من “الخليل” إلى “الأردن”.. مسيرة حياة المثقفة الأردنية العالمية “نعيمة المشايخ”
حاتم عبدالهادي السيد
حين تذكر المملكة الأردنية الهاشمية، تذكر الأديبة والإنسانة، والأم المثالية الفاضلة نعيمة المشايخ رحمها المولي، وحين يذكر الأدب، والعمل الإنسانيّ والنّشاط النسوي؛ تذكر السيدة الفاضلة نعيمة المشايخ بكل فخار وتألق، فهي أم ذات رسالة، وأديبة ذات مقالة، وخطيبة ذات ثقافة، وسيدة فاضلة شاركت كثيرًا في نهضة ورقي المرأة الأردنية، وأعطت وقدمت الكثير في مجال الأدب والفنون، كما قامت بالعديد من المشاركات الثقافية في كثير من دول العالم خاصة في الهند، وكثير من الدول العربية.
فما قصة هذه السيدة، التي جابت البلاد شرقاً وغرباً، وقدمت للمجتمع المهندس والطبيب والأستاذة الجامعية، وأنجبت اثنا عشرة كوكباً، بدأتهم بالنجمة المضيئة والأديبة المتألقة الأستاذة الدكتورة سناء شعلان، التي عرفناها أديبة ومثقفة وأستاذة جامعية سامقة، ولقد كان لي شرف زيارة الأردن بدعوة من جلالة الملك عبدالله بن الحسين – أطال الله في عمره – للمشاركة في مهرجان “راعي الهدلاً”، وهو مهرجان تراثي عربي كبير، وسباق للهجن العربية الأصيلة، تعقبه جلسات أكاديمية، وندوات بحثية لمناقشة قضايا التراث والشعر البدوي، إلي جانب الفعاليات الفنية والثقافية التي تظهر جماليات الابداع والفنون الأردنية، وهناك كانت السيدة نعيمة المشايخ تشارك بفعالية في التعريف بالموروث الشعبي الأردني، ولم أكن أعلم وقتها بأنها والدة الدكتورة سناء الشعلان.
ولقد زرت الجامعة الأردنية بعد ذلك في ” عمان “، لتقابلني الدكتورة سناء الشعلان بوجهها الصبوح المشرق كقمر يتهادى فوق جسر الإبداع، لنتشارك سوياً في أمسيات وفعاليات تنظمها الجامعة بحضور أدباء وشعراء من مصر، ومطربين كبار كذلك، بما يعكس دور الجامعة في المشاركة المجتمعية، وتقديم الثقافة للطلاب في ثوب مُغلّفٍ بالجمال الأردن الباذخ الأثير، المشوب بالمحبة للجميع.
إنها الأردن باعثة الحب والحنين، ومبدعتنا الكبيرة الراحلة تلك الأردنية الرائدة التي تحدرت من جذور فلسطينية، وتحديداً من منطقة “بيت نتيف”، في مدينة الخليل الفلسطينيّة، وهي والدة الدكتورة سناء الشعلان، وهي تنتمي لأسرة المشايخ التي برز فيها الكثير من الكتاب والأكاديميين والعلماء والإعلاميين، كما برز بها الشهداء والمدافعين عن القدس في الضفة العربية المحتلة .
