حكاية أول حرب باردة بعد الحرب العالمية الثانية.. الحرب الكورية 1950-1953 وما خلفته من انقسام أبدي

في صيف عام 1950، استيقظت شبه الجزيرة الكورية على أصوات المدافع وانفجار الحرب، حيث بدأت واحدة من أعنف النزاعات التي عرفها القرن العشرون، الحرب الكورية 1950-1953، والتي اعتبرت أول مواجهة دولية كبرى بعد نهاية الحرب العالمية الثاني، لم تكن مجرد معركة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، بل تحولت إلى ساحة صراع بين المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي والصين، والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة.
حكاية أول حرب باردة بعد الحرب العالمية الثانية
تعود جذور الانقسام إلى أوائل القرن العشرين، حين سيطر الاحتلال الياباني على كوريا عام 1910. ومع هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945، استعاد الكوريون حريتهم لكنهم دخلوا في فصل جديد من الانقسام، فالاتفاق بين الحلفاء على تقسيم شبه الجزيرة عند خط العرض 38 جعل الشمال تحت النفوذ السوفيتي بنظام شيوعي بقيادة كيم إيل سونغ، بينما سيطر الأميركيون على الجنوب وأسسوا نظامًا رأسماليًا بقيادة سينغمان ري. وبحلول عام 1948، ظهرت دولتان مستقلتان، كل منهما تدّعي أحقيتها في حكم كامل التراب الكوري.
في 25 يونيو 1950، اندلعت شرارة الحرب عندما هاجمت قوات كوريا الشمالية، التي بلغ عددها 75 ألف جندي مدججين بالأسلحة السوفيتية، الجنوب بشكل مفاجئ. سقطت العاصمة سول خلال ثلاثة أيام فقط، وبدت كوريا الجنوبية على وشك الانهيار، لكن التدخل الدولي قلب المعادلة. فقد أرسلت الأمم المتحدة، بقيادة الولايات المتحدة، قوات لدعم الجنوب، وقاد الجنرال ماك آرثر هجومًا بحريًا جريئًا في إنتشون أجبر القوات الشمالية على التراجع.
غير أن التوسع الأميركي حتى حدود الصين أثار رد فعل حاسم. ففي أكتوبر 1950، أرسل الزعيم الصيني ماو تسي تونغ جيشًا ضخمًا لدعم كوريا الشمالية، لتتغير موازين القوى مجددًا ويبدأ الجنوب وحلفاؤه في التراجع، ومع حلول منتصف 1951، دخلت الحرب مرحلة من الجمود الدموي استمرت سنوات، وخلفت ملايين القتلى والجرحى.
خشية من اندلاع حرب عالمية جديدة قد تصل إلى استخدام السلاح النووي، بدأت مفاوضات الهدنة عام 1951. وبعد عامين من المباحثات الصعبة، جرى توقيع اتفاقية الهدنة في 27 يوليو 1953 في بانمونجوم، والتي أوقفت القتال ورسمت منطقة منزوعة السلاح على طول خط العرض 38. حصلت كوريا الجنوبية على أراضٍ إضافية، بينما سُمح للأسرى باختيار مصيرهم.
ورغم توقف المعارك، لم يتحقق السلام الحقيقي، فقد بقيت الكوريتان منقسمتين حتى اليوم، وتحولت الحرب الكورية إلى رمز للتوتر الدولي، ورسخت مكانة الولايات المتحدة والصين كقوتين مهيمنتين في آسيا. ولا تزال آثار ذلك الصراع حاضرة، حيث لم يتم توقيع معاهدة سلام نهائية حتى الآن.



