تاريخ “مهنة سن السكاكين”.. من سيوف الحروب إلى أدوات الطهي
لطالما لعبت مهنة سن السكاكين دورًا بارزًا في حياة الإنسان منذ ابتكاره أول سيف وخنجر للدفاع عن النفس وخوض المعارك. ومع تطور أدوات القتال، ازدادت أهمية هذه الحرفة وأصبحت لا غنى عنها في المجتمعات كافة، إلا أنه مع نهاية عصر السيوف والخناجر، تراجعت المهنة تدريجيًا حتى باتت اليوم مهنة نادرة تمارس في نطاق ضيق، مثل تجهيز أدوات الجزارة في موسم عيد الأضحى.
ورغم اندثارها، بقيت مهنة سن السكاكين شاهدة على تاريخ طويل من الحرف اليدوية التي رافقت تطور البشرية، حيث حرص المستشرقون على توثيقها في رسوماتهم كإحدى المهن الأساسية آنذاك، وسنتعرف في هذا التقرير على حكاية هذه المهنة، بداية من نشأتها، مرورًا بازدهارها، وصولًا إلى انحسارها في الزمن الحديث.
أصل المهنة: من السيف والخنجر إلى السكين
منذ القدم، أدرك الإنسان أهمية السلاح للدفاع عن النفس والصيد. فالسيف والخنجر كانا أول الأدوات المعدنية التي طورها البشر، ومع الحاجة للحفاظ على حدتها، نشأت مهنة سن الأدوات المعدنية كجزء أساسي من حياة المجتمعات القديمة. كانت هذه الحرفة مرتبطة مباشرة بالحدادين والصنّاع الذين استعانوا بالـ”مُسنّ” لضمان جودة أدواتهم واستمرارها.
ازدهار المهنة في العصور الوسطى
في العصور الوسطى، بلغت مهنة سن السكاكين والسيوف ذروتها، خاصةً خلال فترات الحروب. اعتمدت الجيوش على الحدادين والمسّنين لتجهيز الأسلحة قبل خوض المعارك. ولم تقتصر هذه المهنة على الجيش، بل انتشرت في الأسواق والقرى لتلبية احتياجات الناس اليومية، سواء في إعداد الطعام أو الدفاع الشخصي.
انحسار المهنة مع نهاية عصر السيوف
مع تطور الأسلحة النارية في العصور الحديثة، تراجع استخدام السيوف والخناجر تدريجيًا، مما أدى إلى تقلص الحاجة إلى مهنة سن السكاكين. ومع ظهور أدوات الطهي الحديثة والمسنات اليدوية، بدأت الحرفة تتلاشى بشكل ملحوظ، مقتصرة على الاستخدامات المحدودة.
استمرار المهنة في المواسم والمناسبات
على الرغم من انحسار مهنة سن السكاكين، إلا أنها لا تزال تجد مساحة ضيقة في بعض المناسبات، مثل عيد الأضحى، حيث يحتاج الجزارون إلى أدوات حادة لتنفيذ طقوس الذبح. وفي تلك الفترات، يعود الحرفيون القليلون لممارسة عملهم، مما يعيد الحياة لهذه المهنة بشكل مؤقت.
تصوير المهنة في الفن الشرقي
حرص المستشرقون على توثيق مهنة سن السكاكين خلال رحلاتهم إلى الشرق، حيث ظهرت شخصية “المُسنّ” في رسوماتهم كجزء لا يتجزأ من الأسواق والميادين. وأظهرت تلك اللوحات المسنّ بجانب عجلة حجرية دوارة يديرها بقدمه. بينما يعمل على سن السكاكين والخناجر، مما يعكس أهمية المهنة في تلك الحقبة الزمنية.
الصعوبات التي تواجه المهنة اليوم
- قلة الحرفيين المهرة: مع اندثار المهنة، تراجعت المهارات المتعلقة بها بين الأجيال الجديدة.
- انتشار الأدوات الحديثة: أدوات السن اليدوية والكهربائية جعلت العملية أسرع وأسهل، مما قلل الحاجة إلى الحرفيين.
- انخفاض الطلب: مع تراجع استخدام الأدوات الحادة خارج نطاق المطاعم والجزارين، تقلصت أهمية هذه الحرفة.
أهمية الحفاظ على الحرفة
رغم أنها باتت شبه منقرضة، إلا أن مهنة سن السكاكين تمثل جزءًا مهمًا من التراث الإنساني. يمكن الحفاظ عليها من خلال:
- إقامة ورش تعليمية للشباب لتعلم فنونها.
- توثيقها في الكتب والمعارض الفنية.
- دعم الحرفيين القائمين عليها وتشجيعهم على مواصلة العمل.
لماذا تظل هذه المهنة رمزًا للحضارة؟
تعكس مهنة سن السكاكين القدرة الابتكارية للإنسان في تلبية احتياجاته اليومية، كما أنها تمثل جزءًا من التراث الإنساني الذي يحمل قيمة تاريخية ورمزية تستحق الحفاظ عليها.
هذه الحرفة ليست مجرد عمل يدوي، بل هي سجل حي لتاريخ طويل من الإبداع والصمود أمام تحديات الزمن. ورغم كونها مهددة بالاندثار، فإنها تستحق الاحتفاء بها كجزء من الذاكرة الثقافية والفنية للإنسانية.