تاريخ ومزارات

جبلة بن الأيهم الغساني: آخر ملوك الغساسنة بين الولاء والرحيل

أسماء صبحي – في ذاكرة تاريخ بلاد الشام يظل اسم جبلة بن الأيهم الغساني واحدًا من الأسماء التي ارتبطت بتحولات مصيرية عاشها العرب عند انتقالهم من مرحلة التحالف مع القوى البيزنطية إلى الانخراط في الدولة الإسلامية. ينتمي جبلة إلى قبيلة بني غسان التي هاجرت من اليمن إلى الشام قبل الإسلام. واستطاعت أن تقيم واحدة من أقوى الممالك العربية المتحالفة مع الروم. ورغم مجده السياسي ومكانته الكبيرة فإن نهايته عكست صراع الهوية والاختيار الذي واجه كثيراً من زعماء القبائل العربية في ذلك العصر.

الغساسنة ودورهم في الشام

قبيلة بني غسان لعبت دوراً محورياً في شمال الجزيرة والشام منذ القرن الرابع الميلادي حين نزحوا من اليمن ليستقروا في حوران والجولان. وكانوا حلفاء أوفياء للبيزنطيين وتولوا حماية الحدود الشرقية للإمبراطورية الرومانية ضد غزوات القبائل العربية الأخرى مثل المناذرة حلفاء الفرس. وبفضل قوتهم العسكرية والتنظيمية أسسوا إمارة مزدهرة في الشام امتدت نفوذها إلى بصرى ودمشق وأجزاء واسعة من حوران.

في هذا السياق ولد جبلة بن الأيهم، الذي ورث الزعامة عن أسلافه. وأصبح آخر ملوك الغساسنة في فترة حساسة تزامنت مع ظهور الإسلام وانتشاره في الجزيرة والشام.

لقاء جبلة بن الأيهم الغساني بالإسلام

بعد فتح المسلمين لبلاد الشام في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وجد جبلة نفسه أمام واقع جديد. فلم يعد التحالف مع البيزنطيين ضمانة للبقاء.خاصة بعد هزيمتهم في معركة اليرموك. حينها أعلن جبلة بن الأيهم إسلامه وانضم إلى معسكر المسلمين لكنه لم يستمر طويلاً في هذا القرار.

الروايات التاريخية تذكر حادثة شهيرة في الحج حين وطئت رجل أحد الأعراب إزاره فلطمه جبلة. ولما اشتكى الأعرابي إلى الخليفة عمر بن الخطاب، أمر الخليفة أن يقتص منه الأعرابي. رفض جبلة أن يقبل هذا الموقف معتبراً أنه لا يليق بملك قبيلة كبيرة أن يقاد إلى القصاص كأي رجل من عامة الناس. غادر على إثرها المدينة المنورة متوجهاً إلى القسطنطينية حيث عاد إلى أحضان البيزنطيين وتنصّر من جديد.

شخصية جبلة بين البداوة والحضارة

جبلة يمثل نموذجاً معبّراً عن صراع الهوية الذي عاشته قبائل الشام في تلك المرحلة. فقد كان رجلاً ذا مكانة رفيعة تربى في كنف الملوك والحياة الحضرية. لكنه ظل يحمل العصبية القبلية والاعتداد بالنفس الذي ميز زعماء العرب. وهذا التناقض جعله غير قادر على التكيف مع مبادئ المساواة التي جاء بها الإسلام. حيث لا فرق بين ملك وأعرابي إلا بالتقوى والعمل الصالح.

أثره في الذاكرة التاريخية

رغم أن جبلة بن الأيهم لم يترك إرثاً سياسياً كبيراً بعد هجرته، إلا أن قصته تحولت إلى رمز يستحضر في كتب التاريخ والأدب العربي. فهي تعكس المعضلة التي واجهت بعض زعماء القبائل عند الانتقال من نظام التحالفات القبلية والولاء للإمبراطوريات الكبرى. إلى نظام الدولة الإسلامية القائمة على الشريعة والعدل والمساواة.

كما أن الغساسنة أنفسهم ظلوا جزءاً من الذاكرة العربية في الشام. فقد ساهموا في تعريب المنطقة ونشر المسيحية الشرقية قبل الإسلام وكانوا جسراً بين العرب والروم. ثم اندمج كثير من بطونهم لاحقاً في المجتمعات الإسلامية بعد الفتح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى