دير سمعان: جوهرة بيزنطية في قلب فلسطين

أسماء صبحي
يقع دير سمعان في بلدة كفر الديك غرب محافظة سلفيت، في قلب الطبيعة الفلسطينية الساحرة. وتحديدًا على تلة تطل على السهول والوديان المحيطة، مما يمنحه موقعًا استراتيجيًا كان ملائمًا للرهبان الباحثين عن العزلة والتأمل. كما يعتبر هذا الموقع شاهدًا على أهمية المنطقة في العصور البيزنطية، حيث كانت فلسطين مركزًا دينيًا وثقافيًا رئيسيًا.
تاريخ دير سمعان
ويعود تاريخ الدير إلى القرن الخامس الميلادي، ويعتبر من أبرز المعالم التي تمثل العمارة البيزنطية. ويتألف الموقع من مجموعة متكاملة من المباني، تشمل كنيسة مركزية مزينة بالفسيفساء. وغرف سكنية كانت تستخدم لإقامة الرهبان، وأقبية تخزين للطعام والمؤن. إضافة إلى ساحات مفتوحة وأروقة ذات تصميم هندسي متناسق. كما يحتوي الدير على نقوش وزخارف تعكس الرموز المسيحية المبكرة. مثل الصلبان والعناقيد، التي كانت شائعة في تلك الفترة.
كان الدير مركزًا دينيًا وروحيًا للحجاج المسيحيين والرهبان الباحثين عن الخلوة. ويقال إن القديس سمعان العمودي، الذي اشتُهر بحياته النسكية وصعوده على عمود للتأمل والعبادة، قد ألهم بناء هذا الدير. كما يعد الموقع رمزًا للتعايش الديني والثقافي الذي عاشته فلسطين في تلك الحقبة، حيث تعايشت الديانات المختلفة في انسجام وتفاعل.
التحديات التي يواجهها الدير
رغم الأهمية التاريخية والدينية لدير سمعان، فإنه يواجه العديد من التحديات. منها الإهمال والتعرض للعوامل الجوية التي تؤدي إلى تآكل بنيته الحجرية. كما تعاني المواقع الأثرية الفلسطينية بشكل عام من نقص في الموارد المالية والدعم اللازم لحمايتها.
ويوضح الدكتور محمد عبد الله، أستاذ التاريخ والآثار في جامعة النجاح الوطنية، أن دير سمعان وغيره من المواقع الأثرية الفلسطينية تواجه خطر الاندثار إذا لم تتخذ إجراءات جدية للحفاظ عليها. خاصة في ظل الضغوط السياسية والاقتصادية التي تعاني منها المنطقة.
وهناك مساعي محلية ودولية للحفاظ على هذا المعلم التاريخي. حيث تعمل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بالتعاون مع منظمات دولية على توثيق الموقع وإجراء دراسات أثرية حوله. كما يتم تنظيم حملات توعية تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية التراث الفلسطيني ودوره في الحفاظ على الهوية الثقافية.
ولا يزال الدير شاهدًا حيًا على عظمة العمارة البيزنطية ودور فلسطين التاريخي كمركز ديني وثقافي. وتتيح زيارة هذا الموقع الفرصة للتعرف على تاريخ المنطقة العريق وتبرز أهمية حماية التراث الإنساني.