مسجد الحسين: رمز القاهرة التاريخي ومزار روحاني يتجدد عبر العصور
عرفت القاهرة بلقب “بلد الألف مئذنة”، لكن الحقيقة تتجاوز هذا الرقم بكثير، مما يعكس ثراء العمارة الإسلامية في العاصمة المصرية. ففي يونيو 2020، أعلنت وزارة الأوقاف المصرية أن عدد المساجد الرسمية في القاهرة بلغ 2475 مسجداً، بالإضافة إلى 2485 زاوية. وعلى مستوى الجمهورية، أكد وزير الأوقاف محمد مختار جمعة أن مصر تحتضن أكثر من 140 ألف مسجد وزاوية، منها أكثر من 100 ألف مسجد جامع كبير، مشيراً إلى أن مصر ليست فقط بلد الألف مئذنة، بل أصبحت بلد المئة ألف مئذنة، مما يعكس عمق التدين الراسخ في وجدان الشعب المصري.
تاريخ مسجد الحسين
القاهرة تزخر بمساجد تاريخية تحمل بصمة عصور مختلفة منذ فتحها عام 641 ميلادية، ومنها مسجد الحسين الذي يعد واحداً من أبرز المعالم الإسلامية. هذا المسجد يحتل مكانة خاصة في قلوب المصريين، حيث يتوافد إليه الزوار من جميع أنحاء البلاد وخارجها طلباً للبركة والنظر إلى تراث آل البيت. حي الحسين يكتسي أجواء خاصة خلال شهر رمضان، حيث يحتشد آلاف المصريين للصلاة وزيارة المقام الشريف والاعتكاف، خاصة في العشر الأواخر من الشهر الفضيل.
يتحول الحي في ليالي رمضان، إلى مركز روحي وثقافي، حيث تعلو مكبرات الصوت بأصوات التراويح والابتهالات، ما يضفي على المكان طابعاً إيمانياً فريداً. كما يحتفل أهالي الحي والطرق الصوفية بمولد الإمام الحسين مرتين في العام، ليصبح الحي وجهة مميزة لمحبي التراث الديني.
مسجد الحسين الذي أنشئ عام 1154 بأمر الخليفة الفاطمي الفائز بنصر الله تحت إشراف الوزير الصالح طلائع، يعتقد أنه بني خصيصاً لدفن رأس الإمام الحسين بعد نقلها من عسقلان. ويعد المسجد اليوم معلماً معمارياً وثقافياً بارزاً، يتميز بتصميمه الذي يضم تسعة أبواب رئيسية، أبرزها باب الفرج والباب الأخضر.
مقتنياته
وفي داخله، توجد حجرة الآثار النبوية التي تحتضن مقتنيات نادرة مثل شعيرات من لحية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسيف العضد، وبعض أدواته الشخصية، إلى جانب مصحف نادر منسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب مكتوب بالخط الكوفي القديم.
رغم الجدل حول مكان دفن رأس الإمام الحسين، يؤكد العديد من المؤرخين وجودها داخل المسجد، حيث نقلت في موكب مهيب من عسقلان إلى القاهرة في عصر الفاطميين. ويعد المسجد اليوم مقصدًا للزوار من مختلف دول العالم، الذين يأتون لاستكشاف التراث الإسلامي العريق.
على مر السنين، تعرض مسجد الحسين لتحديات عديدة، كان أبرزها حادثة تفجير في عام 2009 قرب المسجد. ورغم ذلك، خضع المسجد لعمليات تطوير شاملة، كان آخرها في عام 2022 تحت إشراف الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتكلفة وصلت إلى 150 مليون جنيه، ليظل المسجد رمزاً للإيمان والتاريخ، ومعلماً يعكس عبقرية العمارة الإسلامية وروحانيتها التي لا تخبو مع الزمن.