قبيلة الزواوة.. القوة الأمازيغية التي صمدت فوق جبال جرجرة لقرون
أسماء صبحي – في قلب الشمال الجزائري وبين مرتفعات جبال جرجرة الوعرة. تستقر واحدة من أشهر القبائل الأمازيغية في شمال أفريقيا قبيلة الزواوة. وهذه القبيلة التي تمتد جذورها عميقًا في تاريخ المنطقة لعبت أدوارًا بارزة في السياسة والمقاومة والثقافة. ونجحت عبر قرون في الحفاظ على هويتها ولغتها وعاداتها رغم موجات الاستعمار والتغيرات السياسية المتلاحقة.
تعتبر الزواوة إحدى أكبر المجموعات الأمازيغية في الجزائر، ويعرف أفرادها بتمسكهم الشديد بالأرض وإتقانهم للحرف التقليدية. وتمتعهم بتركيبة اجتماعية مميزة جعلت منهم عنصرًا مؤثرًا في تشكيل المجتمع الجزائري تاريخيًا وحاضرًا.
جذور قبيلة الزواوة
تشير المصادر التاريخية إلى أن اسم “الزواوة” كان معروفًا منذ العصور الوسطى. وورد ذكرهم في مؤلفات عدة مؤرخين، مثل ابن خلدون، الذي وصفهم بأنهم “من أشد قبائل المغرب استقلالًا وشجاعة”. وقد شكلت جبال جرجرة حصنًا طبيعيًا جعل القبيلة أقل عرضة لسيطرة القوى الخارجية. مما ساعد على نشوء نظام اجتماعي داخلي متماسك يعتمد على العصب العائلية والقرى الصغيرة المستقلة ذاتيًا.
تميزت القبيلة عبر التاريخ بمقاومتها للسيطرة العثمانية في مراحل، ومواجهتها المباشرة للاستعمار الفرنسي خلال القرن التاسع عشر. حيث لعبت دورًا كبيرًا في انتفاضة المقراني عام 1871 وهي من أكبر ثورات الجزائر ضد الاستعمار.
التركيبة الاجتماعية والاقتصادية
ينقسم مجتمع الزواوة إلى عدد من العروش (القبائل الفرعية). وكل عرش يضم مجموعة قرى تدار بنظام تقليدي يُعرف باسم “تاجماعت”. وهو هيئة شعبية تشبه المجالس المحلية، تتولى إدارة شؤون القرية من حلّ النزاعات إلى تنظيم المناسبات.
اقتصاديًا، تعتمد القبيلة على الزراعة الجبلية، مثل أشجار الزيتون والتين والكروم، إلى جانب تربية المواشي. كما اشتهرت عبر قرون بصناعة النحاس والفضة والنسيج حيث تعد منطقة القبائل مركزًا مهمًا لإنتاج الحُلي الأمازيغي الذي يتميز بزخارفه وألوانه.
اللغة والثقافة والهوية
يتحدث أبناء قبيلة الزواوة اللغة الأمازيغية بلهجة تعرف بـ”القبائلية” وهي واحدة من أبرز اللهجات الأمازيغية وأكثرها انتشارًا. وتدرس اليوم في الجزائر كلغة رسمية، ما يعكس نجاح جهود طويلة للحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية.
أما من الناحية الثقافية، فتشتهر القبيلة باحتفالاتها الخاصة، مثل رأس السنة الأمازيغية (يناير). بالإضافة إلى الأغاني الشعبية التراثية والرقصات التقليدية، التي تعد جزءًا رئيسيًا من هوية سكان المنطقة.
الزواوة في التاريخ السياسي الحديث
برز أبناء هذه القبيلة بشكل لافت في الحياة السياسية الجزائرية المعاصرة. فمن منطقة القبائل خرج العديد من المناضلين خلال الثورة الجزائرية، إضافة إلى شخصيات بارزة في الدولة بعد الاستقلال. من بينهم قادة سياسيون، مفكرون، وكتّاب، مثل المفكر الجزائري مالك بن نبي، وبعض رؤساء الحكومات السابقين.
كما لعبت القبيلة دورًا ثقافيًا مهمًا في الحفاظ على التراث الأمازيغي عبر إنتاج الأدب والشعر والموسيقى، وتأسيس حركات ثقافية تدافع عن اللغة والهوية.
ويقول الباحث المتخصص في الأنثروبولوجيا الثقافية الدكتور سليم بوكرّوم، أن قبيلة الزواوة ليست مجرد مجموعة سكانية، بل هي منظومة اجتماعية متكاملة حافظت على هويتها عبر قرون من التحولات السياسية. وقوة القبيلة تكمن في تماسكها الداخلي وقدرتها على المواءمة بين الأصالة والتحديث دون فقدان جذورها.
ويضيف: “منطقة القبائل تعد نموذجًا نادرًا في شمال أفريقيا لمجتمع حافظ على لغته وثقافته. بينما لعب أدوارًا مركزية في الحياة السياسية والثقافية للدولة الحديثة”.



