كتابنا

إفريقيا وحرب أكتوبر 1973

د  عطية الطنطاوي يكتب… 

 

 

تظل بعض المناسبات والتواريخ محفورة في ذاكرة الشعوب؛ إنها مناسبات تغيير المسار وتحقيق الانتصارات وإرساء قواعد والأمن والاستقرار. فتحية إعزاز وإجلال واحترام وتقدير لأرواح شهدائنا الأبرار من رجال قواتنا المسلحة الباسلة؛ حصن مصر المنيع ودرعها الواقي، أولئك الرجال الذين صنعوا النصر وأعادوا الأرض وصانوا العرض، هم بحق رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وواجبنا الآن أن نعمل على إعداد وتأهيل وتثقيف الأجيال وتعزيز الوعي لديهم بأهمية الحفاظ على الأوطان، وبذل الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على الحاضر وبناء المستقبل، والذود عن مقدرات الوطن والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه.

 

وأؤكد هنا أن انتصارات السادس من أكتوبر 1973، وما تبعها من انتصارات وإنجازات في تحقيق عملية السلام حققها قادة وطنيون عظام، ويستكملها الآن قائد وطني عظيم هو فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يقود العبور الثاني نحو مستقبل أكثر أماناً واستقراراً ورخاءً لمصر وشعبها.

ولعبت إفريقيا دوراً ليس بالهيّن فى انتصارات السادس من أكتوبر 1973 نظراً لعمق الروابط الإفريقية مع مصر خصوصاً خلال فترة الزعيم جمال عبد الناصر. حيث اهتمت مصر بإفريقيا منذ ثورة يوليو 1952 وأولت السياسة المصرية الدائرة الإفريقية اهتماماً كبيراً على مدى عقدين من الزمان. واعتبر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الدائرة الإفريقية هى الثانية من دوائر العمل السياسي الخارجي.

 

وإزاء هذا الإدراك الرئاسي لعلاقات مصر بالقارة وإيمانا بهوية مصر الإفريقية، تعددت جهود سياسة مصر في العديد من القضايا والمجالات أبرزها إرسال البعثات التعليمية والدينية وتأسيس المراكز الثقافية ومساعدة أكثر من 30 دولة إفريقية على الاستقلال. فناصر لم يكن فقط رئيساً لمصر الدولة النموذج بالنسبة للأفارقة بل كان رمزاً للتحرر والحداثة والتنوير فى ربوع القارة الإفريقية.

ونتيجة لذلك أيدت منظمة الوحدة الإفريقية قرار الأمم المتحدة 242 القاضي بعدم شرعية احتلال إسرائيل للأراضي العربية بعد هزيمة 1967، ثم تلاه قرارات أخرى فى صالح مصر والأراضى المحتلة منذ 1970، وبلغت ذروتها بقرارات المنظمة فى الرباط 1972، وفى مؤتمر القمة العاشرة للمنظمة مايو 1973.

 

ومع ذلك استغلت إسرائيل قدراتها فى توطيد علاقاتها بالقارة الإفريقية فى كل المجالات، وقبل حرب أكتوبر 1973 كانت إسرائيل تقيم علاقات دبلوماسية مع خمس وعشرين دولة إفريقية، ومع اندلاع حرب أكتوبر وحتى 12 نوفمبر 1973 قطعت 21 دولة إفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، بل إن بعض الدول عرضت على مصر الاستعداد للقتال إلى جانبها ضد إسرائيل.

وليس بخاف على أحد أن موقف الدول الإفريقية التي قامت بقطع علاقاتها مع إسرائيل كان تأييداً للموقف المصري لأن مصر دولة إفريقية تسعى إلى استعادة أراضيها المحتلة.

 

واتصفت المواقف الإفريقية من إسرائيل منذ نشأتها بوصفها كياناً جديداً بالتعقد والتباين. فمعظم الدول الإفريقية خلال ستينيات القرن العشرين أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حيث أدركت إسرائيل أهمية إفريقيا بالنسبة لها على عدة مستويات، فبادرت إلى التغلغل فى دولها بكل ما أوتيت من قوة، مستغلة الظروف الخاصة لكل دولة إفريقية، بل إنها أقامت علاقات مع بعضها حتى قبل أن تنال هذه الدول استقلالها. ولكن انقطعت أغلب هذه العلاقات بعد حرب أكتوبر1973، وقد حاولت الدبلوماسية الإسرائيلية إعادة وصل ما انقطع مع إفريقيا خلال فترة الثمانينيات، وقد تحقق لها ما أرادت بعد توقيع اتفاقيات أوسلو.

 

وظلت القارة الإفريقية لفترة طويلة ساحة للصراع بين إسرائيل والدول العربية. ويعد الجانب العسكري والاستخباراتي الغالب على العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، سواء لبيع الأسلحة الإسرائيلية أو لإقامة قواعد تجسسية عسكرية، أو للتغلغل في جيوشها والنفاذ إلى الأجهزة والمرافق الحساسة فيها، وإيفاد البعثات بأعداد كبيرة لتنظيم الوحدات العسكرية وتدريبها، واستقدام العسكريين الأفارقة لتدريبهم في المعاهد العسكرية الإسرائيلية، وإقامة العلاقات مع كبار القادة العسكريين الأفارقة.

 

وكانت دولتا ليبيا والجزائر من أكثر الدول تعاوناً مع مصر وقدمتا يد العون والمساعدة خلال حرب أكتوبر المجيدة. حيث لعب الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى دوراً كبيراً فى التصدى للتغلغل الإسرائيلى بأفريقيا وأصبح يمثل مشكلة كبيرة للدولة العبرية. وفقا لما هو معروف أن طائرات الميراج الليبية كانت موجودة في القوات الجوية المصرية، رغم تهديد فرنسا بتوقف تصدير هذه المقاتلات إلى ليبيا، وكان للجيش الليبى دور عظيم من الصعب تجاهله.

ويذكر أن القذافى عرض مساعدات سخية على بعض الزعماء الأفارقة مقابل قطع العلاقات مع إسرائيل ومنهم عيدى أمين. وتعترف إسرائيل بأن القذافى سبب لإسرائيل ضرراً بالغاً بنشاطه ضدها خاصة فى أوغندا وتشاد والنيجر بفضل الوعود المالية التى قدمها.

واتصل الرئيس بومدين بالرئيس السادات مع بداية حرب أكتوبر ليضع كل إمكانيات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية وطلب منه أن يخبره باحتياجات مصر من الرجال والسلاح.

 

وكانت الجزائر ثاني دولة من حيث الدعم خلال حرب 1973 فشاركت على الجبهة المصرية بفيلقها المدرع الثامن للمشاة الميكانيكية بمشاركة 2115 جنديا و812 صف ضباط و192 ضابطا جزائريا، وأمدت مصر بنحو 96 دبابة و32 آلية مجنزرة و12 مدفع ميدان و16 مدفعا مضادا للطيران وما يزيد عن 50 طائرة حديثة من طراز ميج 21 وميج 17 وسوخوي 7.

بالإضافة إلى محاولات الرئيس بومدين لتوفير السلاح لمصر ومحادثاته مع الروس بخصوص ذلك.

ومع النصر واستعادة الأرض يبقى لمصر إدارة معركة الوعي التى تتطلب منا جميعاً ( شعباً ومؤسسات: عسكرية وأكاديمية ودينية وثقافية وإعلامية، ومدنية) الاصطفاف خلف قيادتنا الوطنية، وأن يعمل كل منا في مجاله ومحيطه من أجل تعزيز الوعي لدى الشباب، وتثقيفهم وترسيخ قيم الانتماء والفداء لديهم وتأكيد دورهم في استكمال مسيرة الآباء والأجداد، والحفاظ على المكتسبات والمقدرات وبذل المزيد من الجهد لتأسيس مستقبل أفضل لبلدنا وأهلنا.

ولا أملك في ختام كلمتي إلا أن أدعو الله العلي القدير أن يحفظ بلدنا وقواتنا المسلحة وقائدها، وشعبنا من كل سوء ومكروه، وأن ينعم علينا بالخير والأمن والأمان والاستقرار والرخاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى