فنون و ادب

بحور الشعر النبطي البدوي

حاتم عبد الهادي

يعد الشعر النبطى واحداً من طرق التعبير الشفاهى الشعرى الذى نجده عند شعراء الخليج العربى والبوادى العربية والمملكة العربية السعودية وبادية الشام، ولعلنا نشير الى أن أول من استخدم هذا الشكل الشعرى هم شعراء الخليج العربى وبخاصة في دولة الامارات العربية المتحدة، الا أن المملكة العربية السعودية قد ضربت شوطاً في القدم منذ عقود طويلة ليتشكل هذا اللون الشعرى اللهجى الشعبى الأقرب الى الفصحى، وهو شعر يعبر عن عادات وتقاليد وموروثات وطبائع شبه الجزيرة العربية، ومن تبعهم بعد ذلك في البوادى العربية الممتدة .

واذا كان الخليل بن أحمد الفراهيدى قد استحدث موسيقا الشعر العربى العمودى وتفاعيله ، وتبعه الأخفش بإضافة بحر المتدارك، الا أن الشعراء الشعبيين النبط قد استحدثوا بحوراً مغايرة عن بحور الخليل ، لتتمايز الشعرية العربية ، ولتندغم اللهجة العامية الشعبية في تناسق وزنى ولحنى اقتضته طبيعة النبر اللهجى، والموسيقا الخاصة التى تتناسب والبيئة الصحراوية ، حيث مفردات الطبيعة الصحراوية تشكل هوية وأغراض هذا اللون الشعرى الجميل .

وفى هذا المقال سنتعرض الى بحور هذا الشعر وعوالمه، لنرى التقارب والإلتصاق في بعض البحور ، كما نرى التمايز والتغاير حتى في المسمى للبحر، وان تقارب من موسيقى الخليل، الا أنه يتباعد كثيراً حيث الأذن في البادية قد اعتادت على أنماط موسيقية اقتضتها طبيعة الصحراء كصوت الماء وهو يخرج عبر الدلاء، وحيث صوت الطيور وهى تمخر عباب السماء ، وصوت الناقة والماعز وآلات الشعر البدوى المخصوصة كالناى والأرغول والشبابة والمزمار وغيرها .

هذا وتتألف أوزان هذا الشعر من ثلاثة عشر بحرًا، وهذه البحور هي:

البحر المسحوب : وهو بحر شعبي،كثير التداول، ويعتبر أشهر بحور الشعر النبطي وأكثرها شيوعًا وتفعيلاته هي: مستفعلن مستفعلن فاعلاتن مستفعلن مستفعلن فاعلاتن

وهو السائد الآن بالشعر النبطي ،وهو مربوط بقافيتين، أي كل شطرة لها قافية خاصة تتبعها الشطرات التي بعدها ولايجوز أبداً أن تكون الشطرتان على نفس القافية، ومن أمثلته قول الشاعر البدوى :

مايستريح القلب لاصار مشغول لا ولاتنعذل نفسن على فقد اهلها

ولايشتكي راسن عن الجسم مفصول ويمنا تفاخت مايركب بدلها

ومن أمثلته كذلك قول الشاعر :

انسى ترى النسيان نعمة كبيرة ودليل هذا في حضورك نسيتك

انسى ويمكن ما حصل فيه خيرة خلني أقول اقدار ما قول ليتك

 

البحر الهجيني : ولقد سمى بهذا الإسم لأنه يغنى على ظهور الهجن أى الجمال، والهجيني من الهيجنة ، تعني بالضبط الغناء السريع سريع الايقاع، وأصل الهجيني هو الغناء على ظهور الركايب، أى الإبل النجيبة الأصيلة . وهو قريب من تفعيلات البحر المجتث في الشعر الفصيح، وتفعيلاته: فاعلاتن فعولن فاعلاتن فعولن مستـفعلن فاعلاتن مستـفعلن فاعلاتن وقد يتنوع البحر فيأتى على موسيقى أخرى :

مستفعلن فاعلن فعلن مستفعلن فاعلن فعلن فاعلاتن فاعلاتن

ومن أمثلته قول الشاعر :

اما انت هيجن اليا هيجنت والا انت عن فاطري حول

عشيري دافي الحشا مهو انت والا انت كذاب ومهول

يا رسول البشاير بلغ الشوق عني

قل له القلب حاير والسنين اتعبني

وقول الآخر :

اجرحيني جرح في قلبي عميق جرح ذكرى ما تداويه السنين

والرسايل ولّعي فيها حريق واثبتي شكي في حبك باليقين

وقد يحدث زيادة في البحر، أى في البيت الشعرى فيزيد الشاعر : فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فاعلن.

ولنا أن نلحظ أنها أوزان سماعية، وان جاءت بصيغة قياسية في الظاهر ، فالغرض موسقة البيت الشعرى وتناغم هارمونية الشعر في الأبيات .

البحر الصــخري: وهو اسم أشتق من الطبيعة الصخرية، دلالة الى قوة وصعوبة من يرتاد هذا البحر من الشعراء، فلا يقدر عليه الا الفحول ، ويلتقي هذا البحر مع البحر الوافر في الشعر الفصيح، ويكثر النظم عليه قديمًا وحديثًا، وتفعيلاته: مفاعلتن مفاعلتن فعولن مفاعلتن مفاعلتن فعولن

وقد تزداد كلمة فيصبح مستفعلن، أو مستفعلان .

ومن أمثلته قول الشاعر :

حبيبي بالعفو أرجو شمولي سجين وبا العدل اطلق وثاقي

كلام لفقه شخص فضولي على شخصي ترا محض اختلاقي

 

البحر الطويـل: وهو على نفس تفاعيل البحر العربي الخليلى الفصيح، تفعيلاته:

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

ومن أمثلته قول الشاعر :

نوي القلب نيه ما نواها لأحد غيرك نوى القلب يمشي لك على السمع والطاعه

مع الشك والغيره وهجرك وتقصيرك أحبك واقول أمرك له الروح خضاعه

البحر البسيط: وهو نفس تفاعيل البحر العربي الفصيح، وتفعيلاته:

مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن

ومن أمثلته قول الشاعر :

أرجوك جفت دموعي لا تبكيني يكفيني اللي مع الهجران قاسيته

بحر الهـزج: وهو بحر عربي كثير الاستعمال، وتفعيلاتُهُ هي:

مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن.

ومن أمثلته قول الشاعر :

مشاعر تختلج فيني لخلّي كيف أوصّلها

وشوق بناره يكويني يذيب الروح ويقتلها

البحر المديد: وهو نفس تفاعيل البحر المعروفة ، وتفعيلاته:

فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن.

ومن أمثلته قول الشاعر :

طايرات الميق واحد وعشرين ما تصيب أهدافها مثل عينك

والرموش السود صفت جيشين واشرقت شمس الضحى من جبينك

البحر المتقارب: وهو بحر له نظيرُهُ في الشعر الفصيح، وتفعيلاته:

فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن

بحر الرجز: وهو بحر عربي، وردَ في بحور الشعر العربي الفصيح، وتفعيلاته:

مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن. مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن

ومن أمثلته قول الشاعر :

والله ما استجدي بشر لو عشت وبساطي حصير أذل نفسي لا حشا لا نسان واطلب حاجتي

ما همّني بين البشر كلمة تقال أني فقير دام الكرامة داخلي أمشي ورافع هامتي

البحر الهلالي: وهو بحر شعبي يزيد على بحر المسحوب حرفًا في نهايتهِ، وتفعيلاتُهُ: فاعـلاتن فعولـن فاعـلن فاعـلاتن فعولـن فاعـلن

ومن أمثلته قول الشاعر :

فارقت من لا كان ودي أفارقه بعد الظلام وتوها الشمس شارقه

البحر اللويحاني : وتفعيلاته:

مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن

ومن أمثلته قول شاعرهم :

انا أمس العصر والبارح وعصر اليوم والليله عليهن أطول أيام السنة وأقسى لياليها

بحر الحداء: وهو يختص بالغناء للإبل كى تزيد من نشاطها وقوتها ، وتقطع مفازة الصحراء ، وهو مجزوء البحور كالأرجوزة ، التى تقتصر على الأبيات الخفيفة ، وتفعيلاته : مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن ، ومن أمثلته قول شاعرهم :

عرّب وليدك عرّبه والنار من مقباسها

بنت الردي لاتاخذه لو هو طويلن راسها

13-البحر المسحباني: وهو يعتمد كذلك على مجزوء البحور ، وله العديد من التفعيلات، وأشهرها: مستفعلن فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن

ومن أمثلته قول شاعرهم :

صلو معي يا مصلين على النبي بدر معلوم

جبريل ضع له جناحه

يصلى جنهم مصلي تعرف لهم قدر معلوم

يارب عنه انج ناحه

وتسمى الشطرة الثالثة بالقفلة للبيت الشعرى ، أى أنه يتكون من ثلاثة أشطر .

وهناك أنواع أخرى من القصائد تأتى على هذه البحور، لكنها كتبت في الغالب للغناء ، في بعض البلدان كالكويت والبحرين وفى السعودية أيضاً ،وبعض دول الخليج منها : العرضة، المروبع، السامرى ، كما يوجد ببادية سيناء : الدحية، المشرقية ، السامر ومنه : المربوعة، الرزعة، الخوجار، وأغانى التحطيب ، وكلها على نفس الأوزان السابقة .

أقسام الشعر النبطي :

 ينقسم الشعر النبطى الى قسمين :

الشعر المنظوم : ويسميه البعض شعر الديوان وهو الشعر الذي ينظمه الشاعر متي أراد ى.

الشعر المرتجل : ويسميه شعراء النبط بشعر الميدان وهو شعر القلطة .

وشعراء النبط يزنون قصيدتهم بالهيجنة أي الغناء فلكي نعرف وزن القصيدة واستقامتها على هذا الوزن يجب أولا أن نعرف بحرها ثم نغنيها على هذا البحر فإذا لم يقف الغناء في بيت أو شطره عرفنا أن القصيدة كلها مستقيمة .وهناك بعض فنون الشعر ممن تندرج تحت الأوزان السابقة ومنها :

العرضه : وهي فن الحرب عند البادية وهي تتفق مع الحداء بنفس الغرض تقريبا إلا ان الحداء إنفرادي للفارس وحده ، أما العرضه فهي غناء جماعي يشترك فيه جميع المقاتلين، ومنه قولهم :

سلام ياربعن يصفون الجريف العتيق هو ملحهم بالكون عابينه نهار الزحام

والله يللي منتوي في حربنا مايليق واللي زبنا ننثني دونه وعينه تنام

واللي قعد عن لابته لاتجعلونه رفيق خله مع الخفرات خدا من لسمر لثام

السامري :

وهو لون من ألوان الغناء الجماعي، ومنه قول شاعرهم :

هو سيد الرعابيب أخد عقلي بزينه

تمكن في ضميري

انا بدار المعازيب يميني في يمينه

تغيب عن نظيري

المروبع :

يعني قصيدة من أربع شطرات تكون الثلاث شطرات الأولي على قافية واحدة ،والرابعة بقافية مختلفه تكون مستمرة

حتي نهاية القصيدة ، كقول شاعرهم :

من يوم لاقاني عشيري معه خمس اليا تخطا بينهن كنه الشمس

نشدتهن من ذا وقالن لي الطمس هذا عذاب اهل القلوب المشقاة.

نظرة تحليلية لبحور الشعر النبطى :

وبنظرة تحليلية نرى مدى القرب والبعد عن والى البحور الخليلية العربية، بما يشير الى عروبة هذا الشعر ، ولو اللهجة القبائلية الشعبية المستخدمة لقلنا أن شعراء النبط استحدثوا تفاعيلاً تكمل ما بدأه الخليل ، وان حدث هذا بالفعل، إلا أن الكثير من الباحثين يعدون أوزان الشعر النبطى وبحوره تسعة فقط مخرجين البحور التى تتسق وأوزان الخليل ، وان اعتمدت التفاعيل على الحركة والسكون كذلك .

كما نلحظ أن الشاعر النبطى لا يستخدم الزحافات والعلل هنا ، ولا يعرفها ، فهو يلقى الشعر بالسليقة ، فخرجت الأوزان بهذا الشكل الذى رأيناه فأطلقوا عليها مسميات من البادية كالصخرى نسبة الى الصخور ، او لقبيلة صخر ، والهلالى نسبة الى الهلال أو بنى هلال ، والمسحوب نسبة الى سحب الجمل أو الناقة، والهجينى نسبة الى الهجن التى تمثل رمز البداوة، واللويحانى نسبة الى الذى يلوح من بعيد كالضيف وغير ذلك .

وفى النهاية : لقد اقتضت حياة البداوة وجود لهجة خاصة للقبائل العربية، ونمط معيشة خاصة، لذا كان شعرهم يشبههم كذلك ، خاص بهم، يتذوقونه ن ويتغنون به في رحلاتهم وفى أفراحهم وأتراحهم كذلك .

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى