السعادة في الابتلاء

بقلم. مريم مهران..
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (ولنبلونّكم حتى نعلمَ المجاهدين منكم والصابرين ونبلوَ أخباركم)، فالله عز وجلّ بيّن أن الإنسان في الحياة الدنيا قد كُتِبَ عليه البلاء، والحكمة من الابتلاء، كما قال أهل العلم، هي التمحيص وكشف معدن الإيمان، لأن الدنيا ليست دار قرار، بل هي ممر للآخرة، حيث لا يُصاب بها المؤمن بأي مرض أو وَصب. وأحد أشكال الابتلاء أن يُصاب الإنسان في جسمه بالمرض والداء، وهذه الإصابة ليست نقمة من الله على عبده، بل هي نعمة يمتحن الله بها عبده، فإن صبر ظفر، وإن احتسب كُفّر عنه سيئاته ، وأما إن جزع فإنه لا يناله الثواب ولابد من مراجعة نفسه وتقوية إيمانه.
والمرض يقترن بالحسنات، فيقول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: “ما يُصيب المسلم من نَصب ولا وَصب ولا هَمّ ولا حزن ولا أذى ولا غَمّ حتى الشوكة يُشاكها إلا كَفرّ الله بها من خطاياه”.
والأيام الماضية لم أكن أن أعيشها، لا أن أتخيلها من الأساس، فقد شاء الله تعالى أن يصاب أغلى الناس في حياتي ومحور سعادتي في هذه الدنيا بالمرض وينقل على أثره للمستشفى، ويدخل العناية المركزة، وقتها شعرت أن الشمس لم تشرق في كل صباح، وأن الحياة انتزعت منها البهجة، وأن أنفاسي باتت ضيّقة تخرج بصعوبة، ودعوت الله تعالى بدموعي أن يشفيه ويأخذ بيده.. وقد كان عز وجلّ رحيما وسميعا وأعلم بحالي وقد تماثل للشفاء وعاد للبيت.
جلّ ما أريد قوله من هذه المِحنة العصيبة التي مررت بها في مرض والدي العزيز، أن الحياة كلها لا تساوي شيئا أمام لحظة عائلية دافئة أو حديث مع الوالدين، كما أنها لا تساوي أن تضيّع دقيقة منها هباءً منثورا، فالأولى أن تكون الحياة كلها مُسخّرة في طاعة الله تعالى ومساعدة الناس وحب الآخرين وبر الوالدين والتماس رضائهما، وفي عِيادة المريض والأخذ بيده، وأن نلتمس الأعذار لبعضنا البعض، وأن نرحم أنفسنا من مشقة الجري وراء نزوات أو متاع زائل. فكل شيء إلى زوال، وتبقي طاعة الله وحب الوالدين كنوزا من ذهب قد لا يراها كثيرٌ من الناس.

