المزيد

ابن بطلان: الطبيب الفيلسوف الذي أشعل جدالات الطب بين بغداد والقاهرة

ولد الطبيب والفيلسوف أبو أنيس المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان في بغداد، حيث نشأ وتلقى تعليمه على يد أبي الفرج بن الطيب، وتعمق في دراسته تحت إشراف أبي الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني، مما ساهم في بناء خلفيته الطبية والفلسفية. كان ابن بطلان معاصراً للطبيب المصري علي بن رضوان، ونشأت بينهما سجالات فكرية محتدمة قبل أن يلتقيا وجهاً لوجه.

من هو ابن بطلان

تنقل ابن بطلان بين العديد من المدن، فغادر بغداد متوجهاً إلى الموصل وديار بكر، ثم حل ضيفاً على حلب حيث لقي تكريماً كبيراً من معزّ الدولة ثمال بن صالح. لكن شغفه بالمواجهة الفكرية قاده إلى مصر، حيث وصل إلى الفسطاط في جمادى الآخرة سنة 441 هـ، بهدف لقاء خصمه الفكري علي بن رضوان. أمضى ثلاث سنوات في مصر شهدت مواجهات فكرية حادة، أسفرت عن تأليف رسائل نقدية متبادلة بين الطرفين. غادر ابن بطلان مصر غاضباً، وكتب رسالة لاذعة ضد ابن رضوان.

واصل ابن بطلان رحلته إلى القسطنطينية، حيث واجه انتشار الطاعون في سنة 446 هـ. أمضى عاماً هناك قبل أن ينتقل إلى إنطاكية، حيث استقر وأمضى سنواته الأخيرة في التنسك داخل أحد أديرتها حتى وافته المنية.

ترك ابن بطلان إرثاً علمياً غنياً، من أبرز مؤلفاته “تقويم الصحة” الذي تُرجم إلى اللاتينية في عام 1531م، بالإضافة إلى “مقامة دعوة الأطباء”، و”مقالة في شرب الدواء المسهل”، و”مقالة في كيفية دخول الغذاء في البدن وهضمه وخروج فضلاته”، و”كتاب المدخل إلى الطب”، و”عمدة الطبيب في معرفة النبات”. كما كتب مقالة مهمة تناولت تحول الأطباء المهرة من استخدام الأدوية الحارة إلى التدابير المبردة لعلاج الأمراض.

وثق ابن أبي أصيبعة في كتابه “عيون الأنباء في طبقات الأطباء” مكانة ابن بطلان كأحد أعلام الطب، مشيراً إلى إتقانه للعلوم الطبية والفلسفية وتفوقه في الأدب. وصفه بأنه واسع الثقافة، خفيف الظل، مبدع في صياغة الأفكار. بينما اعتُبر علي بن رضوان أكثر تخصصاً في العلوم الحكمية. اشتهرت رسائلهم المتبادلة بالسجالات الحادة التي مزجت بين النقد العلمي والسخرية الأدبية، مما أضفى طابعاً فريداً على تاريخ الفكر الطبي في تلك الحقبة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى