حوارات و تقارير

كمال جنبلاط: زعيم وطني ومفكر إصلاحي في تاريخ لبنان

أسماء صبحي – يعتبر كمال جنبلاط واحدًا من أبرز الشخصيات السياسية والفكرية في تاريخ لبنان الحديث. حيث جمع بين العمل السياسي والنشاط الفكري، ولعب دورًا محوريًا في صياغة مسار لبنان السياسي والاجتماعي طوال العقود الوسطى من القرن العشرين. كما كان من أبرز دعاة الإصلاح السياسي والاجتماعي، ودافع عن العدالة والحرية مؤسسًا الحزب التقدمي الاشتراكي ليكون أداة للتغيير في النظام اللبناني.

نشأة كمال جنبلاط

ولد كمال في 6 ديسمبر 1917 في بلدة المختارة بجبل لبنان لعائلة درزية ذات نفوذ تاريخي. واغتيل والده، فؤاد جنبلاط عام 1921، ما جعل كمال يكبر في بيئة سياسية حساسة. كما حصل على تعليمه الأساسي في لبنان ثم انتقل إلى فرنسا حيث درس الفلسفة والحقوق في جامعة السوربون.

لم تكن دراسته للفلسفة والحقوق مجرد تحصيل أكاديمي، بل ساهمت في تشكيل رؤيته السياسية والاجتماعية. حيث تأثر بالفكر الاشتراكي والوجودي وأصبح من دعاة التغيير والإصلاح الاجتماعي في لبنان.

المسيرة السياسية

دخل جنبلاط معترك السياسة في سن مبكرة، وانتخب نائبًا في البرلمان اللبناني عام 1943 ليبدأ مسيرته في المطالبة بإصلاحات اجتماعية وسياسية واسعة. وفي عام 1949، أسس الحزب التقدمي الاشتراكي، وهو حزب ذو توجه يساري سعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الطوائف اللبنانية.

وكان جنبلاط مؤمنًا بأن لبنان يحتاج إلى نظام ديمقراطي علماني يقوم على إلغاء الطائفية السياسية وتعزيز دولة القانون. كما كان من أشد المنتقدين للنظام الإقطاعي الذي كان يسيطر على لبنان في تلك الفترة.

مواقفه الوطنية والعربية

كان جنبلاط داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية، ورفض أي شكل من أشكال الاحتلال الإسرائيلي. كما دعا إلى دعم المقاومة الفلسطينية ومنح الفلسطينيين حقوقهم.

ودعا جنبلاط إلى استقلال لبنان عن النفوذ الخارجي، سواء من الغرب أو من الدول العربية الكبرى. وكان يؤمن بضرورة وجود قرار لبناني مستقل بعيدًا عن التجاذبات الإقليمية.

كما دافع جنبلاط عن حقوق الطبقات الفقيرة والمهمشة في لبنان. وطالب بإصلاحات اقتصادية تقلل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مثل فرض ضرائب تصاعدية على الثروة وتحسين مستوى التعليم والخدمات الصحية.

دور كمال جنبلاط في الحرب الأهلية اللبنانية

مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، لعب كمال جنبلاط دورًا بارزًا كزعيم للجبهة الوطنية التقدمية، التي ضمت أحزابًا يسارية وقومية دعمت القضية الفلسطينية وطالبت بإصلاح النظام السياسي اللبناني.

وكان أحد أبرز المطالبين بإلغاء النظام الطائفي في لبنان. وهو المطلب الذي جعله في صدام مباشر مع القوى التقليدية المحافظة مما أدى إلى تصاعد العداء ضده.

في 16 مارس 1977، اغتيل كمال جنبلاط في منطقة بعقلين بجبل لبنان في ظروف غامضة. بعدما اشتدت الخلافات السياسية بينه وبين النظام السوري. كما أثار اغتياله صدمة كبرى في لبنان والعالم العربي حيث فقدت البلاد واحدًا من أبرز قادتها الإصلاحيين.

ويقول الباحث في الشؤون اللبنانية، فؤاد أفرام البستاني، إن كمال جنبلاط شخصية استثنائية جمع بين الفكر والعمل. كما سعى لتحقيق مجتمع أكثر عدالة وتقدمًا، ولو كتب له العيش في ظروف سياسية أكثر استقرارًا لكان لبنان اليوم مختلفًا تمامًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى