قبائل و عائلات
تاريخ عائلة وسيرة أبطال
بـَيْتُ الرِجـَال: آل سيف النّصـر اولادسليمان بن كعب بني سليم ..
تاريخ عائلة وسيرة أبطال
قالوا: تحنُّ إلى البلادِ وأهلها فأجبتهم هـــى بغيتي ومرادي
بالله لم أشغف بغير رسومها أو منيتي مالت لغـير بــــلادي
في حبِ هاتيك الديـار وأهلها ذابت حشاشة مهجتي وفؤادي
الشاعر اللّـيبيّ/ بشير السّعداوي عن كتاب:
(الشّعر الوطنيّ في العهد الإيطالي والإستقلال)
للأستاذ/ علي مصطفى المصراتي
لمحة تاريخيّة.. نسب عائلة سيف النّصـر وموطنهم
عائلة (سيف النًّصر) من أهمّ العائلات الِلّـيبيَّة المنتسبة لقبيلة (أولاد سليمان)،
وهي العائلة التي عهدت إليها مشيخة القبيلة منذ القرن الثّامن عشر نظراً لما عُرف عن أبنائها من شجاعة وعزيمة وإصرار ومقدرة فائقة على الحرب بالإضافة إلى عدم الخضوع للسّلطة. وتنتسب قبيلة (أولاد سليمان)
إلى بني سليم، وهي القبيلة العَربيّة الشهيرة التي كانت تقطن (نجد) في شبة الجزيرة العربية.
يذكر الدّكتور محَمّد امحمد الطوير، أن قبيلة
(أولاد سليمان): {.. تنتمي إلى بني سليم، إحدى القبائل العربيّة المشهورة وموطنها الأصلي نجد في شبة الجزيرة العَربيَّة والتي ساهمت في الفتوحات الإسلاميّة، غير أن هجرتها بصورة جماعيّة إلى الشّمال الإفريقي في القّرن الحادي عشر الميلادي بسبب مواقفهم السّياسيّة وتأييدهم لحركة (القرامطة) ممّا أثار غضب الدولة الفاطمية الشيء الذي جعلهم عرضة للإقامة شبه الإجبارية في (وادي النيل)
جنوبي مصر وظلوا في تلك البقاع، ولم يتمكنوا من مغادرتها حتَّى سنحت لهم الفرصة المناسبة في عهد الخليفة الفاطمي المنتصر بالله حينما أذن لهم بالتوجه نَحوْ الغرب من مصر على إثر التمرد الذي قام به عامله في تونس المعز بن باديس في سنة 1048م..}
وينقل الأستاذ محَمّد الطيب الأشهب في كتابه
(برقة العربية، أمس واليوم)
ما قاله أحمـَد لطفـي السِّيّد باشا في الخصوص، فيقول..”..
وتنقسم القبائل الإفريقيّة جلها في سليم بن منصـور، وتنقسم إلى فخدين كبيرين (الكعوب) و(ذويب أبى الليل)،
فكانت مساكنهم ما بين قصـر سرت شرقاً وحدود تونس غرباً وبعضها أخذ طريقه إلى تونس. هؤلاء هم (الكعوب) ومنهم: أولاد سليمان، والمحاميد، وترهـونة.
أمّا أبو الليل فهؤلاء المسمون الآن بـ(السعادي) نسبة إلى امرأة تسمى (سعدى)، وهي بنت كبير عظماء البربر وقد أخـذت في حـرب بن باديس فتزوجها عظيم قبائل بني سليم، وهو ذويب الملقب بـ(أبى الليل)..”.
ويضيف الأشهب على ما ذكره أحمـَد لطفـي،
فيقول:
“.. موطن السعادي من قصـر سرت إلى عقبة السّلوم. وينقسم السعادي إلى ثلاثة أقسام
يعرف كلّ قسم باسم أبيـه
فالبراغيث هم أبناء برغوث بن ذويب الملقب بأبى الليل، والعقاقرة أو العواقير هم أبناء عقار بن ذويب المذكور، والسلالمة هم أبناء سلام بن ذويب. واتفقت الكثير من الروايات بأن سلام بن ذويب هو من امرأة أخرى غير (سعدى) في حين أن البعض يقول بأنـّه ابنها الثالث..”.
وعودة إلى (أولاد سليمان)، فالشّيخ الطّاهر الزاوي يذكر عنهم في معجم البلدان الِلّـيبيَّة ما يلي: “.. والسّوالم هم فخد من بني سليم وهم عمومة أولاد نصر الدّين منهم سيف النّصـر المعرفون في طرابلس، والسّوالم والأحامد مازالوا موجودين في بادية المدينة المنورة..”.
أيضاً.. يعرف أولاد سليمان –
طبقاً لموسوعة (ويكيبيديا) الحرَّة
– في أوساط القبائل بمسمى (أولاد كعب)،
ويعتبر كعب الجد الأعلى للقبيلة. الأمر الذي يرجح إنحدارهم من فرع عوف.
ويذكر ابن خلدون أن موطن قبيلة (أولاد سليمان) “.. قبلة غريان ومغر وأن رئاستهم في ولد نصر بن زائد بن سُليْمان وقال أنّها في عصره (أواخر القرن الرّابع عشر) لهائل بن حامد بن حماد بِن نصر..”.
وهذا ما أكده السِّيّد أحمـَد النائب الأنصاري في كتاب: (المنهل العذب) حيث قال: “.. إنّ في دباب بطون أخرى ناجعة في القفر منهم آل سليمان وموطنهم قبلة مغر وغريان..”. ويشير المقريزي إلى نسب (أولاد سليمان)
نقلاً عن كتاب: (ثورة عبدالجليل سيف النّصر)
للدّكتور محَمّد امحمد الطوير..”..
هم من بنو دباب بن مالك من بني سليم ينزلون ما بين فاس وبرقة ومنهم (أولاد سليمان) في جهة فـَزّان وودَّان..”.
وفي الموسوعة الإلكترونية الحرَّة (ويكيبيديا)
جاء عنهم: “..هم بنو دباب بن ربيعة بن زعب الأكبر بن جرو بن مالك بن خفاف بن إمرئ القيس بن بهثة بن سليم، ولدباب ولدين هما: أحمـَد ورافع. أحمَد: ومنه أولاد أحمَد، ويذكر ابن خلدون مواطنهم: (.. أولاد أحمـَد بن ذباب ومواطنهم غربي قابس وطرابلس إلى برقة..).
رافع: وله ثلاث أولاد وهم:
1 – سُليْمان.
2 – سالم.
3 – فائد…”.
وفي رواية أخرى قويه، يُقال أن
(أولاد سليمان والقطعان والجميعات)
قبائل ثلاثة يعود أصلها إلى (أبن كعب)
ويسمون (الكعوب من علاق) إيّ من سلالة (كعب).
أنجب(كعب) ثلاثة أبناء هم: سُليمان، جد قبيلة (أولاد سليمان)..
رضوان الذي اشتهر بالأقطع، جد قبيلة (القطعان).. وجمعه، جد قبيلة (الجميعات).
فقبل الهجرة من تونس، وزرع الأخوة الثلاثة ما يمتلكون فيما بينهم، فكان نصيب سُليْمان الإبل، ونصيب جمعة الغنم، ونصيب الأقطع الماعز. أخذ سليمان الإبل وسار بها إلى أن استقر في منطقة وسط ليبَيا، ومن صلبه خرجت قبيلة (أولاد سليمان). وأخذ رضوان الأقطع الماعز وسار بها إلى أن استقر في شرق ليبَيا بمنطقة الجبل الأخضر، ومن صلبه خرجت قبيلة (القطعان). أمّا جمعة فاستقر في نواحي الفيوم بمصر، وسلالته تعرف اليوم بقبيلة (الجميعات).
ومن جديد.. هاجر بني سليم من شبة الجزيرة العَربيَّة إلى (وادي النيل) جنوبي مصر وبقوا هناك فترة ليست بقصيرة، وفي منتصف القرن الخامس الهجري تمكنوا من الخروج إلى ليبَيا حيث استقروا فيها على طول المناطق الممتدة من الشمال إلى الجنوب ومن الشّرق إلى الغرب. وهذا ما أشار إليه الدّكتور عبداللطيف محمود البرغوثي في كتابه: (التاريخ الإسلامي من الفتح الإسلامي حتَّى نهاية العصر العثماني) حيث أوضح..”.. في خارطة الحالة السكانيّة في ليبَيا بعد هجرة القبائل العربيّة إليها، واستقرار بني سليم فيها منذ منتصف القرن الخامس الهجري، بأن (أولاد سليمان) يستقرون بالمنطقة الممتدة من غريان شمالاً إلى فـَزّان جنوباً ومن ودَّان شرقاً إلى غدامس غرباً..”.
واليوم يقيم أولاد سليمان {.. في مناطق سرت وفـَزَّان ويتكونون من خمسة قبائل هي: الشريدات، اللهيوات، الميايسة، الزكاري، الجباير. كمَا تقيم عوائل من أولاد سليمان بكانم بتشاد والنيجر ومصر وتونس والجزائر. وترجع إلى أولاد سليمان الكثير من القبائل المنتشرة في أنحاء ليبَيا وتونس ومصر: كالزوايد بالخمس بليبَيا.. الخرجة بتونس، ويتفرع منهم: الخريجي، الوافــي، بنو عمارة، بالي، الزرايبة، الخبابشة، بنو ناجي الفقيه، والصهب بمصر…}.
كانت قبيلة (أولاد سليمان) في الحلف الذي يطلق عليه اسم (صف البر أو القِبْلة أو الصّف الفوقي)
وهو الحلف المكّون من سكّان الدواخل المناهضين لسّلطة الوالي العثماني..
والصّف المقابل لهم (صف البحر) يتكون من سكّان مدن الشريط السّاحلي.
ويصف الدكتور محَمّد الطوير (صف البحر)
بأنه: “..يتكون من القبائل التي كانت تقطن الشّريط السّاحلي، وأن تلك القبائل كانت تحت رحمة القوَّات العثمانيّة باستمرار، ممّا أجبرها على المثول لطاعة الدولة. ويطلق الأهالي تجاوزاً على هذا الصّف اسم (يوسُف) والصّف الآخر اسم (شداد) كمَا هو الحال في الجنوب التونسي والمنطقة الغربيّة والوسطى من ليبَيا..”.
عرف عن (أولاد سليمان) كثرة التنقل حافظاً على مصالحهم الإقتصاديّة
كمَا عرف عنهم الشجاعة ومقدرتهم الفائقة في الحرب، وقد كانت لهم انتفاضات كثيرة أو ثورات امتدت من مسلاته غرباً حتَّى إجدابيا شرقاً، ومن سرت شمالاً حتَّى أقصى الجنوب اللّـيبيّ. وقد وصفهم الحمداني نقلاً عن كتاب (برقة العربية، أمس واليوم)،
للطيب الأشهب، بما يلي: “.. مساكنهم ببرقة ممّا يلي الغرب وممّا يلي مصر، ومنهم الأبطـال الإنجاد والخيل الجياد..”.
رفض (أولاد سليمان) دفع الضرائب للأتراك ودخلوا معهم في صراع مرير لم ينته إلاّ بعد انسحابهم من ليبَيا بموجب إتفاقيّة لوزان – أوشي – الموقعة بين الطليان والأتراك في 18 أكتوبر/ تشرين الأوَّل 1912م.
عقد (أولاد سليمان) عبر تاريخهم الطويل عدة تحالفات قبلية حفاظاً على مراكز نفوذهم وسلطانهم أو تأميناً لمصالحهم الإقتصادية أو ضدَّ عدو ما. وقد تنوعت تحالفاتهم وفقاً لظروف كلّ مرحلة يعيشونها أو لطبيعة الصّراع أو ما تُمليه المنفعة والمصلحة.
وقد ظلّ تحالف (أولاد سليمان) مع القذاذفة وورفلّة
هو أقوى وأهمّ تحالف عقدوه عبر مراحل التاريخ المختلفة. كمَا كان لأولاد سليمان تحالف مع قبيلة (المغاربة من السعادي) شرق ليبَيا وهو التحالف الذي اعتمدوا عليه كثيراً في مراحل معينة من التّاريخ خصوصاً في مرحلة الجهاد ضدَّ القوَّات الإيطاليّة التي اجتاحت الأراضي الِلّـيبيَّة عام 1911م. ويذكر أن السِّيّد غيث كان قد زوج ابنته (إفطيمة) للسِّيّد الكيلاني الإطِيوش أحد كبار مشايخ المغاربة. ويضاف إلى ذلك العلاقات المتداخلة التي ربطتهم بقبيلة (العواقير) شرق ليبَيا خصوصاً بعد تصاهر القبيلتين.
اعتمد (أولاد سليمان)
إبّان {.. صراعهم ضدَّ الأتراك العثمانيين على تحالفهم
مع الشّيخ غومة زعيم المحاميد، ومع ترهونة بزعامة أحمـَد المريّض،
ومصراتة وسائر قبائل ورفلّة
والجبل الأخضر والمنطقة الوسطى
والعديد من زعماء القبائل الأخرى.
كان القذاذفة من أحلاف أولاد سليمان وكان لهم دور مهم في ثورة عبدالجليل سيف النّصر ضدَّ الوالي يوسُف باشا القرمانلي.
كمَا شاركت بفاعلية قبائل المغاربة والفرجان والزاوية ومعدان وأولاد وافي وأولاد عيسى والعبادلة وبركات والشهوبات في جل مراحل المقاومة إلى جانب أولاد سليمان.
أمّا قبيلة (ورفلّة) فقد كانت أساس عصبة أولاد سليمان مثل (القذاذفة)، فكان لورفلّة دور مهم في مقاومة الأتراك بصفة عامّة وفي ثورة عبدالجليل سيف النّصر بصفة خاصّة، فكانوا جنباً إلى جنب مع (أولاد سليمان) في جميع سائر الأمور..}.
وفي جانب آخر.. أمتهن (أولاد سليمان)
الرعي والزراعة والصناعة التقليدية
ثمّ أنشئوا علاقات متشابكة مع سلاطين أفريقيا وأمرائها بهدف إيجاد علاقات تجارية وسياسيّة لتأمين تجارة القوافل عبر الصّحراء، وتعزيز قوتهم ومواقع نفوذهم. ويذكر أن السّيِّد عبدالجليل سيف النّصر كان قد وقع عقداً تجارياً مع الفرنسيين في فترة الحكم العثماني لليبَيا، من أجل تأمين سير القوافل الصحراوية
بين فـَزَّان والجزائر. وجاء بخصوص علاقات أولاد سليمان الخارجيّة في كتاب الدّكتور محَمّد امحمد الطوير، ما يلي: {.. أن أغلب حالات الزواج التي تمّت داخل أسرة عبدالجليل كانت مع حُكام وقادة أفريقيا، كزواج عبدالجليل من أخت الشّيخ محَمّد الأمين الكانمي، وزواج أبنـه محَمّد من ابنة البشير وزير الشّيخ الكانمي، في الوقت الذي قام فيه عبدالجليل بتزويج معظم أخواته لحُكام وسط أفريقيا.
كانت للسّيِّد عبدالجليل سيف النّصر شيخ أولاد سليمان علاقات سياسيّة وإقتصاديّة متينة مع قنصلي بريطانيا وفرنسا بطرابلس الغرب…
كمَا كانت لأولاد سليمان علاقات خارجيّة مع الأقطار المجاورة لليبَيا إبان احتدام صراع السّيِّد عبدالجليل سيف النّصر ضدَّ الأتراك العثمانيين (1831م – 1842م) غير أن هذه العلاقات كانت تتفاوت في درجاتها ومنها على سبيل المثال:
الأمير عبدالقادر الجزائري الذي كان يجاهد الفرنسيين في غربي الجزائر، وكانت الرسائل تدور بينهما حول مرور الحجاج الجزائريين والمغاربة بفـَزّان.
أمير فاس السّلطان عبدالرَّحمن بن هاشم الذي كان يرتبط مع أسرة عبدالجليل برباط المصاهرة، حيث كانت عمته قد تزوجت من الأمير يزيد ثمّ زوّج عبدالجليل أخته إلى سلطان فاس.
ويذكر في هذا السّياق أن معظم أخوات عبدالجليل
كن متزوجات من أمراء فاس، وبورنو، والتبو، والطوارق.
محًمّد علي باشا والي مصر، فقد كانت للسِّيّد عبدالجليل علاقات مميزة معه كمَا جاء في مراسلاته..}
وعودة على علاقة أولاد سليمان بالسّلطة العثمانيّة.. اعترف القرمانليون في البداية بزّعامة أولاد سليمان على سرت وفـَزّان، وبعدما رفض شيخ القبيلة دفع الضرائب، أرسل الوالي حملة عسكرية كبيرة لمواجهة القبيلة وملاحقتها.
اعترف الوالي علي باشا القرمانلي بزعامة أولاد سليمان على سرت وفـَزّان بقيادة الشيخ سيف النّصـر، وبعد رفض الشيخ سيف النّصر دفع الضرائب، أرسل علي باشا القرمانلي أبنه الأكبر حسن بك على رأس حملة عسكرية كبيرة لمواجهة أولاد سليمان، انتهت بإنسحاب أولاد سليمان من سرت إلى الصّحراء مع نهاية أكتوبر/ تشرين الأوّل 1789م. وأستأنف يوسُف باشا القرمانلي في عام 1804م الصّراع مع أولاد سليمان الذين كانوا يحكمون فـَزّان دون الرجوع إلى طرابلس. وجه يوسُف باشا القرمانلي حملة عسكرية قوية ضدَّ أولاد سليمان تحت قيادة محَمّد المُكْنِي، وقد تمكن المُكْنِي من الوصول إلى مرزق. كانت فـَزّان تُحكم حكماً مباشراً من أولاد سليمان، وقد {.. أثارت ضمّ فـَزّان إلى طرابلس غضب الشيخ سيف النّصر الذي رفض توسيع حكم الأسرة القرمانلية في سرت وفـَزّان فتحالف مع قبائل المنطقة ودخل في قتال مرير حتى لقي مصرعه في عام 1804م على أثر معركة طاحنة ضدَّ قوَّات يوسُف باشا التي كان يقودها إبنه محَمّد بك ممّا دفع بمن بقى على قيد الحياة من أولاد سليمان إلى الإلتجاء إلى مصر، غير أنّهم عادوا منها بسرعة إلى سرت وفـَزّان تحت قيادة غيث وأحمـَد أبني الشيخ سيف النّصر، ولم يتوقفوا في زحفهم غرباً باتجاه مدينة طرابلس حتَّى مصراتة ممّا جعل الوالي يوسُف باشا يلجأ إلى الخديعة وبث الفرقة بين أولاد سليمان حيث تمكن بواسطتها من القضاء كلياً على قوَّة المذكورين بقتل كلّ من غيث وأخيه أحمـَد وأخذ عبدالجليل وسيف النّصـر أبنائه أسرى..}
ويذكر أن الشّيخ غيث بِن سيف النّصـر كان قد ثار على الأتراك ورفض الامتثال لأوامرهم وطاعتهم وقام بالتعرضِ لبعض السفن في البحر
فأرسل يوسُف باشا ابنـه محَمّد بيك إليه، فحاربه حرباً شديدةً إلى أن قتله وقتل أخوه أحمـَد وكان ذلك في عام 1808م، كمَا أخذ أثنين من أبنائه (عبدالجليل وسيف النّصر) أسرى إلى طرابلس، ونجا أبنه الأكبر (عُمر) الذي كان وقتئذ بقرو في تشاد التي هاجر إليها قبل ذلك التاريخ. وقد سبق لقوَّات يوسُف باشا القرمانلي
أن قتلت في عام 1804م
الشّيخ سيف النّصـر أب (غيث) ثمّ قامت في عام 1812م بقتل الشّيخ عمر أخ غيث بن سيف النّصر
في ترهونة بوسيلة تسميم الأكل.
وفي عام 1820م، عُيِنَ الشّيخ عبدالجليل سيف النّصـر واليّاً على فـَزّان. عين يوسُـف باشا، الشّيخ عبدالجليل الذي تربي في قصره.. {.. كوالٍ في عام 1820م.
وعندما بدأت الدولة القرمانلية في التّصـدع نتيجـة الدّيـون الخارجيّة والصّـراع حول العرش داخل الأسرة، استقل عبدالجليل بحكم فـَزّان مدعومـاً بحلفائـه في الصّف الفوقي: أولاد سليمان وورفلّـة وقذاذفة وسكّان ودّان وهون في الجفـرة.
وبين الأعوام 1246 هجري- 1258 هجري/ 1830م – 1842م حاول الشّيخ عبدالجليل سيف النّصـر والي فـَزّان وزعيم قبيلة أولاد سليمان، الذي نجح في توطيد تحالفاته مع سلاطين وأمراء بلاد السّودان أن يقيم دولة جديدة في فـَزَّان وأن يستقل عن الدولة القرمانلية. وقد نجح في أن يصبح الحاكم الفعلي لفـَزّان في مرحلة الإضطراب السّيَاسي داخل الأسرة القرمانلية وحربها ضدَّ الجيش العثماني التي بدأت في عام 1251 هجري/ 1835م واستمرت حتَّى عام 1258 هجري/ 1842م… ووجد في الحكومة الفرنسيّة بعض الإهتمام لمواجهة المنافسة الإنجليزية في الصّحراء الكبرى، غير أنّ مصرع عبدالجليل أدّى إلى وأد طموحاته بشأن استمرار استقلال إقليم فـَزّان عن طرابلس..}.م11
ومن جديد.. أخذ يوسُف باشا القرمانلي كلّ من: عبدالجليل وسيف النّصـر أسرى، وترعرع كلاهما في قصره. كان يوسُف باشا يتطلع إلى كسب ودّ أولاد سليمان عن طريق رعايته لولدي غيث، ولكن أولاد غيث – وبالرَّغم من الثقة التي منحهم إياها يوسُف باشا – كانا يضمران في نفسهما كراهية شديدة لشخص الوالي كونه هو قاتل والدهما وعمّهما وجدهما.
ثأر عبدالجليل عام 1831م ثورة عارمة ضدَّ الولاة العثمانيين
وهي ثورة – وكمَا سبق وإن أسلفنا – يعتبرها الدّكتور محَمّد الطوير..”.. نموذجاً لتجسيد الصراع بين اللّـيبيّين وبين العثمانيين، ومن الثورات اللّـيبيّة التي هزّتْ النّفوذ العثماني وزعزعت أركانه قبل مغادرته البلاد..”.
زحف الشّيخ عبدالجليل مع حلفائه (من قبائل ورفلّـة والقذاذفة والمغاربة وسكان واحتي ودّان وهون)
وغومة المحمودي، باتجاه مصراتة وطرابلس وبسط نفوذه على مناطق واسعة من البلاد. وأصدر المراسيم بصفته سلطان لفـَزّان، وطبع عملة باسمه (عبدالجليل – سلطان فـَزان). وفي جانب أخر.. كان الشّيخ عبدالجليل شاعراً شعبياً من طراز رفيع، وكان لديه شاعراً خاصّاً بـه كشأن سائر الملوك والسلاطين، وشاعره كان يهودياً يدعى (نسيم).
وربّما استطرد هنا، لاقف عند مقدرة نسيم الفائقة في الشعر، ففي ذات مرَّة تحدى عبدالجليل رفاقه وأبناء قبيلته ببيت شعر، أرد منهم حل اللغز الذي جاء به، واشترط عليهم أن يقوموا هم بحل اللغز الذي جاء في البيت، ببيت شعر، ولا يشركوا نسيم معهم، لأنّه يعرف بأن نسيم قادرُ على حله. عجز رفاقه وأبناء قبيلته على القيام بذلك، فألحوا على نسيم وأغروه ليقول شيئاً، ثمّ وعدوه بأن لا يخبروا الشّيخ عبدالجليل الذي توعدوه أن قام هو بذلك. والبيت الذي طلب الشّيخ عبدالجليل برد عليه، جاء كمَا يلي:
سرير أجدلي ما لا علم لا مورد *** سرابه على روس العلاوي دورد
ويقصد عبدالجليل من كلمة سرير: (الصحراء)، وأجدلي ما لا علم لا مورد أي ليست هناك إشارة أو علامة دالة عليه، ويقصد عبدالجليل من البيت بمجملة: أن ساحة البلاد أصبحت فارغة من الزَّعامات. وبعد وقت، جاء الرفاق إلى عبدالجليل، فقالوا له ما لقنه نسيم لهم: سرير أجدلي ما لا علم لا ماير… سرابه على روس العلاوي حاير… يبغي ولد كيفك ادماغه فائر… الخرده قصوده والفتيل امبورد…
عرف عبدالجليل أن القائل هو نسيم وليسوا هم، وصمم على تنفيذ ما اشترطه عليهم، ولكنه عفا عن نسيم في نهاية الأمر، وبعد أن قال له: مطلع البيت القائل: (ذمي ولد ذمي وتحت الذمة).
على أيّة حال.. فكر الأتراك الذين خالفوا أفراد الأسرة القرمانلية في مصالحة عبدالجليل ثمّ تقدموا بطلب..
{.. عقد الصلح مع عبدالجليل، وكان هدفهم من ذلك تجميع قوَّاتهم من هنا وهناك لشن المعارك الطاحنة كمَا حدث في سنة 1839م وسنة 1842م ممّا أدّى إلى مصرع عبدالجليل وأخيه سيف النّصـر برفقة أبرز أنصارهما، إلاّ أن من بقى على قيد الحياة من أبنائهما وبعض العرب الثائرين الآخرين، قاموا معاً بكلّ جد على الإستمرار في تحدي الأتراك والعمل على استمرار روح الثورة التي كان عبدالجليل قد أشعلها من قبل… ويذكر أن عدد من أفراد قبيلة أولاد سليمان والقبائل المتحالفة معهم كانوا قد نزحوا نَحوْ الأراضي التشادية إثر مقتل عبدالجليل وأخيه سيف النّصـر.
بعد التصفية الجسدية لآل عبدالجليل وعدد من الأشخاص المتحالفين معهم، فإنّ البقية الباقية منهم، لجأت إلى الهجرة الجماعية – قدّرتها المصادر التركيّة بنحو (1000) ألف شخص – نَحوْ الأراضي التّشاديّة التي كانت تعرف باسم أرض القبلة وبر العبيد والسّودان وبر نوح (بورنو)، وقد كانت عملية النزوح إليها مفاجئة وعلى نطاق واسع.
كانت القبائل النازحة تعمل على أن تكون قادرة على تحدي القوَّات التركيّة كمَا كان عليه الحال إبّان قيادة عبدالجليل، وهو ما دلت عليه معركة أم الأرانب في سنة 1844م، ثمّ الصّراع الدموي الذي دار لمدة طويلة بين أولاد سليمان والقبائل المتحالفة معهم من جهة والأتراك ومن أنضم إليهم من القبائل الأخرى من جهة ثانيّة، داخل بادية سرت بفضل عودة بعض أفراد أسرة سيف النّصر من الأراضي التّشاديّة بصورة مفاجئة بالرّغم من المساعي العديدة التي بذلتها الإدارة التركيّة من أجل منعهم من القدوم إلى ديارها، حيث ظلّت عملية الصّراع بين الطرفين مستمرة حتَّى عام 1911م عندما بدأ الغزو الإيطالي على الأراضي الِلّـيبيَّة وانسحبت تركيا على إثر ذلك نهائياً بموجب إتفاقيّة لوزان – أوشي – الموقعة بينهما في 18 أكتوبر/ تشرين الأوَّل 1912م، فاتجه عبدالجليل وأخوه أحمَد سيف النّصـر بِن سيف النًّصـر بن غيث بن سيف النّصـر (أحفاد عبدالجليل) اللذان صقلتهم تجربة الصّراع ضدَّ الأتراك العثمانيين إلى مقاومة الغازي الجديد، والمتمثل في القوَّات الإيطاليّة، ولم يُلق المذكورين السّلاح حتَّى غُلبوا نهائياً على أمرهم في سنة 1930م بمعركة الكفرة بجنوب البلاد…}.م12
لجأ أحمـَد، وعُمر أخيه الشقيق، إلى تشاد، بينما لجأ عبدالجليل وأخويه: أمحمد ومحَمد إلى مصر. هاجر أولاد سيف النّصـر إلى تشاد ومصر، على أمل العودة مجدّداً إلى ليبَيا، وتحقق أملهم على إثر إندلاع الحرب العالميّة الثّانيّة.
والحاصل..
استمرت مقاومة اللّـيبيّين المسلحة أو ما يسمّى اصطلاحاً بـ(حرب العصابات) مدة عشرين سنة، ولم يبق المستعمر الإيطالي في ليبَيا بعد انتهاء الاشتباك المسلح المباشر معه أكثر من اثنتي عشرة سنه، وخلال هذه المدة خاض اللّـيبيّون بقيادة الأمير إدرْيس السُّنوُسي معركة سياسيّة ناجحة بكلّ المعايير، وقد أثمرت في نهايتها، بإعلان إستقلال ليبَيا في الرابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأوّل من عام 1951م، وتتويج الأمير إدرْيس ملكاً على البلاد.
تميزت ليبَيا دون غيرها من بلدان المنطقة التي ابتليت بالاستعمار، في الأسلوب والطريقة التي قاومت بها المستعمر. فقد دخل اللّـيبيّون في حرب ضروس مع القوَّات الإيطاليّة المستعمرة منذ دخول تلك القوَّات الأراضي اللّـيبيّة – حرب مسلحة امتدت لأكثر من عشرين عاماً. ويذكر أن المقاومين في البلدان الأخرى سلكوا سبل المطالبة ثمّ الاحتجاج الذي نتج عنه بعض الصدامات المتفرقة مع المستعمر، وظلّ المستعمر قابضاً مسيطراً على تلك الدول عقوداً طويلةً من الزمان إلى أن تغيرت موازين القوى في العالم ثمّ عُدلت خرائط العالم في اتفاقيات دوليّة منحت تلك الدول الفرصة لنيل إستقلالها. ومن بين دول منطقتنا التي ابتليت بالاستعمار، هناك دول قدمت الآلاف المؤلفة من الضحايا والشهداء إلاّ أن جبهة المقاومة المسلحة لم تنتظم في تلك الدول، في جبهة واحدة، لتقود الثورة، إلاّ بعد مرور (120) مائة وعشرين سنة على الإحتلال. ومن المعلوم، أن المستعمر تمكن من البقاء والاستقرار في البلدان العربيّة التي اُحتلت مدد من الزمن تراوحت ما بين (132) مائة واثنتين وثلاثين سنة و(46) ستة وأربعين سنة، بينما لم يتمكن المستعمر الإيطالي من البقاء في ليبَيا أكثر من (32) اثنتين وثلاثين سنة حيث طرد آخر جندي إيطالي من الأراضي الليبيّة في يوم 25 يناير/ كانون الثاني 1943م، أثر انتصار الحلفاء على المحور، وقد كان جيش التحرير الوطنيّ (الجيش السُّنوُسي) جزءاً من قوَّات الحلفاء حين اندلعت الحرب العالمية الثانية (1939م – 1945م). وتمكن اللّـيبيّون بعد طرد الإيطاليين، وفي أقل من عشر سنوات من حكم الإدارة العسكريّة الأجنبيّة، من الحصول على استقلال بلادهم وتحقيق وحدتها وسيادتها.
وفي الجانب السّياسي.. كانت تجربة السِّيّد إدرْيس السُّنوُسي النضاليّة السّياسَيّة تجربة رائدة بكلّ المعايير والمقاييس، والأنجح على مستوى التَّحرك السّياسي لشعوب العالم الساعية إلى التحرر والإستقلال. لم يتحرك الأمير إدرْيس السُّنوُسي من.. {.. منطقة ردود الأفعال أو نظرة تتجاوز واقع الإمكانيات ومراكز القوى وطبيعة الأوضاع السّياسيّة السّائدة آنذاك إنّما انطلق في حركته من نظرة واقعية ورؤية واضحة مصاغة في مشروع سياسي محدد الأهداف ومنضبط المسار. وكان مؤمناً بضرورة الاتصال والتواصل مع هيئات المجتمع الدّوليّ، والاستفادة من صراعات الدول الكبرى.. ومؤمناً بسياسةِ (خذ وطالب) مقدراً حدود تأثير حركته وحجم القوة التي يمتلكها، وهذا الإيمان جعله شديد الواقعيّة حريصاً على المشورة ووحدة الصّف راجياً النصرة والعون من الله سبحانه وتعالي في المقام الأوّل والأخير، كذلك، جعله يُوظف المُتاح له من الإمكانيات توظيفاً رائداً ويكسب بحنكته رهانات صعبة في ظلّ ظروف أصعب. وأكاد أجزم، أن تجربة الأمير إدرْيس السُّنوُسي السّياسيّة في المنفى، لو وضعت في كتاب لاستفاد منها الكثيرون، ولربّما حقق الفلسطينيون عبر الاستفادة منها ومن ودروسها، ما عجزوا عن تحقيقه منذ عام 1948م إلى الآن.
وبالفعل، تعد التجربة اللّـيبيّة السّياسيّة التي قادها الأمير إدرْيس من منفاه في مصر، الأبرز في تاريخ المنطقة والأنجح على مستوى التحرك السّياسي لشعوب العالم الساعية إلى التحرر حيث أن ليبَيا هي أوَّل دولة تصدر الأمم المتحدة قراراً بشأن إستقلالها، وتعمل بجد من أجل تنفيذه وينفذ قبل الموعد الأقصى الذي حددته. فقد أصدرت الجمعيّة العامـّة للأمم المتحدة في الدورة الـرّابعة المنعقدة بتاريخ 21 نوفمبر/ تشرين الثّاني 1949م، قراراً يحمل رقم (289) ويقضي بإستقلال ليبَيا بأقاليمها الثلاث (برقة، وطرابلس، وفزَّان) في تاريخ أقصاه يناير/ كانون الثّاني 1952م. وتحقق الاستقلال في الرَّابع والعشرين من ديسمبر/ كانون أوّل من عام 1951م، يوم أن أعلن الملك إدرْيس السُّنوُسي من شرفة قصر المنار بمدينة بنغازي، إستقلال ليبَيا، وليبَيا أصبحت منذ اليوم دولة حرَّة مستقلة ذات سيادة..}.م13
وبعد هذا الاستطراد، نعود مجدّداً إلى قبيلة (أولاد سليمان)، فقد اصطدمت القبيلة بقوَّات الغازي الإيطالي بمجرّد وصول تلك القوَّات منطقة وسط ليبَيا، وخاضت بقيادة آل سيف النّصر ورفقة القبائل المتحالفة معها حرباً طويلة اتسمت بطابع الكر والفر دامت لأكثر من عشرين عاماً. اضطر المجاهدون بقيادة أحمـَد وعبدالجليل سيف النّصـر إلى الهجرة مجدّداً إلى مصر وتشاد بعد هزيمة (واو الكبير) عام 1929م. فقد قاد أبناء سيف النّصر أحفاد عبدالجليل مثل.. {.. أحمـَد وعبدالجليل وعُمر المقاومة في الجفرة وفـَزّان. نجحت المقاومة القبلية وخصوصاً في حرب عصابات لدراية المقاومة بجغرافية المنطقة وتعاون الأهالي ضدَّ الجيوش الإيطاليّة. ولكن المقاومة القبلية نجحت فقط في إبعاد تقدم الجيش الإيطالي وخصوصاً في معارك تاقرفت في 4 مارس/ آذار 1928م وعافية في 31 أكتوبر/ تشرين الأوّل 1928م. ولكن القبائل المقاومة: (أولاد سليمان، وورفلّة، القذاذفة، الزنتان، وأولاد بوسيف، والمشاشية)، لم تكن قادرة على الصمود في وجه الجيش الإيطالي الحديث ولتواطو مجندين ليبيّين معه. استخدم الجيش الإيطالي الطائرات والغازات السامة لضرب المقاومة، وفعلاً اضطرت القبائل المقاومة في نهاية عام 1930م إمّا لتسليم سلاحها أو للهجرة إلى تشاد، وتونس، ومصر، والسّودان..}.م14
كانت هجرة الشّيخ عبدالجليل إلى مصر أمّا الشيخ أحمـَد فقد اتجه إلى تشاد. ويذكر أن أبناء عائلة (سيف النّصـر) قد هاجروا إلى تشاد مرتين، الأولى: في (العهد القرمانلي)، والثّانيّة: في العهد الإيطالي. ويلاحظ، أن تأثير أبناء العائلة في المجتمع التشادي آنذاك كان أكبر بكثير من تأثرهم هم به، والملفت للنظر أن اسماً واحداً فقط من بين أسماء أبناء العائلة الكثيرة سُمّي باسم غير متداول بين اللّـيبيّين ولكنه متداولاً في تشاد، والاسم هو (ساني) بِن عبدالسّلام بن حمد بن غيث بن عبدالجليل (القارة) بن غيث بن سيف النّصـر. ويبدو أن (ساني) المُسمّى عليه إمّا أنه كان شخصاً بارزاً في المجتمع التشادي أو صاحب فضل على أحد أبناء عائلة سيف النّصـر، ولذا أطلقت العائلة أسمه على أحد أبنائها. (يرجى إعادة النظر في المرفق الخاصّ بشجرة عائلة سيف النّصر).
وقد حدث، أن هاجر بعض أولاد سليمان إلى مصر أثناء ثورة عبدالجليل على الأتراك، وكان من ضمنهم، الفارس الشهير (أبوخزام) والذي رثاه عبدالمطلب الجماعي (خال أبوخزام) في قصيدة شعبيّة تعد من أروع قصائد الشعر الشعبي. ولأولاد سليمان علاقة تاريخيّة بمصر، حيث لازالت هناك قرية في الشرقية بمصر يطلق عليها اسم (سليمان سيف النّصـر) وقد تمّ ذلك في عهد محَمّد علي.
على أية حال.. اتجه الشيخ أحمـَد إلى تشاد، وشد الشّيخ عبدالجليل الرحال إلى مصر. وكان الشّيخ عبدالجليل من بين المؤسسين الذين قام على أكتافهم (الجيش السُّنوُسي)، الجيش الذي تأسس في التاسع من شهر أغسطس/ أب من عام 1940م في مصر، بغرض خوض الحرب العالميّة الثّانية إلى جانب قوَّات (الحلفاء) لطرد المستعمر الإيطالي من الأراضي الِلّـيبيَّة.
ويذكر أن الأمير إدرْيس السُّنوُسي كان قد طلب من الشّيخ أحمـَد سيف النّصـر التعاون مع القوَّات الفرنسيّة المنضوية تحت قيادة الحلفاء (بريطانيا، أمريكا، الإتحاد السوفيتي، فرنسا) لخوض الحرب ضدَّ قوَّات المحور (إيطاليا، ألمانيا، اليابان). استجاب الشّيخ أحمـَد لطلب الأمير، وقام بتجنيد قبائل أولاد سليمان والقذاذفة وورفلة وزوية المقيمين آنئذ في تشاد والنيجر، وقامت القوَّات الفرنسيّة بتدريب هؤلاء وتسليحهم، لتدخل هذه القوَّات بقيادة الشّيخ أحمـَد تحت مظلة قوَّات فرنسا الحرَّة بقيادة الجنرال لوكليرك في 3 يناير/ كانون الثّاني 1943م إلى إقليم فـَزّان.
انتصرت قوَّات الحلفاء على المحور، وانهزمت إيطاليا، واتفق الإنجليز والفرنسيون إثر اندحار القوَّات الإيطاليّة على أن يخضع إقليمي (طرابلس وبرقة) لحكم بريطاني، ويخضع إقليم (فـَزّان) لحكم عسكري فرنسي مباشر، حتَّى تنتهي الحرب كلياً فيتقرر بعدئذ مصير المستعمرات الإيطاليّة، عقب الصلح والتفاوض مع إيطاليا.
وبعد هزيمة إيطاليا، أعلن عن الشّيخ أحمـَد سيف النّصـر بِن سيف النّصـر حاكماً على فزَّان، وساهم هو وأخوته وعدد من أفراد العائلة في كافة الأعمال الوطنيّة التي أدّت إلى استقلال البلاد ثمّ ساهموا جميعاً في تأسيس الدولة الِلّـيبيَّة الحديثة تحت تاج الملك إدرْيس السُّنوُسي.
فرح الشّيخ أحمـَد سيف النّصر باندحار القوَّات الإيطاليّة وخروجها من ليبَيا، وكأن لسان حاله كان يردد ما قاله الشّاعر عبدالسّلام قادربوه (15):
لسوف أبقى شامخاً أرنو لأحداث الزمان
لسوف أبقى يا زمان..
حتَّى وإن كنت بماضيَّ شعاراً للهوان
وتمثلت في راحتيّ مذابح الليل البعيد
والظـلم والإرهـاب والحـكـم الـعـتيـد
و(مشانق) نصبت لقومي
والضحـايا والـدمـوع..
ومساوىء العـهد المروّى بالصـديد
ليـل الطغـاة..
عهد (غراتسياني) العـنيد
ومضـت يا دهـر آهـات العـبيد..
وترقبت عيناي نور الفجر.. والصبح الوليد
لسوف أبقى يا زمان..
لسوف أبقى شاهداً لمبادىء النور الجديد
لا كالذي مرَّ بعمري والهوان
بل روضـة فيها أمانيّ البـلاد
ومنابـر الحـق.. لا للظـلم والقـهـر العتيـد
ومنارة تهدي الحيارى للطريق
للغاية الكبرى، لآمال البلاد
بيـومي الـزاهـي السعـيـد
لسوف أبقى شاهداً لتقـدم العهـد الجديـد
وفي الختام، وكمَا أسْلَفتُ.. ليس عنوان هذه الدّراسة ولا محتواها دور آل سيف النّصر ومواقفهم إبّان الحكم العثماني لليبَيا إنّما عنوانها ومحتواها جهادهم ضدَّ المستعمر الإيطالي ودورهم في تحرير ليبَيا ثمّ بناء دولتها الحديثة. وهذا ما أمل الإتيان به في عرض أرجو أن يكون مفيداً شيقاً لا مملاً مكرراً لا يقدم جديداً.. فالله أدعو أن يكون التَوْفيقَ إلى جانبي. وَمَا تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.