قبيلة الدعجة جذور قحطانية ضاربة في عمق تاريخ الاردن وبلاد الشام
تعتبر الدعجة قبيلة عربية جذامية قحطانية من القبائل الرئيسية في المملكة الاردنية الهاشمية، وتمتد منازلها من محافظة العاصمة عمان الى محافظة الزرقاء وصولا الى ناحية الازرق شرقا، وتنحدر القبيلة في نسبها من جذام التي استوطنت جنوب بلاد الشام في العصر الجاهلي قرابة القرن الخامس للميلاد قبل الفتوحات الاسلامية، وهو ما يمنحها عمقا تاريخيا عريقا وحضورا مبكرا في هذه الرقعة الجغرافية.
أصل قبيلة الدعجة
تعد قبيلة الدعجة قبيلة عربية قحطانية خالصة، عرفت عبر تاريخها بالتمسك بالاصل والنسب، ويحمل ابناء القبيلة بيرقا خاصا بها، وهو قماش يتغير لونه من وقت لاخر، يكتب عليه اسم القبيلة او اسم احد فروعها المتفرعة منها، في دلالة رمزية على الوحدة والهوية القبلية، وينتشر ابناء الدعجة اليوم في الاردن والكويت وسوريا والسعودية وفلسطين ولبنان ومصر، ويقدر تعدادهم بنحو مئتي الف نسمة وفقا لاحصاءات عام 2017، وجميعهم يدينون بالاسلام على مذهب اهل السنة والجماعة.
ويرتبط نسب قبيلة الدعجة بعمود جذامي قحطاني واضح، اذ يتصل نسبهم بعمرو بن عدي بن حارث بن مرة بن ادد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان جد العرب، ويتسلسل النسب صعودا حتى عابر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح، في نسب عريق حفظته المصادر والمخطوطات القديمة، واعتبرته دليلا على اصالة القبيلة وقدم جذورها.
وتشير مخطوطة امين البغدادي التي تناولت بعض بطون قبائل جذام القحطانية الى ذكر الدعجة ضمن هذه البطون، وهو ما يعزز حضورهم التاريخي المبكر، وقد ظهرت قبيلة الدعجة بشكل واضح في عهد الايوبيين سنة 1174م، وورد ذكرهم على لسان المهمندار الحمداني سنة 1250م، كما جاء ذكرهم اول مرة عند ابن فضل الله العمري الذي اشار الى بلاد الكرك وما حولها من البلقاء باعتبارها موطن نشأة القبيلة.
وتجمع المصادر التاريخية على ان الدعجة عرفوا قديما باسم الدعجيون، وهو نفس اللفظ بحسب ما اورده القلقشندي المتوفى سنة 1418م، وكذلك ما ذكره الاخباريون في عهد المماليك، ويؤكد ذلك الرحالة اوبنهايم في كتاباته عن قبائل بلاد الشام، كما تظهر مخطوطات تعود الى العهد العثماني بعض بطون قبائل جذام في بلاد الشام، ومن بينها الدعجة الذين عرفوا باسم الدعجيون، الى جانب العجارمة وبني صخر المندثرة وليس الطائية المعاصرة، وعشيرة الحيادرة من بني مهدي من جذام.
وقد ورد ذكر قبيلة الدعجة في سجلات الطابو العثماني سنة 1550م، كما ذكرهم المؤرخ العثماني احمد الصفدي المتوفى سنة 1625م باسمهم الحالي قبيلة الدعجة، وجاء في كتاب بلادنا سوق عكاظ ابدية الصادر عام 1994م ذكر الدعجة في شرق الاردن وبعض فروعهم في فلسطين، ويرى المؤرخون انهم من جذام، كما ذكرهم المغيري عند حديثه عن بطون جذام في كتاب المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب، حيث قال الدعجيون بطن من جذام ومنهم الدعجة البطن المعروف في قحطان.
ويصعب الاحاطة بجميع تفاصيل تاريخ قبيلة الدعجة الممتد في اعماق الزمن، غير ان المؤكد ان نشأتهم جاءت في بيئة صراعات قبلية وعسكرية شرسة شهدتها ارض الاردن، وقد احتلت القبيلة مكانة بارزة في عصر المماليك عام 1250م وفقا للمؤشرات التاريخية، وكانت قبيلة بدوية خالصة خاضت العديد من المعارك والغزوات في عموم بلاد الشام، ووصلت غاراتها الى عمق الديار المصرية بحسب ما ذكره الاخباريون، وذلك قبل تأسيس حلف البلقاء.
وفي الصراعات التاريخية بين يمن وقيس، كانت عرب الدعجة ضمن الصف القحطاني تحت مسمى يمانيو الشام، وعدها كثير من الرواة والباحثين قبيلة كثر الغزو عليها وقلت هزيمتها، لما عرف عنها من شجاعة وبأس، وقد اشتهرت قبيلة الدعجة في بلاد البلقاء بلقب عيال الامينات او عيال الاميني الغواه، وذلك بسبب حربهم مع حاكم لبنان الامير فخر الدين الثاني عام 1622م، وهي حرب كان لها اثر بالغ في تراجع قوة القبيلة ومكانتها العسكرية.
وعقب تلك المرحلة، ومع انهيار امارة المهداوي في حادثة الفحيص الشهيرة، ظهرت حركة تأسيس حلف البلقاء في القرن السابع عشر الميلادي، وانضمت قبيلة الدعجة الى هذا الحلف في زمن المؤسس الاول صالح بن شديد بن عدوان وعمه صبح بن عدوان، وجاء هذا الانضمام نتيجة لحصارات ومعارك طاحنة تعرضت لها القبيلة منفردة في مواجهة طوائف حزب قيس العدنانية وحلفائهم من الدولة العثمانية، ما اضطر الدعجة الى الانشقاق عن حزب يمن القحطاني اضطرارا لا اختيارا، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ القبيلة مليئة بالاحداث والتحولات التي شكلت ملامح حضورها في الاردن حتى يومنا هذا.



