائيلية صعوبة فى مهاجمة قوات عسكرية ضخمة لا هي في وضع هجوم ولا هي في وضع الدفاع، بل قوات تحمل أسلحتها فوق العربات في طريقها إلى الغرب.
 
وكانت وحدة هذا الرجل شأنها شأن باقي وحدات الصاعقة من أقل الوحدات خسائر أثناء الأنسحاب لما يتمتع به أفرادها من لياقة بدنية عالية وتنظيم جيد، وفي الغرب أعيد تشكيل وتسليح كتيبته التي كان يقودها الرائد سيد الشرقاوي، وكان بطلنا برتبة الملازم قائداً لأحدى فصائل هذه الكتيبة التي ضمت جنوداً على درجة عالية من الجرأة والاندفاع لكونهم من أعماق أحياء القاهرة الشعبية، والذي لم يكن من الصعب عليه التعامل معهم، وهو ابن حى روض الفرج بشبرا، وتمركزت الكتيبة بالقرب من بور سعيد.
 

محاولة دخول مدينة بور فؤاد

وكانت قوات العدو قد استقرت بمدينة القنطرة شرق حتى ضفة القناة الشرقية كحد شمالي لها على قناة السويس، ولم يكن في حساباتهم حتى إسبوعين من نهاية حرب يونيو التفكير في دخول مدينة بور فؤاد في الطرف الشمالي من الضفة الشرقية لقناة السويس، لما تتمتع به من مناعة طبيعية متمثلة فى مساحات شاسعة من الملاحات تحيط بها يستحيل اجتيازها بواسطة الدبابات أو الأليات المجنزرة.
 
وإبتداءً من يوم 25 يونيو بدأ العدو فى تسير دورات من القنطرة شرق شمالاً على مدق من الرديم بمحاذاة قناة السويس لا يزيد عرضه عن عشرة أمتار يجاوره منطقة طميية رخوة تعرف بسهل الطينة تمثل هى الأخرى عائقاً طبيعياً وإن كان أقل قسوة من الملاحات.
 
ونظراً لنشاط دوريات العدو المتجهة شمالاً فى اتجاه الكاب والتينة وهما النقطتان الجنوبيتان من رأس العش ثم الكرنتينة فبور فؤاد، فقد كلفت كتيبة الرائد سيد الشرقاوي بإرسال فصيلة صاعقة من كتيبته لتعبر القناة شرقاً لحماية رجال سلاح المهندسين المصريين أثناء عملية زرع ألغام على الضفة الشرقية من القناة مساء يوم 29 يونيو عند منطقة الكاب ثم التينة ثم رأس العش، على أن تتم العودة مع أول ضوء من صباح اليوم التالي.
 

تلغيم منطقة رأس العش

وقد أهلت بشائر الصباح قبل التمكن من تلغيم منطقة رأس العش، وعند ظهر اليوم التالي 30 يونيه، أبلغت قوات الاستطلاع المصرية بمشاهدة دورية للعدو متحركة من القنطرة شرق شمالاً فى اتجاه الكاب، وهناك تنبهوا للآثار أقدام القوة المصرية فأحضروا مجسات للبحث عن ألغام وعثروا على حقل الألغام وبدأوا في نزعها.
 
وفى نفس الوقت أبلغت استطلاعاتنا عن استدعاء العدو تعزيزات من مدرعاته ونصف جنزير إلى الكاب فى طريقها إلى مدينة بور فؤاد، فطلب من الرائد سيد الشرقاوى إرسال قوة من كتيبته شرقاً للتصدى لقوات العدو، فأصدر قائد الكتيبة أوامره لضابطه المفضل لديه الملازم فتحى عبد الله بإعداد فصيلته بالسلاح والعتاد وإعطائه تمام استعداد للعبور شرقاً خلال نصف ساعة.
 
وعلى دفعتين تم عبور رجال الفصيلة نهاراً إلى الضفة الشرقية من القناة بواسطة إحدى زوارق الأرشاد الخاصة بهيئة قناة السويس بمحطة رأس العش، ووصل الملازم فتحى إلى نقطة تمركزه في الثالثة بعد الظهر، وبدأ بتوزيع رجاله بأسلحتهم على خط المواجهة المتوقع مع العدو والذي لا يزيد عن 500 متراً، منها مدق عرضه 10 متر بمحاذاة القناة والباقي تربة رخوة للغاية صعب على الجنود حفر الحفر البرميلية المعتادة لتكفل للجندى الحماية أثناء استعمال سلاحه من الوضع واقفاً والتي كانت تهال كلما أستمر الحفر مم لم يسمح لهم إلا بعمل حفر للوضع نائماً.
 
وأحسن القائد الشاب توزيع أسلحته من الآربى جيه 7، والرشاشات الخفيفة، والبنادق الآلية على الأجناب وفى المنتصف، وتم تعزيز فصيلة الملازم فتحي بفصيلة أخرى من كتيبة صاعقة معاونة بقيادة الملازم أول جابر الجزار بمدفعين مضادين للدبابات ورشاشين متوسطين، ولأن الجزار يقود وحدة معاونة فقد ترك قيادة العملية للملازم فتحي الذى يصغره فى الرتبة، وإن عاونه في توزيع الأسلحة ولكنه ترك إصدار الأوامر له.
 

محاولات إسرائيلية

وفي نفس التوقيت وعلى الحد الأمامي لهذه القوة المصرية، كان رجال سلاح المهندسين المصريين يقومون بزرع الألغام، وفي تلك اللحظة وكانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف أي قبل الغروب بحوالى ساعة ونصف، وكانت قد وصلت القوة الإسرائيلية المكونة من فصيلة دبابات ( 3 دبابات) وعدد من العربات المجنزرة المحملة بالهاونات 120 مم والرشاشات نصف البوصة بالإضافة إلى سرية مشاة محمولة التى فوجئت بقوة الصاعقة أمامها على بعد حوالى 50 متراً فتوقفوا مكانهم، بل إن بعضا من الجنود الإسرائيلين قد نزلوا لمشاهدة ما يفعله رجال سلاح المهندسين المصريين الذين أكملوا مهمتهم وعادوا إلى الغرب، وقد يتعجب البعض ويتسائل عن عدم إشتباك الطرفين، والسبب أن كلا الطرفين لا يريد أن يكون البادئ بكسر وقف إطلاق النار الموقع عليه من قيادة الجانبين ومراقب من الأمم المتحدة.
 
وبدأت الأحداث تتسارع فوصلت طائرة هليوكوبتر للعدو من نوع سوبر بايبر كاب بكابينة لطيار واحد حامت فوق القوة المصرية وعلى ارتفاع لا يزيد عن ثلاثة أمتار فوق الجنود المصريون الذين لا يزيد عددهم عن 30 من الجنود والصف وضابطين، لدرجة أنها حصلت على كل ما تريد معرفته عنهم من حيث العدد والتسليح والتوزيع ولم يبقى شيء لم تحصل عليه سوى أسماء القوة ثم غادرتهم.
 
و بعد حوالى 7 دقائق شاهد كل من بالموقع المصري طائرتين ميراج إسرائيليتين قادمتا من الشرق في إتجاههم فوق الملاحات على ارتفاع منخفض جداً وصوت شديد الازعاج مخلفة زوابع رملية فى الأرض تكاد تنتزع الرجال من مرابضهم، وفي فكر قائدي الطائرتين أن تلك العملية ستبث الرعب في قلوب الجنود المصريين الذين عانوا من أسابيع قليلة فى سيناء من أهوال تلك الطائرات أثناء الانسحاب، وأن عدة دورات فوق هؤلاء الجنود حتى بدون إطلاق نيران كفيلة بأن تدفعهم إلى إلقاء أنفسهم في مياه القناة والفرار غرباً.
 

بداية الاشتباك

ولكن خاب ظنهم، وغادرت الطائرتان المكان حوالي الثامنة مساء مع آخر ضوء، وما لبث أن أظلم الليل، وكانت ليلة ظلماء بدون قمر من ليالي نهاية الشهور العربية، وفجأة سمع هدير الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية تتقدم في اتجاه الأبطال حتى شوهدت أشباحها على بعد من 20- 30 متر من الأبطال.
 
وفتح العدو نيرانه ولكن عناية الله كانت مع جنود الحق فامتصت الأرض الرخوة دانات الهاون 120 مم الإسرائيلية ذات المقدمة الطرقية ودفنت بين أبطال مصر دون أن تنفجر وتحدث بهم إصابات، أما الدبابات الإسرائيلية لقرب المسافة من رجال الصاعقة خفضت مستوى مدافعها لأقل مستوى ومع ذلك كانت ترمى طلقاتها خلف الأبطال، وهنا جاء دور أبطال مصر في تلقين العدو المغرور الدرس القاسي.
 
فتحرك كلا القائدين بين جنودهما يديرا نيران المدافع الـ م/د وقواذف الآرب جيه والرشاشات المتوسطة ويظهر هنا معدن الأبطال فيشاهد القائد المصري الملازم فتحي عبد الله أحد صف ضباطه وهو رقيب الفصيلة حسني سلامة وتسليحه بندقية آلية يحمل قاذف آربى جيه ويقترب من أولى دبابات العدو ويحكم التصويب فيصيب الدبابة فى مقتل أسفل البرج مباشرة، وكانت فاتحة الخير فتم تدمير نصف جنزير إسرائيلية محملة بمدفع هاون.
 
واحتدم القتال وازدادت الخسائر فى قوات العدو وحدثت بعض الخسائر من الدانات الفوسفرية بين بعض أبطال مصر، واستمر القتال حتى الثالثة قبل الفجر، وأثناء القتال أبلغ الرائد سيد الشرقاوي لا سلكياً ضابطه الشاب في الشرق بمحتوى مكالمة تليفونية وصلته أثناء القتال مباشرة من الرئيس جمال عبد الناصر يطالبه فيها بالاستمرار فب القتال ولا يسمح بمرور العدو إلا فوق جثث أبطالنا.
 

هزيمة العدو

فقام الملازم فتحي بإبلاغ جنوده هذه الرسالة من الزعيم عبد الناصر الذي كان يتابع مجريات المعركة أولاً بأول فزاد حماسهم وإصرارهم على النصر، وأوقف العدو نيرانه بعدما تكبده من خسائر وطلب تعزيزات من القنطرة شرق ولكن تلك التعزيزات اصطدمت بكمين مصري تم الدفع به شرقاً في منطقة التينة بقيادة الملازم أول عبد الوهاب الزهيرى من كتيبة المقدم فؤاد بسيوني فأحدثوا بها خسائر شديدة، حتى أنه تم جمع صناديق الذخيرة والمهمات والأسلحة المصاحبة لقوات العدو وإرسالها غرباً فى أحد اللنشات.
 
وفى تلك الأثتاء كانت قوات العدو في رأس العش قد قام بعض جنودها بعملية التفاف من منطقة الملاحات خلف الأبطال، وبدأوا فى فتح النار عليهم من الخلف وأستشهد أثناء ذلك البطل المصري الملازم أول جابر الجزار، ولما كان القائد المصري لديه هذا التوقع من معرفته بأساليب العدو فقد أعطى أوامره للرشاش المتوسط بالدوران للخلف والتعامل مع القوة الملتفة، وبمجرد إحداث خسائر بينهم سارعوا بالانسحاب ومعهم قتلاهم وجرحاهم دون ترك أحد منهم والذين دل عليهم الدماء النازفة منهم.
 
وانتهت المعركة بنصر مؤزر للجندي المصري عندما أتيحت له فرصة حقيقية لمواجهة العدو، وفى المقابل فشل العدو المتغطرس من عبور منطقة رأس العش إلى بور فؤاد، وفي نشرة السابعة صباح اليوم التالي صدر قرار جمهورى بترقية جميع ضباط وضباط صف وجنود أبطال رأس العش إلى الرتبة والدرجة الأعلى، وتم إنشاء نقطة مصرية قوية فى مكان تلك المعركة هي الوحيدة لنا شرق القناة وهى نقطة الكيلو متر 10.
 
ويواصل البطل فتحي عبد الله عطائه لقواته المسلحة في خدمة مصر، حتى أنه خلال حرب أكتوبر المجيدة، كان عضوا بهيئة التدريس بالكلية الحربية بجناح الصاعقة لإخراج مزيد من الأبطال الجدد، وأنهى البطل خدمته عام 1994 برتبة اللواء وحصل على نوط الواجب والخدمة الطويلة إلى جانب الترقية الاستثناية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى