الزي السيناوي: هوية قبائل سيناء التي لا تمحى
أسماء صبحي – لا تزال الملابس التقليدية للقبائل في مصر تمثل رمزًا واضحًا للهوية الثقافية والتاريخية، لاسيما في المناطق البدوية والصعيدية. ويعد الزي السيناوي من أبرز هذه الأزياء التي لا تعكس فقط الذوق الفني والجمالي. بل تحكي أيضًا قصص الانتماء والجغرافيا والتاريخ، خاصة في ظل خصوصية موقع سيناء وتنوع قبائلها بين الشمال والجنوب.
تختلف أنماط الزي بين الرجال والنساء، وبين قبائل مثل الترابين، والسواركة، والجبالية ولكن يجمعها احترام التقاليد والمحافظة على الأصالة.
مكونات الزي السيناوي للرجال
يتسم زي الرجال في قبائل سيناء بالبساطة والعملية، بما يتناسب مع طبيعة الحياة الصحراوية القاسية. وأبرز ملامحه:
- الجلباب أو “الثوب” وهو زي طويل غالبًا ما يكون باللون الأبيض أو البيج. مصنوع من أقمشة خفيفة تناسب حرارة الصحراء.
- العباءة وترتدى في المناسبات، وتكون غالبًا مصنوعة من الصوف أو الكشمير. وتوين بخيوط ذهبية أو فضية.
- الشماغ أو “الغترة” وهي غطاء الرأس التقليدي. وتأتي غالبًا باللون الأحمر والأبيض أو الأبيض فقط، وتثبت بـ”العقال”.
- الحزام الجلدي ويستخدم أحيانًا لحمل الخنجر أو النقود، كما يضفي طابعًا رجوليًا على المظهر العام.
يعبر هذا الزي عن احترام القبائل لتقاليدها، ويرمز أيضًا إلى المكانة الاجتماعية. فبعض العباءات الموشاة ترتدى فقط في المناسبات الكبرى أو من قبل الشيوخ.
تفاصيل الزي النسائي في قبائل سيناء
يعد الزي النسائي السيناوي من أكثر الأزياء التقليدية ثراءً وتنوعًا في الزخرفة والتصميم داخل مصر. ويعكس هوية كل قبيلة وحتى مرحلة عمرية معينة. وأهم مكونات الزي النسائي:
- الثوب المطرز: وهو العنصر الأساسي، وغالبًا ما يكون باللون الأسود ومطرزًا بزخارف ملونة بالخيوط الحمراء والزرقاء والخضراء. وتتفاوت الزخارف بين قبيلة وأخرى، ما يجعل الثوب بمثابة بطاقة تعريف.
- الملاءة أو البرقع: يغطى به الرأس ويُزين بحبات الفضة أو الذهب والنقوش اليدوية. وهو رمز للحياء والزينة في آنٍ معًا.
- الإكسسوارات الفضية: مثل القلائد والأساور والخواتم، وتصنع يدويًا، وغالبًا ما تكون من الفضة الخالصة. إذ تعتبر الفضة رمزًا للطهارة في الثقافة البدوية.
- الحزام العريض: الذي يُشد حول الخصر، وغالبًا ما يطرز بنقوش هندسية دقيقة.
- الوشاح المطرز: يلف حول الرأس أو الرقبة، وتختلف ألوانه باختلاف المرحلة العمرية والمناسبة.
وتقول الدكتورة وفاء جبر، أستاذة الأنثروبولوجيا الثقافية في جامعة قناة السويس، إن الزي النسائي السيناوي ليس فقط وسيلة للستر والزينة. بل هو حامل للذاكرة الثقافية، يجسد كل قطعة فيه التاريخ والعلاقات الاجتماعية والجغرافيا.
دلالات الألوان والرموز في التطريز
التطريز في الزي السيناوي ليس عشوائيًا، بل يحمل دلالات عميقة:
- الأحمر: يرمز للقوة والخصوبة، وغالبًا ما يستخدم في أزياء المتزوجات.
- الأزرق: يستخدم للوقاية من العين والحسد.
- الأخضر: يرمز للنماء والتفاؤل.
- الأشكال الهندسية: مثل المثلثات والدوائر، وتحمل رمزية الحماية والارتباط بالأرض.
- النجوم والهلال: تشير إلى الإيمان والهوية الإسلامية.
التطريز غالبًا ما يكون يدويًا، وتعلمه الجدات للأحفاد منذ الصغر. ما يجعله أداة مهمة لنقل التراث عبر الأجيال.
الفروقات بين شمال وجنوب سيناء
رغم أن كلاً من شمال وجنوب سيناء يتشاركان في الأسس العامة للزي، إلا أن هناك فروقات طفيفة:
- في شمال سيناء، تميل النساء إلى ارتداء ملابس أكثر تحفظًا وزخرفة بسيطة، وتتسم الألوان بالهدوء.
- أما في جنوب سيناء، خاصة بين قبائل الجبالية، فيكون التطريز أكثر كثافة والألوان أكثر سطوعًا. وذلك نتيجة لتأثر المنطقة بالاحتكاك المستمر مع السائحين.
الزي السيناوي الاحتفالي
في الأعراس والمناسبات الكبرى، تخرج النساء “جهازهن” من الملابس التقليدية المطرزة بعناية، والتي قد تستغرق أشهرًا في صناعتها. وفي هذه المناسبات، تزين المرأة رأسها بتاج فضي يعرف باسم “المقصبة”، وتضع أقراطًا ضخمة تسمى “الشنف”، مما يجعل مظهرها أيقونة حية للتراث. والرجال كذلك يرتدون عباءاتهم المطرزة، ويحمل بعضهم خناجر تراثية ترمز للفخر والرجولة.
صمود الزي التقليدي أمام الحداثة
رغم التغيرات الاجتماعية والانفتاح الحضاري، لا يزال الزي السيناوي محتفظًا بمكانته بين قبائل سيناء خاصة في المناسبات والأفراح. بل إن هناك جهودًا من شباب سيناء للحفاظ على هذا الموروث من خلال ورش عمل تعليمية للفتيات لتعلم فن التطريز. معارض تراثية تعرض فيها الأزياء التقليدية في المدن الكبرى. ومشروعات تنموية تدعم صناعة الملابس التقليدية وتسويقها سياحيًا.
وقد أطلقت مؤسسات تنموية مثل مؤسسة “سيناء للتراث والتنمية” مبادرات لتوثيق وترويج الأزياء السيناوية عبر الإنترنت والمنصات الرقمية.



