كوارث حلت على الأمة بسبب مدعي النسب الشريف
بسم الله نبدأ.. سلسلة بعنوان
( كوارث حلت على الأمة بسبب مدعي النسب الشريف )
ثــــورة صــاحــب الـزنــج
تعد ثورة الزنج التي أشعلها أحد مدعي النسب الشريف بالباطل من أخطر الوقائع التي مرت على تاريخ الدولة العباسية والتاريخ الإسلامي عموماً لما حملت في طياتها من مذابح وبشائع واستنزاف لجيوش الخلافة ومواردها على مدار 15 سنة وساهمت في زيادة تفككها!
تبدأ الحكاية زمن الخليفة المهتدي عندما قام أجير فارسي يدعى محمد بن علي الورزنيني بإدعاء النسب الشريف والدعوة للخروج على العباسيين، وذكره ابن الجوزي باسم بهبوذ، وينسبه البعض الى قبيلة عبدالقيس من ربيعة، وذكر ابن كثير بأنه كان أجيراً لعبدالقيس، ونسب نفسه إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهم -، ظهر أول أمره في البحرين عام (249هـ) فلم يستجب له أحد وفشلت دعوته، فانتقل إلى البصرة في عام (254هـ) التي كانت تعاني اضطراباً بين فئتين كبيرتين السعدية والبلالية فلم يستطع استمالة أحدهما اليه ووصل خبره لوالي البصرة فهرب من البصرة تاركاً زوجته وولده (انكلاي) في السجن، ثم اضطرب أمر البصرة وعزل واليها وفتحت السجون فعاد مرة أخرى الى البصرة في رمضان (255هـ)، ولكن بفكرة جديدة!
فكرة تحرير العبيد الزنوج.. لاشك أن آلاف العبيد الزنوج العاملين في الأراضي الزراعية كانوا يعانون من الظلم بشكل يخالف مباديء الإسلام ويعانون من جشع أصحاب الإقطاعات والأموال كما أن بيئة العمل وصعوبتها جعلتهم في حالة تذمر وفي استعداد للإنفجار، وانتهز صاحب الزنج كل هذه العوامل بجانب جهل الزنوج بالإسلام ونشر بينهم دعوته الخبيثة، فتبني فكرة تحرير العبيد مستفيداً من فشله في التجارب السابقة، فنسب نفسه لمكانة رفيعة وادعى أن له معجزات وأنه حفظ سوراً من القرآن عن طريق الوحي، وأنه أرسل الى البصرة بأمر إلهي جاءه في صوت الرعد، وأن الله يعلمه ما في ضمائر أصحابه، وانضم اليه مجموعات من الأعراب وفرت لهم الحركة غطاء للسلب والنهب، وكان من رؤسهم علي بن أبان المهلبي وإبراهيم بن جعفر المهلبي، وسليمان بن جامع، وسليمان بن موسى الشعراني، وسليمان الحياتي.
واتخذ غلاماً ذكياً ومحبوباً اسمه ريحان بن صالح ليكون داعيته الى الزنوج، وكانت معاركه في البداية معارك أصحاب الرسالة، ينتصر فيها بالبسالة والصمود ويتعف عن أموال الناس وأعراضهم ويعلن أنه لايقاتل إلا السلطان وأتباعه، ثم ظهر وجهه القبيح وتناقضه بين (العلوية والخارجية) وأنه ليس إلا صاحب حركة مسلحة تسعى للسلطة وليس صاحب دعوة أو قضية كما صور نفسه بين أتباعه مستغلاَ أوضاعهم وجهلهم بالدين.
واختار عاصمة له مدينة المختارة بين الأدغال والمستنقعات مما صعب عمل الجيوش النظامية في مواجهته، ثم بدأ في تهديد البصرة فهاجم أطرافها ونهبها ثم حاصرها، بعد أن أوقع بأهل البصرة هزيمة شنيعة في معركة قتل وغرق فيها معظم الجيش وعرفت بيوم (الشذا)، وفيها قتل عدد كبير من أعيان الهاشميين على يد الزنج، فاستغاثوا بالخليفة الذي أرسل لهم جيوش متتابعة بقيادة القائد التركي جعلان وأمير الأبلة أبو الأحوص الباهلي و القائد التركي جريح فهزمهم صاحب الزنج وسيطر على الأبلة وعبادان والأهواز، ونفذ فيهم مذابح وحشية يقتل الناس وينهب الأموال ويخرب البلاد، وسبى الحرائر حتى من الهاشميين والعلويين أنفسهم كما روى المسعودي أنه كان ينادى على الحرائر من بني هاشم ومن سائر قريش وتباع المرأة منهم للزنوج بالدرهمين والثلاثة، ولم يتورع عن قتل كبار العلويين إذا ظفر بهم كما فعل مع علي بن زيد الطالبي وإنا لله وإنا إليه راجعون!
ومن القادة الذين أرسلهم الخليفة المعتمد عام (257هـ) سعيد الحاجب فهزم الزنج في عدة معارك قبل أن يفاجئه صاحب الزنج في معسكره بهجوم كبير قتل فيه معظم الجيش وخلف الحاجب منصور الخياط الذي حمى البصرة من الاقتحام قبل أن يهزمه صاحب الزنج ويقتحمها أخيراً بعد حصار سنوات بقيادة علي بن أبان ويحيى البحراني، وارتكبوا مذابح بشعة في أهل البصرة بعد أن أعطوهم الأمان ثم غدروا بهم وحرقوا المسجد الجامع والبيوت والمزارع حتى أفنوا معظم سكان المدينة، ومن بقي حياً هرب في الآبار والحشائش وذبحوا الكلاب والسنانير والفئران ليأكلوها من شدة الجوع حتى أكلوا موتاهم وإنا لله وإنا إليه راجعون، وقدر عدد قتلى المذبحة ما بين ثلاثمائة ألف وخمسمائة ألف!
ثم أرسل الخليفة المعتمد أخاه أبا أحمد الموفق بالله الذي كان الخليفة الفعلي للبلاد وقتها، وقد أظهر الموفق مقدرة حربية فذة وأوقع عدة هزائم بصاحب الزنج وحرر عدد كبير من أسارى المسلمات وأسر منفذ مذابح البصرة يحيى البحراني لتقطع يداه ورجلاه ويصلب، وعى الجبهات الأخرى برز قادة مثل إبراهيم بن سيما و موسى بن بغا ممن هزموا الزنج في عدة معارك قبل أن يواجهوا تمردات محمد بن واصل ويعقوب الصفاري الخارجي والتي سمحت لصاحب الزنج بإستعادة شيء من قوته وإعادة ترتيب صفوفه قبل أن يقضي عليه نهائياً أبا العباس طلحة بن الموفق صاحب الـ 24 عام والقائد التركي لؤلؤ المنشق عن ابن طولون، وقامت جيوش الخلافة بإقتحام عاصمة صاحب الزنج بعد حصارها الذي هرب تاركاً زوجته وأولاده للمرة الثانية قبل أن يأتي أحد الجنود برأسه في العام (270هـ)، وهكذا انتهت فتنة عصيبة استمرت خمسة عشر عاماً وراح ضحيتها قرابة المليون ونصف من المسلمين حسب تقديرات المؤرخين وتحالف فيها صاحب الزنج مع باقي الفرق المنحرفة مثل الخوارج الصفارية ودعاة الشـ.ـيعـ .ـة مثل حسين الأهوازي وساهمت بشكل كبير في إضعاف وتفكك الخلافة العباسية.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد حاول بعض العلمانيين مثل طه حسين شرعنة ثورة الزنج وتجميل صورتها من خلال مقال نشره في مجلة (الكاتب المصري) ثم كتاب ألوان بعنوان (ثورتان) حث فيها طه حسين الأدباء والمثقفين العرب على استلهام ثورة الزنج كما استلهم الأوربيون ثورة (سبارتاكوس) بغية الوصول للعدالة المنشودة على حد زعمه مما فتح شهية العلمانيين والماركسيين والشيوعيين ومن يسمون أنفسهم اليسار الإسلامي وأرباب المدرسة المعتزلية للنيل من الإسلام بحجة البحث والإبداع وإيصال الماضي بالحاضر، وسار على نهجه عدد من الكتاب الشيوعيين واليسارين مثل فيصل السامر بالعراق وأحمد علبي بلبنان و د.محمد عمارة الماركسي السابق ثم الى فكر المعتزلة ثم صار أقرب إلى مذهب أهل السنة ولعله تاب، وغيرهم من عديد الكتاب والمثقفين في محاولة تجميل ثورة الزنج وطمس سلبياتها ومذابحها وشنائعها ومحاولة لصق ظلم بعض أصحاب الأموال والإقطاعات بالإسلام نفسه الذي ضبط باب الرق وأغلق أسبابه عدا باب الحروب.
## **المصادر:**
* تاريخ الأمم والملوك للطبري.
* الكامل في التاريخ لإبن الأثير.
* المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لإبن الجوزي.
* البداية والنهاية لإبن كثير.
* مروج الذهب للمسعودي.
* الخلافة العباسية لفاروق عمر.
* دراسات في العصور العباسية المتأخرة لعبدالعزيز الدوري.
* الدولة العباسية لمحمد الخضري.
* رحلة الخلافة العباسية لمحمد الهامي.
*بقلم: محمد بن أنور لعناوي السلمي