نفيسة البيضاء.. سيدة أحبها المصريون وأنشأت لهم سبيلًا وكتابًا

أطلقت وزارة الثقافة المصرية، برئاسة الدكتور أحمد هنو، مع بداية شهر يوليو الجاري، مبادرة “مصر تتحدث عن نفسها”، بهدف ربط العمل الثقافي بحياة المواطنين اليومية.
وتتناول هذه المبادرة موضوعًا شهريًا يعكس القيم الأصيلة ويربط بين الفنون والثقافة والتراث والعادات المجتمعية، من خلال فعاليات تقام بالقاهرة والمحافظات، إلى جانب أنشطة دولية تعكس ملامح الثقافة المصرية.
وقد تم اختيار موضوع شهر يوليو تحت عنوان “تراثك ميراثك”، وفي هذا الإطار نشر المجلس الأعلى للثقافة معلومات حول أبرز المعالم السياحية في مصر ضمن مبادرة “صورة وحكاية”، ومن بينها سبيل وكتاب السيدة نفيسة البيضاء.
سبيل وكتاب السيدة نفيسة البيضاء
يقع هذا المعلم التاريخي بالقرب من باب زويلة في حي الغورية، وقد شيدته نفيسة البيضاء، زوجة علي بك الكبير، في أواخر العصر العثماني. وبعد وفاة علي بك، تزوجت من مراد بك، وحازت مكانة مرموقة لدى الشعب المصري، لما قدمته من دعم ومساندة خلال الحملة الفرنسية على مصر، ولما عرف عنها من حب للخير.
أنشأت نفيسة مجموعة خيرية مكوّنة من سبيل يعلوه كتاب ووكالة تجارية تحتوي على محال تؤجر، ويستخدم ريعها للإنفاق على السبيل والكتاب.
طراز معماري عثماني فريد
كما يتخذ السبيل واجهة نصف دائرية تطل على الشارع بثلاثة شبابيك داخل تجاويف معقودة، ترتكز على أربعة أعمدة ملتصقة بالجدار.
وقد زينت هذه الشبابيك بزخارف نباتية متشابكة تبدو كأنها من الدانتيلا، ويتقدمها رف رخامي مخصص لوضع كيزان الماء لسقاية المارة، كما توجد لوحة رخامية بجانب الواجهة، خصصت لشرب الأطفال وكبار السن.
كما يعتبر هذا السبيل نموذجًا مميزًا للطراز العثماني المتأخر بالقاهرة، مع ملاحظة أن خزان المياه لا يقع أسفله مباشرة، بل أسفل مبنى مجاور.
ويعلو السبيل كتاب مخصص لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم للأطفال وأيتام المسلمين، وتزدان واجهته بزخارف حجرية وخشبية ونحاسية ورخامية من وحدات نباتية وهندسية مجسمة، تعكس ملامح الطراز العثماني المتأثر بالفنون الأوروبية خلال عصري النهضة في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وقد خصصت نفيسة هذه المنشآت كمركز خيري، يضم سبيلاً وكتاباً ووكالة تجارية بها محال مؤجرة، إلى جانب حمامين يستخدم ريعهما لأوجه الخير، كما خصصت طوابق علوية لإسكان فقراء المسلمين بمبالغ رمزية.
كما عرفت هذه المجموعة باسم “السكرية”، وزينت واجهة السبيل بأبيات شعرية تمدح فضائل السيدة.
نفيسة البيضاء.. من الحرية إلى الفقر
والجدير بالإشارة أن السيدة نفيسة كانت ذات بشرة بيضاء ملفتة للنظر، ولهذا عرفت باسم “نفيسة البيضاء”، وكانت مثقفة، جميلة، وذات حضور مميز، وكانت إحدى حريم علي بك الكبير حاكم مصر آنذاك.
وقد أعتقها وتزوجها، فأصبحت حرة، وبعد وفاته تزوجت من مراد بك، واشتهرت باسم “نفيسة المرادية” نسبة إلى زوجها.
وبصفتها وريثة ثروة علي بك، أعادت استثمار أموالها في التجارة، لتصبح من أثرياء مصر، إذ امتلكت قصورًا وبيوتًا ووكالات، وجيشًا صغيرًا من 400 مملوك، إضافة إلى عدد كبير من الجواري والخدم.
إلا أن الحملة الفرنسية التي اجتاحت مصر عام 1798، قلبت حياتها رأسًا على عقب، وتكبدت خسائر اقتصادية فادحة، تبعها وباء الطاعون الذي قضى على زوجها مراد بك.
والجدير بالذكر أن السيدة نفيسة اضطرت لدفع غرامات فرضتها عليها الحملة الفرنسية، وتدهورت أحوالها تدريجيًا، حتى جاء محمد علي إلى الحكم وبدأ في القضاء على المماليك، وقد تركها في بيت زوجها الأول علي بك الكبير، لكن بعد أن أصبحت معدمة، وتوفيت فقيرة في عام 1816.