ولدت أديبتنا في الثالث عشر من شهر مايو عام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسون في أرض السلام والزيتون بالخليل في فلسطين ثم أكملت تعليمها ، وتزوجت، ثم ارتحلت إلي الأردن مع الأسرة لتشهد حياة المخيمات، ونزوح الفلسطينيين إلي الأردن والدول العربية، وعاشت الأديبة رحلة النضال الوطني، ثم انخرطت في العمل العام، والعمل النسوي، واهتمت بتعليم أبنائها الاثنا عشر، وبذلت الكثير مع زوجها الشعلان لتعليمهم ليتبوأ كل منهم أرقي وأرفع المناصب والمكانة الاجتماعية، كما شاركت في الدورات التدريبية للتنمية المجتمعية، وقدمت الكثير من المشاركات الاجتماعية والحقوقية والثقافية، وكتبت القصص والمقالات، وبدأت في تدبيج الرواية، والتأليف للأطفال والكبار، كما قدمت العديد من المسرحيات التربوية والتعليمية الهادفة، ومسرحيات أخري أدبية، كما كتبت المذكرات، واهتمت بأدب الرحلات من خلال أسفارها، مصطحبة ابنتها الدكتورة سناء الشعلان، وأبنائها وبناتها- بحسب تخصصاتهم وأعمالهم – إلي كثير من دول العالم، كما قدمت أدب السيرة الذاتية، ولها الكثير من المخطوطات التي تعد زاداً ثقافياً ومعرفياً وتربوياً. كما كتبت عن المرأة ودورها، ومشكلاتها، منطلقة من واجباتها تجاه أبنائها، وتم تكريمها وحصولها على لقب الأمّ المثاليّة لعام 2017م.
وتعد الأديبة الأردنية المعروفة الدكتورة د. سناء الشعلان أكبر أبنائها، أما بافي الأسرة فهم ست بنات، وخمسة أولاد، يتوزّعون على قطاعات مختلفة في خدمة الوطن، ففيهم الدكتور والمهندس والمعلّمة، والموظّف الحكوميّ، والمبرمج والصّحفيّ، والفنان والأديب .
لقد كانت مبدعتنا شغوفة باللغة العربية، وكانت لها مساهمات رائدة في مؤتمر “نهرو وآزاد ..والدولة العربية والفارسيّة” بقسم اللّغة العربيّة “بجامعة كولكتا في الهند”، كما كانت لها مشاركات عديدة في الورش الأردنيّة الإبداعيّة للطّلبة الفائزين على مستوى المملكة ،وفي مسابقة الإبداع الأدبيّ:(الشّعر والقصة والمقالة والخطابة)،كما شاركت في ورش العمل حول فنّ كتابة المقالة، وشاركت كذلك في حفل إشهار رواية (أصدقاء ديمة) في “جائزة كتارا”، في دولة قطر، فضلاً عن زيارتها الثّقافيّة والأكاديميّة عبر دعوات رسميّة في الجزائر ومصر ولبنان وسوريا، والسّودان والعراق وتركيا وقطر، والهند وكشمير، وغيرها من دول العالم. ثم رحلت عن دنيانا في هدوء ووقار في: 12/9/2021م.
ولكن يظل السؤال : هل رحلت الإنسانة والمبدعة نعيمة المشايخ ؟ وهل يرحل المبدعون الكبار ؟ .
لقد فارقتنا، وفارقت أحبتها بالجسد، لكن أعمالها ستظل في رحيق ابداعاتها، وفي عبق أرواحنا، وقد رحلت لكنها تركت وراءها رجالاً وأبناء، كلهم مثالٌ يحتذي في الفخار، ولعل الدكتورة سناء الشعلان والتي تعد أبرز الوجوه النسائية في المجتمع الأردني والعربي، وواحدة من كبار كتاب القصة والرواية في الوطن العربي، هي الزهرة التي ترفد قبرها بالنور والإبداع، ففيها كل الخير، ومنها نسترفد عطاء والدتها الإنساني، لتكمل سناء الشعلان مشوار الأم التي قدمت للوطن والعروبة الكثير، وقدمت للعمل النسوي والانساني أكبر المساهمات والتضحيات لتظل الأردن نهراً زاخراً بعطاء المخلصين – كما كانت وستظل دوماً – ولتفخر البلاد، ونحن، بأمثال الراحلة الأديبة الرائدة نعيمة المشايخ، زهرة النساء، وروضة ونهر العطاء الانساني، ورائدة التنوير في المملكة الأردنية الهاشمية الممتدة الأرجاء.