عادات و تقاليد

عادات وتقاليد الزواج في المجتمع القطري

بين دفء البساطة القديمة وزحمة مظاهر الترف الحديثة، يكشف مواطنون وخبراء تحولات كبرى طالت عادات الزواج في المجتمع القطري، حيث لم تعد حفلات الزفاف كما كانت، بل تحولت في كثير من جوانبها إلى عبء ثقيل يعانيه الشباب المقبلون على الزواج، وسط واقع اقتصادي واجتماعي متغير، ومع ذلك ما زال الحنين قائما إلى زمن الأعراس التي كانت تعبر عن التكافل والكرم والبساطة التي سادت الأسر القطرية.

أفراح الماضي بلا تكلف

عبدالله نصر الحاج، أحد المواطنين الذين عاشوا تلك المرحلة، يروي كيف كانت البساطة سيدة الموقف في مناسبات الزواج، مؤكدا أن حفلات الأعراس قديما كانت مرآة صادقة للحياة الهادئة والمجتمع المتكاتف، فالمراسم كانت خالية من أي تعقيد، وكانت التجهيزات متواضعة ولكنها غنية بالمحبة والتعاون، فالمهر كان ميسورا، وقد يُقدم نقدا أو ذهبا أو ماشية أو ممتلكات حسب قدرة العريس، الذي كان يتحمل وحده نفقات الزواج كاملة من تجهيز المنزل وحتى الوليمة.

وأشار إلى أن المجتمع القطري كان يعتبر زواج الأقارب وسيلة لتعزيز العلاقات وتقوية أواصر الأسرة، فالعريس غالبا ما يختار شريكة حياته من ذات القبيلة أو الأسرة الممتدة المعروفة بطيب الأصل والخلق، أما مظاهر الفرح فكانت تعكس روح الخليج وعراقة القيم الإسلامية، فكل من في الفريج يشارك في الفرحة.

مظاهر تغيرت وبقيت الجذور

علي لحدان المهندي أوضح أن المجتمع القطري لا يزال متمسكا بجوهر العادات، لكنه تأثر أيضا بعوامل التغير، فحفلات الزواج لم تعد تقام في البيوت والساحات بل انتقلت إلى القاعات والفنادق، وانتشرت الزينة والولائم الكبرى، ولكن تبقى القيم الأصيلة مثل التعاون والمساندة والضيافة حاضرة بقوة، ويظل الأهل والجيران والأصدقاء يشاركون ماديا ومعنويا، فالتقاليد ليست مجرد مراسم بل روح توارثتها الأجيال وتعكس هوية وطنية راسخة.

البشت وملامح الترف الجديد

أما علي اليافعي البالغ من العمر ستين عاما، فيؤكد أن ارتداء البشت في الأفراح لا يزال عادة لا يمكن التخلي عنها، فهو جزء من الزي الخليجي المميز، ورمز من رموز الفخر، إلا أن تفاصيل الاحتفال تغيرت بفعل الطفرة النفطية التي غيرت شكل المجتمع ودخله، فدخلت المغالاة في اللباس والتزيين وأصبحت حفلات الزواج أقرب إلى عروض استعراض، دون أن تفقد روحها القديمة كليا.

التكافل عنوان العرس القديم

من جانبها روت أم بدر أن مراسم الزواج في الماضي كانت تجسد أسمى معاني التكافل، فالجميع كان يساهم في دعم العريس، كلٌ حسب مقدرته، دون تكليف أو رياء، أما اختيار العروس فكان من اختصاص الأهل، قبل أن تغير ظروف العصر هذا المفهوم، ويصبح التعارف بين الشاب والفتاة ممكنا في الجامعات وأماكن العمل والأسواق.

وحكت عن تفاصيل مراحل الزواج قديما، بداية من الخاطبة التي تبحث عن العروس المناسبة، مرورا بتحديد المهر وتجهيز الدزة التي تتضمن ملابس ومستلزمات العروس، ثم تجهيز الخلة وهي غرفة الزواج في بيت أهل العروس، وانتهاءً بيوم الهدية الذي تنتقل فيه العروس إلى بيت أهل زوجها بصحبة النسوة من الأهل والجيران وسط مظاهر الفرح والكرم.

العولمة تبدل تقاليد الزواج

مشروع تخرج من جامعة قطر للطالبة هيا المناعي حمل عنوان العولمة الثقافية وأثرها على عادات الزواج في المجتمع القطري، وخلص إلى نتائج مهمة، أبرزها تراجع زواج الأقارب ليبلغ 43 بالمئة فقط في عام 2017، بعدما أصبح الشباب يفضلون الشراكة الحرة والاختيار الشخصي، وقد أدى ذلك إلى تراجع نمط العائلة الممتدة الذي كان سائدا.

الدراسة كشفت أيضا عن ارتفاع كبير في المهور، التي باتت تتراوح بين خمسين ألفا وقد تصل إلى نصف مليون ريال، مما شكل تحديا أمام الكثير من الشباب، كما تغيرت مفاهيم الدزة والجهاز، حيث أصبحت العروس والعريس يقرران معا ما يرغبان فيه من متطلبات، بدلا من تدخل الأهل كما كان سابقا، وهو ما يعكس دور المرأة المتنامي في اتخاذ القرار.

كما رصد البحث أيضا تلاشي الفوارق بين البادية والحضر من حيث قيمة المهر ومتطلباته، فالمبالغة أصبحت سمة العصر، والمهر الذي كان لا يتجاوز عشرين روبية بات الآن يتجاوز مئات الآلاف، وكل ذلك جزء من مشهد اجتماعي واقتصادي يتغير بوتيرة متسارعة بفعل الحداثة والتعليم والعمل والتفاعل مع الثقافات الأخرى.

في زمن كانت فيه الأعراس تعبيرا عن فرحة جماعية واحتفاء بالمحبة، لا عبئا اجتماعيا ولا أزمة مالية، ظل المجتمع القطري متمسكا بروح عاداته رغم تقلبات الزمن، وتبقى الذاكرة الشعبية شاهدة على أن الفرح الحقيقي لا يُقاس بالبذخ بل بالمشاركة والمحبة والتكافل، أما المستقبل فبين يدي شباب يسعون للتوازن بين أصالة الماضي وتحديات الحاضر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى