فنون و ادب

“أم كلثوم سيدة الطرب العربي وتاريخ من الأسرار الفنية التي لم تُروَ بعد”

 

 

كتبت شيماء طه

 

تُعد أم كلثوم واحدة من أهم الرموز الفنية في العالم العربي، وصوتًا تخطّى حدود الزمن ليستقر في ذاكرة الشعوب. وُلدت السيدة أم كلثوم إبراهيم عام 1904 في محافظة الدقهلية، ونشأت في بيئة بسيطة ريفية شكّلت شخصيتها الصلبة وصوتها القوي. ومع مرور الزمن أصبحت “كوكب الشرق” ليس فقط لتميّزها الفني، بل لذكائها الإداري وحضورها السياسي والثقافي الذي غيّر شكل الفن العربي.

تميزت أم كلثوم بصوت فريد قادر على الوصول إلى طبقات عالية دون فقدان الدفء أو القوة، مما جعلها تتفوّق على جميع مطربات زمنها. وقد بدأت حياتها الفنية وهي ترتدي الزي الرجالي، إذ كانت ترافق والدها في حفلات الإنشاد الديني، وهو أمر قليل يعرفه الجمهور. هذا الأسلوب ساعدها على إتقان المقامات الشرقية والتطريب الكلاسيكي قبل أن تتجه إلى الفن المدني.

 

من أهم الجوانب المجهولة عن أم كلثوم أنها كانت تهتم بـ تسجيل بروفة أي أغنية قبل تقديمها رسميًا، وكانت تستمع إليها بنفسها وتدقق في كل جملة. كانت تعيد الحفلة الواحدة عدة مرات بصياغات مختلفة، وهذا أحد أسرار نجاحها المستمر.

 

كما كانت أم كلثوم تمتلك قدرات إدارية نادرة؛ فقد أسست شركة إنتاج خاصة بها في وقت لم تكن النساء تدخل فيه مجال الاستثمار الفني. وكانت تدير حفلاتها بدقة شديدة، وتختار الشعراء والملحنين بعد جلسات مفاوضات مطوّلة لتعطي أغانيها أفضل شكل ممكن. وتدل وثائق قديمة على أنها كانت تُدخل تعديلات على بعض الكلمات واللحن حتى تصل للأداء الذي تريده.

 

وأحد الجوانب غير المشهورة في حياتها هو اهتمامها بالعلم والثقافة. فقد كانت تقرأ في التاريخ والأدب والفلسفة، وامتلكت مكتبة ضخمة في منزلها تضم كتبًا نادرة. كما كانت تتحدث الفصحى بطلاقة وتناقش المثقفين في قضايا فكرية وسياسية.

 

أما على المستوى السياسي، فقد لعبت أم كلثوم دورًا كبيرًا في دعم الدولة المصرية، خاصة في فترة الحرب. قدّمت عشرات الحفلات لصالح الجيش وجمعت تبرعات ضخمة. وقد أشاد بها رؤساء وملوك العالم العربي لدورها الوطني.

 

ومن المعلومات الجديدة نسبيًا التي كشف عنها باحثون مؤخرًا أن أم كلثوم كانت تستعمل أسلوبًا خاصًا في التدريب الصوتي يعتمد على الغناء في غرف مغلقة تمامًا لرفع قوة صوتها وزيادة تحكمها بالنَفَس. هذا الأمر كان وراء قدرتها على الإمساك بجملة طويلة دون انقطاع، وهو ما ميزها عن باقي مطربي عصرها.

 

كما كشفت مذكرات بعض المقربين أنها كانت تمتلك قدرة نادرة على تمييز الطبقات الصوتية بدقة، إذ كانت تستطيع معرفة نوع “الوتريات” أو الآلات المستخدمة في الفرقة من مجرد سماع بسيط، حتى لو تغيّر العازف نفسه.

 

وفي الختام، تبقى أم كلثوم أيقونة فنية عالمية أثرت في الوجدان العربي لعقود، وما زال صوتها حاضرًا بأغانيها الخالدة التي تحمل جمال اللحن والمشاعر والعبقرية الفنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى