المحروسة وتجارة الرقيـــــــــق
كتب / حسين الهوارى
تحرير الرقيق، كانت كلمة السر في مصر لزمن طويل حيث أنتشرت هذه التجارة فى بر مصر سواء منه الأسـود أو الأبيض حيث كان العبيد البيض يجلبون من جورجيا ومن المستعمرات الشركسية, , أما العبيد السود فيأتون من دارفور وكردفان.
كانت هناك أسواق مخصوصة لبيعهم وشرائهم كما كان لهم مصلحة لرعاية شئونهم ولها فروع بالمديريات المختلفة لكي يحصل منها العبد على وثيقة تحمل أسم تذكرة حر .
وجدت في القاهرة بيوت خاصة ببيع الرقيق تعرض بواسطة (يسرجيات أو يسرجيين) فكان يرتاد هذه البيوت من يريد اقتناء الجواري أو المماليك أو العبيد للعمل فى القصور الملكية وقصور وبيوت الطبقات المتيسرة
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأت مصر في إتخاذ موقف معاد لتجارة الرقيق فى عهد سعيد باشا وفي عام 1856م :
أصدر أمراً بمنع تجارة الرقيق، غير أن هذا الأمر لم ينفيذ بسبب أن غالب مناطق إصطياد الرقيق في الجنوب لم تكن تحت سيطرته الفعلية.
وعندما تولي الخديوي إسماعيل حكم مصر أصدر أمراً إلي حكمدار السودان عام1863 م بتعقب تجار الرقيق ومنعهم بالقوة من ممارسة تجارتهم المحرمة .
فتم ضبط سبعين سفينة مشحونة بالأرقاء وأعتقل التجار الذين جلبوهم, أما الأرقاء فقد أطلق سراحهم وأعادهم إلي بلادهم.
وفي عام1865 أحتل الجيش المصري بلدة فاشودة كي يسد الطريق علي تجار الرقيق ووضع بها نقطة حربية دائمة لمنع هذه التجارة المحرمة .
أتخذ الخديوي إسماعيل عدة إجراءات لمحاربة تلك التجارة ومنها
– إنشاء شرطة نهرية وأقامة نقطة مراقبة حكومية في فاشودة بأعالي النيل.
– وأحكم سيطرته على كثير من المناطق التي كان يؤتى بالمسترقين منها مثل بحر الغزال ودارفور وأعالي النيل،
– كما إدارة لمكافحة تجارة الرقيق في المنطقة الاستوائية.
ورغم تلك الاجراءت لم يحقق الخديوي إسماعيل إلا نجاحا متواضعا جدا في مكافحة تلك لان تجار الرقيق نقلوا قوافلهم المحملة بالمسترقين من نهر النيل إلى الصحراء.
لم يرحب الأثرياء المصريين بالقانون الجديد وألقوا به عرض الحائط واستمرت عمليات بيع وشراء النساء والأطفال .
في عهد الخديو عباس حلمي الثاني حطت في عزبة نصار بجوار أهرامات الجيزة قافلة مكونة من خمسة نخاسين من البدو معهم ست من الجواري، السودانيات, وقام علي باشا شريف, رئيس المجلس التشريعي المصرى , بشراء ثلاث جاريات.ضاربا بالقانون عرض الحائط .
أما الجاريات الثلاث الأخريات فقد اشتراهن الدكتور عبد الحميد بك شافعي, الذي احتفظ لنفسه بواحدة وأرسل الثانية للشواربي باشا, والثالثة الي منزل حسين باشا واصف مدير مديرية أسيوط.
ومن حسن الحظ أن ضابطا مصريا يعمل بمصلحة الرقيق يدعي اليوزباشي محمد ماهر, علم بنبأ تلك الصفقة, فتوجه إلي حيث يقيم التجار الخمسة وألقي القبض علي أربعة منهم, بينما أستطاع الخامس أن يهرب.
واعترف التجار ببيع الجاريات إلى الباشوات .
ورفع محمد ماهر تقريراً بذلك إلي رئيس مصلحة الرقيق الأنجليزى الجنسية وتشكلت محكمة عسكرية في4 سبتمبر1894 م لمحاكمة كل من أشترك في الجريمة: النخاسين والجواري والباشوات.
في13 سبتمبر أصدرت المحكمة العسكرية حكمها بإدانة الدكتور عبد الحميد الشافعي وحبسه مع الشغل, وكذلك ادانة علي باشا شريف رئيس المجلس التشريعي بتهمة الأتجار بالرقيق
وعندما وصل الحكم إلي علي باشا رفع استقالته من رئاسة المجلس التشريعي الي الخديو عباس, مدعياً المرض طالباً العفو من الخديوي فأعفاه.
مما قلب عليه الصحافة المصرية بالكامل، ونعتوه بالدناءة والجبن واللجوء للدول الأجنبية.
ولزم بيته حتى مات بعد ذلك بنحو عامين إثر أزمة قلبية
أما الجواري فقد خرجن من قاعة المحكمة إلى الحرية، ومنحتهن مصلحة إلغاء الرقيق مستندات تثبت عتقهن من الرق، وأقمن لفترة معاً في دار الجواري المعتقات في القاهرة، بدعم من الجمعية البريطانية والأجنبية لمكافحة الرق وحين غادرن المنزل أختفت أخبارهن فلم يُعرف أين ذهبن .
وقانا الله وإياكم شر الرق والـذل والعبوديـة..