الدرعية.. من مهد الدولة السعودية إلى رمز الهوية الوطنية
أسماء صبحي – تعد الدرعية واحدة من أهم المدن التاريخية في المملكة العربية السعودية. ليس فقط لمكانتها الجغرافية أو عمرها الزمني، بل لأنها شكّلت نقطة التحول الكبرى في تاريخ الجزيرة العربية. عندما كانت مهدًا لتأسيس الدولة السعودية الأولى في منتصف القرن الثامن عشر..لتتحول لاحقًا إلى رمز للهوية الوطنية وتجسيد حي لمرحلة مفصلية في مسيرة وحدة البلاد وبناء الدولة الحديثة.
دور الدرعية في تأسيس الدولة
تقع المدينة على ضفاف وادي حنيفة في منطقة نجد، وقد تأسست عام 850هـ (1446م) على يد مانع المريدي، الذي ينحدر من قبيلة الدروع. وبمرور الزمن، تحولت من مجرد مستوطنة صغيرة إلى مركز سياسي واجتماعي بارز في قلب الجزيرة.
كما شهدت المدينة أوج أهميتها عام 1157هـ (1744م)، حين تم التحالف التاريخي بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، ما أسس لقيام الدولة السعودية الأولى. ولم يكن هذا التحالف مجرد اتفاق سياسي، بل انطلق من رؤية دينية واجتماعية متكاملة تهدف إلى توحيد أرجاء الجزيرة العربية تحت راية واحدة، ترتكز على تطبيق الشريعة الإسلامية.
الذاكرة الوطنية
رغم الدمار الذي لحق بالمدينة على يد القوات العثمانية بقيادة إبراهيم باشا عام 1818م، بعد حصار دام عدة أشهر. إلا أن رمزيتها لم تنطفئ بل ظلت حية في وجدان السعوديين. كما كانت نواة انطلقت منها فكرة الوحدة. ومهدًا لتأسيس كيان سياسي قوي نجح في بسط الاستقرار في منطقة طالما مزقتها الانقسامات والصراعات القبلية.
ولهذا السبب، فإن المدينة اليوم لا تذكر باعتبارها موقعًا تاريخيًا فحسب. بل كرمز متجذر في الوعي الوطني يعكس قوة الإرادة والتلاحم بين القيادة والشعب.
مشروع “بوابة الدرعية”
في ظل رؤية المملكة 2030، أولت القيادة السعودية اهتمامًا خاصًا بالمدينة، باعتبارها عنصرًا جوهريًا في تعزيز الهوية الثقافية والوطنية. وقد انطلق مشروع “بوابة الدرعية” كأحد أضخم المشاريع الثقافية والتراثية في العالم. بهدف تحويل المدينة إلى وجهة عالمية للثقافة والتاريخ والسياحة.
كما يشمل المشروع ترميم حي الطريف التاريخي، المُدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وتحويله إلى متحف مفتوح يعرض مراحل بناء الدولة السعودية وتطور المجتمع النجدي.
رمز الاستمرارية والاعتزاز بالتاريخ
وتمثل المدينة اليوم جسرًا يربط بين الماضي العريق والمستقبل الطموح. إنها ليست مجرد أطلال أو معالم أثرية، بل سردية وطنية ملهمة تتناقلها الأجيال، وتغذي الشعور بالفخر والانتماء. ففي كل حجر من حجارتها، وكل شارع من شوارعها، قصة تروى عن الصبر، والتضحية، والطموح الذي صنع مجد المملكة.



