حوارات و تقارير

الشيخ يوسف الحجاجي: مؤسس نهضة التعليم الديني في صعيد مصر

أسماء صبحي

ولد الشيخ يوسف الحجاجي عام 1842م في مدينة الأقصر التي كانت وما زالت تحتضن إرثًا حضاريًا عظيمًا. ونشأ في بيئة متواضعة ولكنها غنية بالقيم الدينية والاجتماعية. كما أظهر نبوغًا مبكرًا في حفظ القرآن الكريم وأتقن تلاوته على يد شيوخ القرية قبل أن يكمل العاشرة من عمره.

كان والداه يشجعانه على التعلم، وعندما لمسوا حبه للعلم أرسلوه إلى الأزهر الشريف في القاهرة. حيث تلقى العلوم الشرعية مثل الفقه والتفسير والحديث إلى جانب علوم اللغة العربية كالنحو والبلاغة. كما تميز الشيخ يوسف بين زملائه بسرعة الفهم والقدرة على تحليل النصوص الشرعية مما جعله يحظى بمكانة خاصة بين أساتذته.

بداية مسيرة الإصلاح الديني

بعد سنوات من التحصيل العلمي، عاد الشيخ يوسف إلى الأقصر بعزيمة قوية لنشر العلم وإصلاح المجتمع. وأدرك سريعًا الحاجة إلى نظام تعليمي منظم يمكن أبناء الصعيد من تلقي التعليم الديني دون الحاجة إلى السفر بعيدًا. فأسس ما يعرف بـ”التقويم”، وهو نظام تعليمي يعتمد على تدريس القرآن والعلوم الشرعية في حلقات علمية مفتوحة داخل المساجد.

وتحولت هذه الحلقات إلى ما يشبه المدارس الدينية المصغرة، حيث كان الطلاب يتلقون العلم مجانًا. كما كان الشيخ يوسف يخصص وقته بالكامل لتعليم الطلاب ولم يكن يتقاضى أجرًا على ذلك معتبرًا التعليم رسالة سامية يجب أن تمنح للجميع دون مقابل.

دور الشيخ يوسف الحجاجي

لم يكن الشيخ يوسف مجرد معلم للعلوم الشرعية، بل كان أيضًا مرجعًا دينيًا واجتماعيًا لأهل الأقصر. وكان يستدعى في القرى المجاورة لحل النزاعات بين العائلات حيث اعتمد على مبادئ العدل والصلح في تسوية الخلافات.

ويقول الدكتور أحمد السيوفي، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة جنوب الوادي، إن الشيخ يوسف الحجاجي لم يكن فقط عالمًا، بل كان قائدًا مجتمعيًا. كما استطاع أن يحدث توازنًا بين التعليم والعمل الاجتماعي مما جعله شخصية مُلهمة لأبناء جيله والأجيال التالية.

وساهم الشيخ يوسف في تعزيز الثقافة الدينية في الأقصر، حيث كان يلقي خطبًا أسبوعية تركز على الأخلاق والتسامح وقيم التعايش. كما كان يحذر من التعصب ويدعو إلى قبول الاختلاف مما جعله محبوبًا من كافة طوائف المجتمع.

كما أنه شجع على الاهتمام بالقراءة والكتابة، وحرص على تعليم الكبار والصغار على حدٍ سواء. ويقال إنه كان يتنقل بين القرى مشيًا على الأقدام أو على ظهر حمار حاملاً معه مصحفًا وكتابًا في الفقه ليعلم الناس أينما ذهب.

وفاته وتكريمه

بعد وفاته في عام 1915م، استمرت حلقات التعليم التي أسسها في العمل لعقود طويلة. ورغم التغيرات التي طرأت على نظام التعليم في مصر، بقي ذكر الشيخ يوسف حاضرًا في ذاكرة أهل الأقصر. كما يقام كل عام مجلس لقراءة القرآن الكريم في ذكرى وفاته ويحضر المجلس مئات الأشخاص من مختلف أنحاء المحافظة تكريمًا لروحه الطاهرة.

وفي عام 1995، أطلق اسم الشيخ يوسف الحجاجي على أحد الشوارع الرئيسية في مدينة الأقصر، تقديرًا لدوره الكبير في نشر العلم. كما أصدرت وزارة الأوقاف كتيبًا صغيرًا يروي سيرته ووزعته على أئمة المساجد ليكون مصدر إلهام لهم في الدعوة والتعليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى