المزيد

 الدولة الفاطمية العبيدية

الدولة الفاطمية العبيدية (8)

——————————————————————–

جوهر الصقلي و المعز لدين الله الفاطمي

— في الطريق إلى مصر —

 

🔹️ ملخص ما سبق :

أراد عبيد الله المهدي أن ينتزع زعامة العالم الإسلامي من الخليفة العباسي المقتدر وأبدى عزمه على سحق العباسيين حين قال : ” لنملكن أنا وولدي ولد العباس، ولتدوسن خيولى بطونهما ” .

 

ولما كان الوصول إلى المشرق الإسلامي يمر في مصر الواقعة تحت السيطرة العباسية؛ فقد انطلقت️ الحملة الفاطمية الأولى على مصر سنة 301-302 ه / 914-910م ولكن قائدها القائم بن عبيد الله لم يكن قادرا على مواجهة القائد العباسي الذي وصل إلى الفسطاط في (15 رمضان/7 نیسان) واضطر للعودة إلى إفريقية(تونس) .وفشلت الحملة في الاستيلاء على مصر.

 

وانطلقت️ الحملة الثانية على مصر : 306-309 ه 919- 921م بقيادة ولي العهد القائم بن عبيد الله الفاطمي إلى مصر للمرة الثانية تساندها قوة بحرية مساندة , وتوجه إلى الإسكندرية على رأس جيش كبير فدخلها و أقام بها.

 

كان رد الفعل العباسي على هذه الحملة سريعا و قويا. فقد أرسل الخليفة العباسي قوة بحرية بقيادة ثمال الخادم، اصطدمت بالأسطول الفاطمي في سواحل رشید ودمرته في (18شوال 307ه /12 آذار 920م)، ودخل ثمال، على إثر ذلك،الفسطاط.وأرسل العباسيون، في غضون ذلك جيشا بريا إلى مصر بقيادة مؤنس الخادم وصل إلى الفسطاط يوم الخميس (3 محرم 308ه/ 20 أيار 920م)،

 

قرر القائم الرحيل عن الإسكندرية إلى تهنامت،.ثم الانسحاب إلى برقة، والعودة إلى إفريقية، وهكذا فشل القائم للمرة الثانية أمام القائد العباسي نفسه، مؤنس الخادم، الذي استحق عن جدارة لقب المظفر الذي منحه إياه الخليفة العباسي المقتدر.

 

كان تأثير حملات الفاطميين على مصر رغم هزيمتهم كان قويا . فقد ألقت الرعب في قلوب المصريين، واستولى القائم على جزء كبير من خراج مصر، مما أدى إلى خلل في الوضع الاقتصادي.

 

حاول عبيد الله المهدي بسط السيطرة الفاطمية على الحجاز، فكتب إلى أهل مكة يدعوهم إلى طاعته ويعدهم بحسن السيرة فيهم، وأجابوه أن لهذا البيت رب يحميه، ولن نؤثر على سلطاننا غيره يعن الخليفة الفاطمي .

 

توفي عبيد الله المهدي في المهدية ليلة الثلاثاء (15 ربيع الأول عام 322ه/3 آذار عام 934م) إثر مرض قصير، وكان عمره ثلاثة وستون عاما،و بويع ولي عهده ابنه القائم الذي استمر عهده اثني عشر عاما، وانتهج نفس سياسة والده تجاه العباسيين والأمويين .

 

كان محمد بن طغج الإخشيد قد أراد أن يستفيد من مركزه في مصر، بين الفاطميين الطامعين في مصر؛ والعباسيين الضعاف في المشرق، وطمع في تأسيس إمارة وراثية له بمصر .

 

وكان القائم الفاطمي حريصا على الاستيلاء على مصر وقد سنحت له الظروف عند حدوث اضطرابات في بغداد أن قتل الخليفة المقتدر في عام (320 ه 932م) وخلفه أبو منصور محمد القاهر… (320- 322ه/ 932 – 934م) .

 

أدرك الخليفة العباسي الجديد حقيقة أهداف الإخشيد في الإستقلال بمصر فأرسل وزيره جعفر بن الفرات إلى مصر ليستطلع أحوالها، ثم شجع أمير الأمراء محمد بن رائق في بلاد الشام ومصر، على الاصطدام بالأخشيد .

 

وقد ثار علی حكم محمد بن طغج الأخشيد في مصر حينذاك قائد الأسطول العباسي، وقائد حامية الإسكندرية ، وانسحبا إلى برقة ودخلا في طاعة القائم الفاطمي؛ وراحوا يحرضونه على غزو ، فوجه القائم الفاطمي في أواخر (323 ه/930م) جيوشه إلى مصر من برقة و تونس ؛ ، فاحتلت الإسكندرية في ( 324 ه/ 936م).

 

وجاء رد فعل محمد بن طغج الأخشيد سريعا، واستعاد المدينة بعد قتال عنيف ، وقتل (يعيش) في المعركة، ووقع (پوتزنيت) قائدا الفاطميين في الأسر، وانسحب الجيش الفاطمي، إلى برقة .

 

رأي القائم الفاطمي أن من الأفضل ، أن يستبدل القوة بسياسة ودية تجاه محمد بن طغج الأخشيد، وأرسل إليه كتابا دعاه فيه إلى الدخول في طاعته . . وكان محمد بن طغج الأخشيد يخشى أن يخرج على الخلافة العباسية، و كان يكره أن يتخلى عن السنة ويلقي بنفسه في أحضان الدولة الفاطمية ولكنه لما طلب العون من الخليفة العباسي لم يسعفه هذه المرة لعلمه بميوله الإنفصالية.

 

وقد دفعه ذلك إلى التفكير في التقرب من الفاطميين، وقطع صلته بالخليفة العباسي؛ بمشروع زواج ابنته من إسماعيل ابن القائم فأرسل كتابا بهذا المعنى إلى القائم الفاطمي فرد عليه:

“وصل كتابك وقد قبلنا ما بذلت، وهي وديعة لنا عندك، وقد منحناها مائة ألف دينارمن بيت مالنا ، فتوصل ذلك إليها»…

لكن محمد بن طغج الأخشيد كان يظن أن القائم سيرسل إليه من الأموال ما يفخر به ، فلما خاب ظنه أوقف مشروع المصاهرة، واتخذ جانب الحياد .

 

*انتهى ملخص الفقرة السابقة

–‐‐—–‐———————————————————-

بعد وفاة القائم بأمر الله بن عبيد الله المهدي تولى الحكم من بعده 🚩 أبو طاهر إسماعيل المنصور بنصر الله أو مايسمونه الخليفة المنصور الفاطمي (۳۳٤ – ۳٤١ھ / ۹٤٩- ۹٥٣ م)

 

لم يحدث، في عهد إسماعيل المنصور، أي تغيير في صورة العلاقات مع مصر، و لم يقم الفاطميون بأي عمل عسكري ضدها . إلا أن إسماعيل المنصور لم يهمل أمر انتشار الدعوة في المشرق، لذلك استقبل مبعوثا من أنصاره قادما من بغداد لإعلامه بنشاط دعاته وبخاصة محمد بن علي. ولا شك بأنه كان يتابع بكل اهتمام الوضع السائد في ممتلكات خصمه العباسي، وقد كان يتصوره.على نحو ملائم لرغباته. والجدير بالذكر أن الوضع الداخلي للخلافة العباسية كان يزداد تدهورا مع تدخل البويهيين الشيعة ، حيث أضحى الخليفة العباسي المطيع (۳۳٤ ۔ ۳٦٣ ه/ ٩٤٦ – ٩٧٤م) تحت نفوذ هذه الأسرة التي استأثر زعماؤها باختصاصات الخلفاء .

 

وقد انشغل المنصور الفاطمي في أفريقية بالقضاء على ثورة أبي يزيد الخارجي في سوسة؛ و هو مخلد بن كيداد الذي ينتمي إلى مذهب الخوارج. ؛ و كذا القضاء على تمرد حميد بن مصال المكناسي في تاهرت ؛ و النزاع مع البزنطيين على سيادة جزيرتي صقلية و كريت .

 

توفي إسماعيل المنصور يوم (۲۸ شوال ٣٤١ ه/ ۱۸ آذار ٩٥٣ م) من دون أن يتمكن من إعادة الهيبة التي اكتسبتها الدولة الفاطمية في عهد عبيد الله المهدي، على أنه منذ انتصاره على خصمه أبي يزيد، حرص على إعادة تنظيم شؤون الدولة

في الداخل والنهوض بها من عثرتها .(* 2)

——————————–

🚩 أبو تميم معد : المعز لدين الله الفاطمي

(۳٤١ – ۳٦٥ ه /۹٥٣ – ۹۷٥م)

 

تولى أبو تميم معد، الملقب بالمعز، السلطة في (۲۹ شوال ۳٤١ه/ ۱۹ آذار ۹٥٣م) وعمره إثنان وعشرون عاما، فأخفى موت والده إسماعيل المنصور إلى أوائل (ذي الحجة / ۱۹ نیسان) خشية حدوث اضطرابات في البلاد.

 

وكان والده قد عينه وليا للعهد، ولم يتعرض لتلك الشدائد التي تعرض لها جده القائم ولا المهدي في المهدية والمنصورية،.

 

أدرك المعز ثلاثة من الحكام الفاطميين هم عبيد الله المهدي، والقائم وإسماعيل المنصور، وأمه أم ولد . و يعد المعز من كبار رجال عصره، .وكان يجيد عدة لغات منها اللاتينية والصقلبية والسودانية، ذا ولع بالعلوم ودراية بالأدب، وقد بلغ نفوذ الفاطميين في عهده أقصى مداه.

 

وفي عهده انطلقت الحملة الفاطميية بقيادة جوهر الصقلي في عام (٣٤٧ ه/ ۹٥٨م) في اتجاه تاهرت للانتقام من واليها یعلی بن محمد اليفرني الذي خلع طاعة الفاطميين وانضم إلى الأمويين في الأندلس.ورغم استسلام اليفرني و اعلانه العودة لطاعة الفاطميين إلا أنهم أسروه و أسرته و خربوا حاضرته .

 

ثم توجه جوهر الصقلي بعد ذلك إلى فاس للاستيلاء عليها، فحاصرها أحد عشر شهرا قبل أن يدخلها عنوة في (۲۰ رمضان ۳٤٨ ه – ۲۱ تشرين الثاني ٩٥٩م)، وأسر صاحبها أحمد بن بكر وعددا كبيرة من الأمراء الأدارسة”، و حاول إعادة السيطرة على كامل المغرب الأقصى .

 

لكن حملة جوهر الصقلي لم تقض على متاعب الفاطميين في المغرب، وإنما نجحت فقط في إضعاف الأدارسة.

 

و لأن اليقظة التي أبداها الحكم الثاني إبن عبد الرحمن الناصر، الذي خلف والده في حكم الأندلس في (۳ رمضان.۳٥٠ ه/ ١٦ تشرين الثاني ٩٦١م)، ولبراعته في السياسة فقد تمكن من استقطاب الزناتيين بقيادة محمد بن الخير، حفيد أمير مغراوة محمد بن خزر، للدخول في طاعة الخليفة الأموي في الأندلس.

وكانت عدة عوامل أخرى أدت لإنصراف جوهر الصقلي عن المغرب و تفكير المعز الفاطمي بالتوجه نحو الشرق للإستيلاء عليها و نقل مقر حكمه بعيدا عن المعاناة المستمرة في الشمال الأفريقي . (*3)

——————————————————————–

🔹️ توجه المعز نحو مصر وأحوال مصر وقتذاك

 

عندما أعلن المعز عن عزمه على التوجه إلى المشرق الإسلامي عبر مصر، لم يتخذ هذا القرار إلا بعد أن كان قد استعد لذلك تماما، وأمن الضمانات الكافية لنجاح مشروعه ولم تتجه أنظاره نحو مصر والمشرق الإسلامي إلا في السنوات

الأخيرة من عهده في إفريقية .

 

و قبل بدأ مشروعه لغزو مصر كان قد حقق السيطرة الكاملة على حوض البحر المتوسط ، ويتضح هذا من بناء المهدية وإعادة بناء أسطول سوسة، والحرص على تشدید قبضته على طرابلس وبرقة، وشجعته أوضاع المشرق، بعامة، ووضع

مصر، بخاصة، على الالتفات شرقا.

 

وكان الضعف قد أخذ يدب في جسم الدولة العباسية منذ العصر العباسي الثاني، حين انتقلت الدولة من المركزية إلى اللامركزية في نظام الحكم .

 

وكنا قد أشرنا إلى نجاح محمد بن طغج الأخشيد في الاستقلال بمصر وبلاد الشام في عام (۳۲۷ه/ ۱۳۹م) وأسس الدولة الأخشيدية. وكانت الخلافة العباسية آنذاك تشهد تطورات سريعة، بفعل الصراع من أجل الحصول على منصب أمير الأمراء، الذي فاز به محمد بن رائق في عام (۳۲۹ه/ ۹۳۸م)، ثم قائده بجکم.

 

وقد تطلع ابن رائق إلى الاستيلاء على مصر وبلاد الشام ،

وتمكن من الحصول على تقليد من الخليفة الراضي بحكم حلب وأعمالها.ولا يستبعد أن تكون.الخلافة قد وجهت أبن رائق إلى بلاد الشام لينافس الأخشيديين، ويحد من سلطتهم

ونفوذهم.، وراح ابن رائق يتدخل في شؤون الأخشيديين، وحاول محمد بن طغج الأخشید استرضاءه .

 

إلا أن ابن رائق تقدم إلى جنوب بلاد الشام واستولى على حمص ودمشق، ثم سار إلى الرملة فالعريش” في محاولة لدخول مصر، وهناك اصطدم بالقوات الأخشيدية في عام (۳۲۸ ه/ ٩٤٠م)، لكنه هزم وتمكن من النجاة .

 

أراد محمد بن طغج الأخشید، على الرغم من انتصاره، تغليب المصلحة العامة للمسلمين على مصلحته الخاصة فعقد صلحا مع ابن رائق تضمن أن يتخلى محمد بن طغج الأخشيد لابن رائق عن الأراضي الشامية الواقعة شمال الرملة بفلسطين، وتعهد بأن يدفع له مبلغ مائة وأربعين ألف دينار سنوية

عن الرملة.

 

وبعد عامين من إبرام المعاهدة، قتل أبن رائق في عام (۳۳۰ه/ ۹٤٢م) على يد ناصر الدولة الحمداني”، فانتهز محمد بن طغج هذه الفرصة، وسيطر على بلاد الشام، دون مقاومة، وتقدم شمالا حتى جاور الدولة الحمدانية، كما دخلت مكة والمدينة تحت سلطانه ، فأضحي من أكبر القوى في العالم الإسلامي.

 

أدى تجاور الدولتين الأخشيدية، والحمدانية الطامعة في بلاد الشام إلى احتدام النزاع بينهما، فقاد سيف الدولة الحمداني حملة عسكرية وسيطر على حلب ودمشق في عام (۳۳۳ ه/ ٩٤٥ م)، وأخذ يستعد لغزو مصر، مما دفع محمد بن طغج

الأخشيد إلى الخروج بنفسه إلى بلاد الشام لوقف التقدم الحمداني..

 

ونتيجة للاشتباك، الذي حصل بين الطرفين في قنسرين، هزم سيف الدولة ؛ ودخل الأخشيد حلب، واسترد دمشق. لكنه آثر، مجددا، تغليب المصلحة العامة للمسلمين، فعقد صلحا مع سيف الدولة تنازل له بموجبه عن حلب وشمال الشام .

 

ويبدو أن محمد بن طغج الأخشيد أدرك ضرورة وجود قوة إسلامية في شمال بلاد الشام، كقوة الحمدانيين، للتصدي لغارات البيزنطيين على المناطق الإسلامية ، بالإضافة إلى أن الأخشيديين في مصر كانوا يقعون تحت ضغط خارجي كبير من جهة الفاطميين، وأخذوا يواجهون بعض الحركات الاضطرابية في مصر مثل حركة غلبون في منطقة الأشمونين .

 

توفي محمد بن طغج الأخشيد بدمشق في ( ذي الحجة ٣٣٤ ه/ تموز ٩٤٦ م)، وكان قد أوصى بالملك من بعده لولديه الصغيرين أنوجور وعلي، على أن يتولى غلامه کافور الحبشي الوصاية عليهما. وفعلا حکم کافور مصر اثنين وعشرين عاما کوصي، حتى إذا توفي كل من أنوجور وعلي في عامي (۳٤٩ ه/ ۹٦٠ م) و (۳٥٥ ه/ ٩٦٦ م) استبد بالحكم، واعترفت الخلافة العباسية به حاكما على مصر.

 

استطاع كافور، خلال مدة وصايته، أن يحافظ على تماسك الدولة، ويدافع عنها ضد الأخطار الخارجية؛ فقد واجه الحمدانيين في الشمال وانتصر عليهم في.معركة اللجون، كما تصدى لهجمات القرامطة بقيادة الحسن الأعصم بن أحمد بن

أبي سعيد الجنابي الذي هاجم طبرية والرملة، بالإضافة إلى هجمات أسوان وإخميم في عام (٣٤٤ ه/ ۹٥٥ م) .

 

كما استمر الضغط الفاطمي على مصر وقضت سياسته أن يبقي على حسن العلاقات مع الخلفاء العباسيين من ناحية ومع الفاطميين من ناحية أخرى، مما أځر الغزو الفاطمي لمصر، عدة سنوات

 

تجددت هجمات القرامطة على مصر، بعد وفاة كافور في عام (۳٥٧ ه / ۹٦٨ م) ، بقيادة الحسن الأعصم، فاستولوا على الرملة، وفرضوا على الحسن بن عبيد الله بن طغج دفع مبلغ ثلاثمائة ألف دينار سنويا، كما ازداد الضغط الفاطمي على مصر .

 

أتاحت هذه الأوضاع السياسية القلقة الفرصة للمعز، لتوجيه جيوشه للاستيلاء على مصر؛ وقد شهدت مصر وبلاد الشام ثورات عاتية بعد وفاة محمد بن طغج الأخشید. فقد هاجم ملك النوبة (السودان) الحدود الجنوبية لمصر، فنهب القرى وقتل السكان، وتصدى له جيش أخشيدي بقيادة محمد بن عبد الله الخازن، فهزمه وأبعده عن المناطق المصرية .

 

بنفس الوقت ثار والي الأشمونين المعروف باسم غلبون بن سعيد المغربي، واستبد بالأمور في منطقة نفوذه، ولما آنس من نفسه القوة، زحف بقواته على الفسطاط، فهزم جيشا

أخشيديا ودخل دار الإمارة واتفق مع الوزير محمد بن علي الماذرائي على أن يدير بنفسه الحكم ، لكن الجيش الأخشيدي الآخر ، بقيادة الحسن بن طغج، اصطدم به في الفسطاط وهزمه، وطرده منها، فخرج إلى الشرقية، وطارده، فهزم مرة ثانية وقتل في المعركة، وذلك في ذي الحجة ۳٣٦ ه / حزيران ٩٤٨ م)،

 

وشغلت الدوائر الحكومية، والمجتمع المصري بهذه الثورة، فاضطربت الأمور في هذا العام حتى تعذر على الناس الذهاب إلى الحج.

 

وثار بعض رؤساء العشائر البدوية في بلاد الشام على سلطان الأخشيديين نذكر منهم: مهلهل العقيلي في طبرية في عام (٣٤٨ / ٩٥٩ م)، ومحمد بن أحمد السلمي في بادية الشراة في عام (٣٥٢ ه / ۹٦٣ م).

 

استمرت الحالة الداخلية السيئة بعد وفاة كافور، وبدا واضحا أن الضعف بدأ يدب في جسم الدولة الأخشيدية، ولم يكن للخليفة العباسي المطيع من القوة ما يمكنه أن يولي على مصر من يشاء، لذلك اجتمع رجال الدولة لاختيار شخص تتفق

میوله مع تطلعاتهم، فوقع الاختيار على أبي الفوارس أحمد بن علي بن طغج.الأخشید، ولم يكن قد تجاوز الحادية عشرة من عمره، وعين الحسن بن عبيد الله بن طغج وليا لعهده.

 

واستبد الوزير جعفر بن الفضل بن الفرات بتدبير شؤون دولته،.فقبض على طائفة من كبار الموظفين، وذوي الرأي، وصادر أملاكهم، كان من بينهم.يعقوب بن يملس الذي هرب إلى إفريقية ملتجئا إلى المعز الفاطمي .

 

وأخفق الوزير في تهدئة أوضاع البلاد، في الوقت الذي ساءت فيه الأوضاع المالية. وكانت المجاعة، والأوبئة، واضطراب الأمن، قد أفقدت الحكومة كل هيبة.واستقرار، ولا سيما حين عجزت عن دفع رواتب الجند، وعن جمع الضرائب.

 

وتفاقمت الثورات وتمنى السكان الخلاص مما هم فيه، ومما زاد الأمور تفاقما ، هزيمة الحسن بن عبيد الله بن طغج الأخشيد أمام القرامطة الذين استولوا على الرملة، فانسحب الحسن إلى مصر، وقبض على الوزير أبن الفرات، وعزم على أن.يتولى الأمور بنفسه، لكنه ما لبث أن أطلق سراحه، وفوض إليه الحكم وعاد إلى الشام .

 

وقد شهدت مصر منذ عام (۳٥٢ ه / ۹٦٣ م) حالة من الجفاف استمرت تسعة أعوام سببها نقص في فيضان النيل، نتج عنها اختفاء القمح واضطراب الأسعار، وتزايدت أثمان الحبوب والأقوات، واقترن بذلك وباء عظيم، وهلك الضعيف من الناس وأكلوا الميتة.والجيف، وكانوا يسقطون موتى من الجوع، وزاد الوباء وكثر الموت، ولم يلحق دفنهم، وكان يحفر لهم حفرة ويرمي فيها عدة كثيرة، ويردم عليهم التراب ، وثقلت

وطأة الضرائب على السكان.

——————

🔹 ️استغل المعز هذه الأوضاع المضطربة فوجه جيوشه للاستيلاء على مصر واعتمد على دعاته الذين بثهم مسبقا في مصر لتهييء الأرضية الداخلية له ، كما قام باتصالاته مع

بعض أصحاب النفوذ فيها، الذين لم يخفوا مشاعر ولائهم للفاطميين .

 

وبدأت، منذ عام (۳٥٥ ه/ ۹٦٦ م)، استعدادات التجهيز، فأرسل قوة عسكرية استطلاعية، إلى مصر، و في العام التالي، هاجمت واحة سيوة المصرية، ووقف أفرادها على مدى صلاحية الطريق التي ستسلكها الفرق العسكرية إلى مصر .

 

ولما كانت مصر بعيدة نسبيا عن إفريقية، أمر المعز عامل برقة، أفلح الناشب،.بحفر الآبار على الطريق بينها وبين تونس، وتمهيدها لسير الحملات العسكرية،.وأنشأ في كل منزلة قصرا ، وبنى السفن اللازمة للمشاركة في الحملة، لمساندة القوات البرية وأجبر سكان بعض المدن الصقلية على تزويد دار صناعة السفن بالمهدية بالأخشاب .

 

عين المعز ، جوهر الصقلي قائدا للحملة ومتصرفا في أموال الدولة ومراقبتها، لتوفير الأموال اللازمة للإنفاق على حملة مصر وأمره بالاتصال بالكتاميين في مناطق في المغرب، لحشد الجنود، وجمع الضرائب المفروضة على البربر، فانتهى من مهمته تلك (شهر محرم ۳٥٨ ه / شهر كانون الأول ٩٦٨ م)، مصحوبا بالرجال والأموال التي بلغت أربعة وعشرين ألف ألف دينار .

 

و ذهب المعز بنفسه إلى المهدية، وجلب من قصر آبائه خمسمائة حمل من الذهب و استعرض الجيش و صرف للجند رواتبهم و شجعهم .

 

🔹️ انطلقت الحملة من إفريقية(تونس) يوم السبت في (١٤ ربيع الآخر ٣٥٨ ه / ۷ آذار ٩٦٩ م)، وتقدم جوهر الصقلي ببطء باتجاه الإسكندرية، وسانده أسطول بحري، ولم يصل إلى حدود الدولة الأخشيدية إلا بعد ثلاثة أشهر

 

ولما انتشر خبر هذا الزحف في الفسطاط، اضطرب الوضع، واستعد أنصار الفاطميين لاستقبال ذلك القائد بنشر المعلومات التي وزعها عليهم الدعاة ليقيموا الدليل على خضوع المصريين الذين يقاسون من الفوضى والجوع منذ عهد بعيد.

 

ولما لم يصادف جوهر الصقلي في الإسكندرية، أية مقاومة تذكر، أمر جنده بعدم التعرض للسكان، واستطاع بحنكته أن يستقطب أهل الإسكندرية، ويتألف قلوبهم بما أجزل لهم من المال .

 

وأدرك المسؤولون في مصر، وعلى رأسهم الوزير جعفر بن الفرات، أنه لا طاقة لهم بمقاومة الجيش الفاطمي الجرار، فجمع هذا الوزير وجوه القوم للتداول في لأمر، وكانت رسل جوهر الصقلي ترد إليه سرا ؛..

 

واتفق الجميع على تجب اتخاذ أي موقف عدائي، والميل إلى التفاوض في شروط التسليم، وطلب الأمان لأرواح المصريين وأملاكهم، فشكلوا وفدا من أجل هذه الغاية برئاسة أحد الشيعة من الفرع الحسيني، هو أبو جعفر مسلم، وقد اختاروه بفعل قرابته من الأسرة الفاطمية. …(*4)

——————————————————————–

(*1) انظرالدولة الفاطمية العبيدية جواهر فقرة (7)

(*2) إنظر محمد سهيل طقوش / تاريخ الفاطميين في وشمال أفريقية و مصر و بلاد الشام ص ١٣٣-١٤٨ ط دار النفائس بيروت

(*) المصدر السابق ص ١٤٩- ١٥٦

(*) المصدر السابق ص ١٧٥- ١٩١

—‐‐—–‐——————————————————–

الدولة_الفاطمية_جواهر [8]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى