حوارات و تقارير

قرية آل ينفع: من عبق التاريخ إلى ساحة للفنون والثقافة الحديثة

تحولت قرية “آل ينفع” الأثرية في منطقة عسير إلى أكثر من مجرد وجهة سياحية تنبض بتاريخ يمتد لأكثر من 1400 عام. أصبحت القرية اليوم مركزًا يحتضن الفنون المعاصرة، حيث يلتقي عبق الماضي بجمال الحاضر وسط مبانيها التراثية التي شهدت عمليات ترميم وتأهيل شاملة خلال العامين الماضيين.

تاريخ قرية آل ينفع

تقع قرية “آل ينفع” على مساحة تتجاوز 121 ألف متر مربع في مركز تمنية جنوب غرب مدينة أبها، على بعد حوالي 40 كيلومترًا منها. تتميز بموقعها الفريد بين مواقع سياحية معروفة مثل “القرعاء” و”المسقي” و”دلغان” و”الحبلة”، إضافةً إلى قربها من المدينة الجامعية لجامعة الملك خالد، ما يجعلها وجهة مثالية للزوار والطلاب على حد سواء.

شهدت القرية تطويرًا شاملًا نفذته أمانة منطقة عسير، مما جعلها مركزًا ثقافيًا نابضًا بالحياة وموقعًا سياحيًا يجذب الزوار من مختلف المناطق. كان من أبرز الفعاليات التي استضافتها القرية “ملتقى قريتنا الفنية”، بتنظيم هيئة تطوير منطقة عسير بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بأبها والجمعية السعودية للفنون التشكيلية “جسفت” في نهاية نوفمبر الماضي.

كمل تضمن الملتقى مجموعة من الأنشطة الفنية والثقافية، مثل نقاشات حول “الفنون البصرية ودورها في تحسين جودة الحياة”، وورش عمل عن “فنون الزخرفة التراثية” و”التصوير الضوئي في منطقة عسير”، إلى جانب استعراض “تاريخ الفنون التشكيلية في عسير”. كما أقيمت ورش فنية ودورات تدريبية للراغبين في تطوير مهاراتهم، إضافة إلى فعاليات للرسم الحر تعزز التفاعل بين الزوار والفنانين.

تتميز مباني القرية بتصميم معماري فريد، حيث تتراص بشكل متناغم وسط الجبال وتطل على مساحات زراعية ترويها أكثر من 70 بئرًا، منها 7 آبار منحوتة في الصخور. يعتمد أهالي القرية على نظام ري تقليدي متطور عمره قرون، يستخدم شبكة من القنوات التي تنقل المياه من الآبار إلى الحقول والمنازل. تمتد قناة مائية قديمة بطول 160 مترًا بين الصخور، تربط إحدى الآبار القديمة بالمزارع المجاورة.

تصميمها

كما يبهر الزائر بمهارة سكان القرية في نحت الصخور، حيث شيدوا حوالي 50 مدفنًا دائري الشكل لتخزين الحبوب بعد مواسم الحصاد. ويبرز من بين هذه المدافن “بيت الجماعة” الذي استخدم كمركز عام لتخزين الحبوب وجمعها.

أكد عضو الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، علي أبو علوة، أن قرية “آل ينفع” تعد وجهة سياحية مهمة في المملكة لما تحتويه من عناصر حضارية وتراثية فريدة، مثل البيوت القديمة ذات الطابع العمراني المميز والقنوات المائية ذات التصاميم الهندسية الرائعة. تضم القرية 400 منزل أثري موزع على 16 حيًا، وتحتوي على 6 مساجد تاريخية، أبرزها الجامع القديم الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 105 هـ وفقًا للنقش الموجود على بابه.

أوضح المشرف على مشروع تطوير القرية، علي بن موسى الغثيمي، أن “آل ينفع” تقع فوق جبل من الحجر الرملي الأحمر الذي يتميز بمسامية تسمح بمرور المياه، ما سهّل حفر الآبار في العصور القديمة. ترتفع القرية عن سطح البحر حوالي 2600 متر، ويتميز مناخها بالبرودة شتاءً والاعتدال صيفًا، حيث تتأثر بالرياح الموسمية الجنوبية الغربية القادمة من البحر الأحمر والمحمّلة بالأمطار التي تهطل عليها في موسمين سنويًا.

كما تضم القرية 36 طريقًا قديمًا تعرف باسم “الشداخات”، وهي ممرات تمر تحت المباني لربط مختلف أحياء القرية، مما يسهل التنقل بين المنازل بسرعة وأمان. شملت أعمال التطوير التي نفذتها أمانة منطقة عسير إعادة تأهيل هذه الممرات والساحات بتكسية حجرية تتماشى مع الطابع التراثي، إلى جانب تركيب أنظمة إضاءة حديثة تعزز من جمالية المكان. كما تم تنفيذ أعمال زراعية في المداخل والممرات وإنشاء مشروع لتصريف مياه الأمطار باستخدام الأخشاب الطبيعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى